د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):
السياسة الخارجية في ولاية ترامب الثانية.. مزيج من الردع والاحتواء
في حدث تاريخي هام، جرت اليوم مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لولاية ثانية في مبنى الكونغرس الأمريكي في واشنطن، وسط حضور رسمي محلي، إقليمي ودولي. تم تنصيب ترامب بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، ليخلف الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن.
بدأ ترامب خطابه بالتأكيد على استعادة مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، مشيرًا إلى أن "العهد الذهبي لأمريكا يبدأ الآن". وقال: "بداية من اليوم، سيحترم الجميع بلادنا. لن نسمح لأحد باستغلالنا. سنحافظ على سيادتنا، والأمن سيعود، وأمريكا ستكون عظيمة أكثر من أي وقت مضى". هذه الكلمات تجسد الرؤية التي حملتها حملته الانتخابية في تعزيز القوة الاقتصادية والسياسية لأمريكا وحماية مصالحها القومية.
تطرق ترامب إلى ضرورة مكافحة الفساد السياسي واستعادة الثقة في المؤسسات الحكومية. وأكد أن "استغلال وزارة العدل سلاحًا سياسيا سينتهي"، مشيرًا إلى المشاكل القانونية التي رافقته طوال فترة رئاسته الأولى. كما تناول التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المواطن الأمريكي، مشيرًا إلى "أزمة الثقة في حكوماتنا منذ سنوات عديدة"، وموضحًا أن "حكوماتنا أخفقت في حماية المواطن الأمريكي والدفاع عن حدودنا".
أكد ترامب في خطابه على ضرورة تعزيز القوة العسكرية للولايات المتحدة لضمان مكانتها كقوة عظمى في مواجهة التحديات العالمية، خاصة من دول مثل الصين وروسيا. كما تطرق إلى استراتيجيته في تقليل التدخلات العسكرية المباشرة، مؤكداً أنه لن يشارك في حروب غير ضرورية ولكن سيحافظ على سيادة بلاده وأمنها.
أشار ترامب إلى إعادة الموظفين الذين تم فصلهم بسبب جائحة كوفيد-19، وهو جزء من خطته لاستعادة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الولايات المتحدة. كما أكد أن الجيش الأمريكي سيكون في حالة استعداد تام لمواجهة أي تهديدات، ولفت إلى بناء أقوى جيش في العالم ليس من حيث الحجم فقط، بل من خلال القدرة على إنهاء الحروب سريعًا باستخدام القوة العسكرية الفائقة.
تطرق ترامب إلى قضايا العدالة الدولية، مثل إعادة تسمية خليج المكسيك إلى "خليج أمريكا" وعودة حقوق الولايات المتحدة في قناة بنما. كما أكد أن الولايات المتحدة ستواصل مواجهة التهديدات من الصين، مشيرًا إلى "القوات البحرية لم نعطها الصين"، في إشارة إلى السياسة الأمريكية في التصدي لتمدد النفوذ الصيني.
دعا ترامب الشعب الأمريكي إلى الطموح نحو استكشاف الفضاء، مع التركيز على هدف العودة إلى القمر والتطلع إلى كوكب المريخ. كما أشار إلى تاريخ الأمة الأمريكية، مؤكدًا أن الشعب الأمريكي قد بنى دولة قوية رغم التحديات، وأكد أن "ليس هناك مستحيل" في تحقيق الطموحات الكبرى للأمة.
في ختام خطابه، أكد ترامب أن "المستحيل هو ما نقوم به بشكل أفضل"، معربًا عن عزمه على تجاوز أي صعوبات ومواصلة السعي لتحقيق الطموحات الكبيرة لأمريكا.
الخطاب أبرز بوضوح التوجهات القومية لإدارة ترامب، حيث ركز على تعزيز القوة العسكرية، وتحقيق العدالة الاقتصادية، والالتزام بتحقيق السلام من خلال تقليل التدخلات العسكرية. كما سلط الضوء على إعادة هيبة الولايات المتحدة في الساحة الدولية واستعادة قوتها الاقتصادية والعسكرية.
أما من حيث التحديات المستقبلية، فسيواجه ترامب في ولايته الثانية تحديات كبيرة، سواء على الصعيد الداخلي حيث لا يزال الاستقطاب السياسي قائمًا، أو على الصعيد الدولي حيث يواصل الصراع مع القوى العالمية مثل الصين وروسيا. سيحتاج ترامب أيضًا إلى معالجة قضايا الاستقطاب الاجتماعي والأزمة الاقتصادية التي أثرت على ملايين الأمريكيين، خاصة في أعقاب جائحة كوفيد-19.
خطاب التنصيب لم يكن مجرد إعلان عن ولاية ثانية، بل كان تأكيدًا على التزام الرئيس ترامب بالتحقيق في طموحات كبيرة داخليًا وخارجيًا، مع الحفاظ على شعار "أمريكا أولاً". في النهاية، يبقى أن نرى كيف ستؤثر هذه السياسات في الواقع على مستقبل الولايات المتحدة في ظل التحديات العالمية والمحلية الحالية.