خير الله خير الله يكتب:

حدث يمني لا يمكن تجاهله

في الطريق إلى بلوغ الوضع اليمني ما بلغه من تشظٍّ، هناك حدث، بل تاريخ معيّن، لا يجوز تجاهله، مثلما لا يمكن تجاهل أحداث وتواريخ أخرى عدّة. من بين هذه الأحداث والتواريخ إعلان الوحدة اليمنية في 22 أيّار – مايو 1990 أو انتهاء اليمن الذي عرفناه، كدولتين أو دولة واحدة، مع بدء تنفيذ الانقلاب الإخواني على علي عبدالله صالح في شباط – فبراير 2011. مهّد ذلك الانقلاب لوضع الحوثيين (جماعة أنصارالله)، أي إيران، أياديهم على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014.

كان الحدث الذي لا يجوز تجاهله في تاريخ 13 كانون الثاني – يناير 1986. لولا ما يسمّى “أحداث 13 يناير” لما كانت الوحدة اليمنيّة، بحسناتها وسيئاتها، تحقّقت في يوم من الأيّام. ولكانت هذه الوحدة بقيت أحلاما وأمنيات وشعارات يستخدمها هذا السياسي أو هذا الحزب للاستهلاك المحلي.

من بين حسنات الوحدة قيام التعددية الحزبية في اليمن وترسيم الحدود اليمنيّة – السعودية وقبلها الحدود اليمنية – العُمانية. لم يكن ترسيم الحدود اليمنيّة مع المملكة العربيّة السعوديّة ممكنا لولا الوحدة، ذلك أن ترسيم الشمال للحدود مع المملكة كان عرضة لمزايدات جنوبيّة فيما كان ترسيم الجنوب للحدود عرضة لمزايدات شماليّة. من بين سيئات الوحدة أحداث صيف العام 1994 التي أنهت الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب حتّى العام 1990.

مع انتهاء الحزب الاشتراكي، بكل ما كان يمثله، كعامل توازن في البلد، وتحولّه إلى مجرّد متفرّج على ما يدور من تطورات، بدأ الصعود الصاروخي للإسلام السياسي الذي دخل في صراع مكشوف مع علي عبدالله صالح الذي حاول طوال حياته إمساك العصا من الوسط ولعب دور الحكم بين خصومه. تُوّج ذلك الصراع مع الإسلام السياسي بتعرّض الرئيس السابق لمحاولة اغتيال في الثالث من حزيران – يونيو 2011. لم يكن الإخوان المسلمون، الذين يعملون في اليمن تحت تسمية حزب التجمع اليمني للإصلاح، بعيدين عن تلك المحاولة التي كان مسرحها مسجد النهدين المقام في دار الرئاسة اليمنية في صنعاء.

لا بدّ من العودة دائما إلى “أحداث 13 يناير”، التي بات عمرها 37 عاما والتي تعتبر محطة محورية في التاريخ الحديث لليمن. في ذلك اليوم من العام 1986، انفجر الوضع في عدن عاصمة “جمهوريّة اليمن الديمقراطيّة الشعبيّة”. دار قتال شرس بين الجيش المنقسم على نفسه. كانت الشرارة محاولة تصفية الرئيس علي ناصر محمّد (كان رئيسا للدولة والأمين العام للحزب) لخصومه الأعضاء في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي في أثناء اجتماع مقرّر للقيادة الحزبية في حي التواهي العدني. بغض النظر عن المسؤولية التي يتحملها الرئيس اليمني الجنوبي السابق وما إذا كان ما قام به، عبر مرافق له يدعى حسّان (من منطقة ردفان)، دفاعا عن النفس أو تصفية لأشخاص كانوا ينوون التخلص منه، يبقى أن ما حصل انتهى في غير مصلحة علي ناصر.

نظريا، انتصر الجناح المعادي لعلي ناصر وأصبح علي سالم البيض أمينا عاما للحزب، أي الرجل الأقوى في البلد، وحيدر أبوبكر العطاس رئيسا للدولة. عمليا، انتهى النظام القائم في اليمن الجنوبي. ما حدث كان حربا أهلية كشفت عجز الاتحاد السوفياتي عن احتوائها. في الواقع، أشرعت “أحداث 13 يناير” الأبواب أمام هرب أهل النظام في اليمن الجنوبي إلى الوحدة التي قضت على النظام، لكنّها أنقذت أهل النظام وإن مؤقتا، أي حتّى صيف العام 1994 حين سقط الجنوب وتجربته البائسة في يد النظام المركزي الذي كان يؤمن به علي عبدالله صالح، ولا يؤمن بغيره.

كلّ ما يشهده اليمن اليوم تأسّس على ما حدث في 13 كانون الثاني – يناير 1986. لم تكن تلك الأحداث عادية بأي شكل من الأشكال. كانت الدليل الأوّل على بدء انهيار الاتحاد السوفياتي الذي لم يجد من يجلي مواطنيه العالقين في اليمن الجنوبي غير يخت ملكة بريطانيا الراحلة الذي رسا في ميناء عدن. سبق أحداث اليمن الجنوبي حادث المفاعل النووي في تشيرنوبيل، وهو حادث لعب دوره في انكشاف مدى تخلّف النظام في الاتحاد السوفياتي ودرجة ترهّله.

باختصار شديد، ما كانت الوحدة اليمنيّة ممكنة لولا “أحداث 13 يناير”. المخيف في الأمر أنّه لم يوجد في اليمن من كان يريد الاستفادة من مغزى تلك الأحداث، خصوصا الإسلام السياسي الذي اعتقد أنّه بات قاب قوسين أو أدنى من خلافة علي عبدالله صالح… الذي أدرك باكرا معنى خسارة حزب مثل الحزب الاشتراكي كان قادرا على الوقوف في وجه تنظيم الإخوان المسلمين وواجهته المتمثلة في حزب التجمع اليمني للإصلاح.

أخذت “أحداث 13 يناير” اليمن إلى الوحدة. أخذته الوحدة إلى حرب صيف 1994. أخذته حرب صيف 1994 إلى خلل كبير في التوازن الداخلي انتهى بانفجار 2011، وهو انفجار لم يخرج منه سوى منتصر واحد هو إيران التي عرفت كيف تستغل الحوثيين وتستثمر فيهم إلى أبعد حدود. يؤكّد ذلك أنّ هؤلاء يسيطرون على صنعاء وعلى ميناء الحديدة. كان يمكن أن يسيطروا على عدن وميناء المخا، الذي يمكن منه إغلاق مضيق باب المندب، لو لم يوجد من يخرجهم من هذين الموقعين.

شئنا أم أبينا، تظلّ الحرب الأهلية التي شهدها اليمن الجنوبي في مثل هذه الأيّام، قبل 37 عاما الحجر الأساس للمشهد اليمني الحالي الذي يتميّز بتفتت كامل لبلد كان يمكن أن يكون عامل استقرار في المنطقة بدل أن يكون قسم منه موطئ قدم لإيران في شبه الجزيرة العربيّة. كم ستبقى إيران في اليمن؟ هل يكون حظها أفضل من حظ الاتحاد السوفياتي الذي حوّل اليمن الجنوبي قاعدة عسكريّة له بين 1972، تاريخ استكمال سيطرته على مفاصل النظام فيه، حتّى مطلع العام 1986، تاريخ انفجار هذا النظام من الداخل؟