محمد خلفان يكتب:
الإمارات.. ومؤشرات جديدة لقوة الدول
قراءة الأرقام والمؤشرات الخاصة بالبنية اللوجستية لدولة الإمارات، وقدرتها على استقبال أعداد كبيرة من مستخدمي منافذها الحدودية، واستضافتها فعاليات دولية ضخمة، تعطي إشارة لمدى التقدم الذي بلغته الدولة في مجالات القوة الشاملة.
ومن أهم عناصر ما يمكن تسميته "البنية اللوجستية" هنا في دولة الإمارات: البنية التحتية التقليدية، إضافة إلى البنية الإلكترونية، والقدرات التنظيمية والتخطيطية، التي تخلق منظومة إدارة وتوجيه وتحكم واستجابة مرنة وفعالة في مختلف الأحوال، سواء العادية أو الطارئة.
كذلك موقع الدولة وترتيبها في كفاءة منافذ الدخول والخروج، بما في ذلك المواني والمطارات والمعابر الحدودية، إذ تمثل واجهة الدولة ومظهر ورمز تحضرها وقوتها وتقدمها، وهو ما يظهر بالتبعية في أعداد القادمين إلى الدولة والمسافرين عبر تلك المنافذ.
وبشكل أكثر دقة، فقد أشارت أحدث الأرقام إلى أن مطار أبوظبي الدولي قد استقبل خلال العام الماضي نحو 15 مليون مسافر، بزيادة تصل إلى ثلاثة أضعاف العدد في العام السابق، 2021.. فيما استقبل مطار دبي 23.7 مليون مسافر في العام الماضي بزيادة نحو 89% عن العام السابق.
وفي المجمل احتلت مطارات دولة الإمارات المرتبة الأولى إقليميا، والثانية عالميا في تقرير مجلس المطارات الدولي ACI لعام 2022 في استقبال الوافدين.
هذه المؤشرات تفسر لنا أنه لم تعد قوة الدول حاليا تُقاس فقط بالجوانب المادية، كالقوة العسكرية أو عدد السكان، كما كان الحال في الزمن السابق.
كما تبين هذه المؤشرات أن القوة الاقتصادية، سواء الممثلة في الصناعة المتقدمة أو في الوفرة المالية، فقدت موقع الصدارة، الذي احتلته منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو ما ينبغي الانتباه إليه خلال الفترات القادمة.
فمنذ بداية الألفية الجديدة، ومع بروز وصعود القوة الناعمة وغير المباشرة لقوة الدولة، تبلورت أولويات مختلفة لأهمية وترتيب عناصر القوة الشاملة لأي دولة.. فظهرت عناصر لم تكن قائمة أصلا، مثل: الرقمنة، والبنية التحتية الإلكترونية.
وتزايدت أهمية عناصر أخرى مثل الأمن والاستقرار الداخلي والتماسك المجتمعي.
ومع بداية العقد الثالث من الألفية الجديدة، يمكننا رصد مؤشرات ومقاييس جديدة لقوة الدولة، وهي أكثر رقيا وتقدما، كالتسامح والسعادة والرفاهية والعدالة والشفافية والتنافسية.. بالإضافة إلى قدرات الدولة وإمكاناتها في معالجة الأزمات والطوارئ ومدى فعاليتها في مواجهة التهديدات غير التقليدية، التي بدأت تتوالى بشكل متزايد على العالم مؤخرا.. بدءا من الأزمات البيئية والمُناخية كالتصحر والاحترار، مرورا بالأوبئة والأزمات مثل كورونا ومتحوراته، وانتهاء بأزمات نقص الموارد لأسباب طبيعية وتوقف سلاسل الإمداد بسبب النزاعات المسلحة مثل الحرب الروسية الأوكرانية.
هذه البيانات لا تدعو فقط إلى التفاؤل بمزيد من التقدم لدولة الإمارات في العام الجديد، 2023، وإنما هي تأكيد أن هذه الدولة تضع الرفاهية والراحة ضمن معايير قوتها، الأمر الذي يدفع مختلف الدول إلى الارتقاء بمعايير التقدم وبأهداف التنمية الشاملة لتضم تلك المؤشرات ضمن الأهداف ذات الأولوية.
دولة الإمارات، التي تضع التعايش الإنساني على رأس أولوياتها، وتحتل صدارة أكثر الدول تسامحا، سيكون تركيزها على تعميم هذه المؤشرات والمعايير المتقدمة على كل دول العالم، وذلك ضمن أجندتها المستهدفة في المرحلة المقبلة، من منطلق أن الخير والتقدم والسعادة للجميع.