نظام مير محمدي يكتب لـ(اليوم الثامن):
سلسلة جرائم تسميم الطالبات في إيران.. «انتقام من فتيات الانتفاضة»
مراجعة تاريخية للقضية، أصبحت أنباء تسميم طالبات المدارس في عدة مدن إيرانية من أبرز الأخبار المتداولة اليوم في وسائل الإعلام العالمية، فبعد مرور قرابة 100 يوم على أول حالة تسمم، مازالت السلطات الحكومية تمارس التعتيم الإعلامي على هذه الجرائم المتسلسلة ولم تتخذ أي إجراء ضد مرتكبيها، وبسبب هذا التقاعس، تم توجيه أصابع الاتهام نحو العناصر الأمنية وعصابات نظام ولاية الفقيه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لتوقيف الجناة والتحقيق معهم؟!
إن ظاهرة "الجرائم المتسلسلة" لدى الفاشية الدينية الحاكمة في إيران ليست جديدة بل هي متأصلة في سلوكيات هذا النظام، ابتداءً بالإعدامات الجماعية إلى المقابر الجماعية، ومن القتل المتسلسل إلى الاعتقالات الجماعية التعسفية وآخرها حملة الاعتقالات الجارية منذ بدء انتفاضة سبتمبر الإيرانية، والوفيات الغامضة للمعتقلين بعد الإفراج المؤقت عنهم، والآن أصبح التسمم المتسلسل للطالبات في العديد من مدن إيران جزءً من هذه السلوكيات الإجرامية.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ظهرت اولى حالات التسمم في مدارس البنات في قم، ثم توسع نطاق هذه الحالات لتنتشر في طهران ومدن أخرى، كبروجرد وساري وأردبيل وتربت جام وقوتشان وكرمانشاه.
ووفقاً للمعطيات التاريخية في مثل هذه الظواهر، غالباً ما يتعلق الدور الرئيسي بوزارة المخابرات وأجهزة الأمن والاستخبارات التابعة لحرس الملالي، فمن مسؤوليات هذه المجموعات "صيانة وحفظ النظام" بأي ثمن، وهم لا يتوانون عن ارتكاب أية جريمة، ويتمتع الضباط المعنيون في هذه الجهات بكامل السلطة والصلاحيات بأمر من خامنئي.
لماذا يقوم النظام بتسميم الطالبات؟!
بحسب الإحصائيات التي تم نشرها في وسائل الإعلام والفضاء الافتراضي حتى الآن، أصيبت ما يقرب من 1000 طالبة بالتسمم، حيث أصيب عدد كبير من طالبات مدرستين ابتدائيتين في كرمانشاه يوم الاثنين 27 شباط/ فبراير بالتسمم ونقلن إلى المستشفى.
كما قال مجيد منعمي النائب السياسي لمحافظ لورستان، الأحد، 26 شباط/ فبراير:" اليوم، عقب تسمم طالبات في مدارس بروجرد، أصيبت 107 طالبات بالتسمم في ثانوية 15 خرداد للبنات وتم نقلهن إلى المستشفى ". (وكالة أنباء تسنيم).
ونُقل 4 طالبات في مدينة قم يوم السبت 25 شباط/ فبراير إلى المراكز الطبية بسبب اصابتهن بالتسمم. (وكالة الأنباء الحكومية انتخاب، 26 شباط/ فبراير 2023).
وبعد نشر أنباء عن وفاة فاطمة رضائي، الطالبة المسمومة في قم، وصفت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية الأنباء بأنها ملفقة من قبل شبكات مناهضة للثورة.
وكتبت صحيفة إيران الموالية للحكومة في هذا الصدد في 1 آذار/ مارس: "... مع هدوء الاضطرابات التي حدثت بسبب مقتل مهسا أميني وعودة ظهور العناصر المناهضة لإيران في الخارج وتصيد بعض التيارات السياسية المحلية في الماء العكر، يبدو أنه ليس من المستبعد أن يكون تسمم الطالبات عملاً تخريبياً يهدف إلى خلق انعدام الأمن النفسي وتحقيق أهداف مثل أهداف أعمال الشغب في الخريف الماضي ... ".
محمد علي أبطحي، أحد شخصيات التيار المعروف بـ (الإصلاحيين)، استخدم أدبيات (بوكو حرام) للحديث حول حوادث التسمم واعتبرها متعمدة من قبل "المتطرفين والمتشددين الدينيين".
تضمن موقع خبر أونلاين الحكومي، نقلاً عن وكالة أنباء إرنا، تصريحاً لأحمد وحيدي، وزير داخلية النظام، في 1 آذار/ مارس 2023 يقول فيه :" لم تكن لدينا أية تقارير عن مادة سامة معينة، ويرجع الكثير من ذلك إلى خلق جو نفسي بين الطلاب والأسر. حتى الآن لم يتم إلقاء القبض على أحد بتهمة تسميم الطالبات ولم يصب أي طالب بالشلل وهذا الادعاء باطل ".
وفي 2 آذار/ مارس قال أحد المحامين الحكوميين لصحيفة شرق :" تشير أركان هذه الجريمة بوضوح إلى أن هذا الفعل هو سلوك إجرامي منظم ومخطط يتم تنفيذه لغرض محدد ما زلنا لا نعرف ما هو، يجب على وزارة الصحة والطب ووزارة التعليم وقوات الشرطة والمؤسسات الأمنية الأخرى استخدام طاقاتهم الكاملة لتحديد هذه المجموعة الإجرامية وتقديمها إلى الناس. يبدو أن منفذي هذه الجرائم يفكرون في أهداف أكثر أهمية أسوأ بكثير مما نشهده الآن".
ورغم استمرار سلطات النظام في ممارسة الكذب وتضليل الرأي العام حول هذه الجريمة ؛ لكن حجم الجريمة كبير لدرجة أنه بعد ثلاثة أشهر من الإنكار، اعترف النشطاء ببعض أجزاء من هذه الجريمة الكبرى.
بالطبع، كان هدفهم هو أن يظل الجناة الرئيسيون مخفيين وغير معروفين.
وقال نائب وزير الصحة في النظام يونس بناهي :" أراد الناس إغلاق جميع المدارس، وخاصة مدارس البنات ". (الموقع الحكومي تابناك - 27 شباط/ فبراير 2023).
وقال نجف آبادي، عضو لجنة الصحة في برلمان النظام :" إنها قضية متعمدة في قم وبروجرد ".
وأضاف أن :" وزير الاعلام تدخل في هذه القضية ولكن لسوء الحظ لم يتم تقديم تقرير إلى البرلمان ". (الموقع الإلكتروني الحكومي اقتصاد اونلاين، 27 شباط/ فبراير 2023).
وقالت فاطمة مقصودي، عضوة برلمانية عن مدينة بروجرد، إن :" نتائج مراجعة كاميرات المدرسة من قبل قوات الأمن تظهر أن الحادث لم يكن طبيعياً، بل كان مقصوداً ". (صحيفة هم ميهن الحكومية، 27 شباط/ فبراير 2023).
في 26 شباط/ فبراير 2023، نقل موقع حكومة تابناك عن صحيفة سرية (شبنامة) منسوبة إلى (فدائيي الولاية) أن :" دراسة وتعليم الفتيات حرام ومتابعتهم الدراسة بمثابة محاربة إمام الزمان، وهددوا بانتشار حالات تسمم الفتيات في جميع أنحاء إيران إذا لم تغلق مدارس البنات ".
طبعا من لديه أقل إلمام بالهيكلية الحكومية لولاية الفقيه يعلم أن هذه الأساليب الدجلية لا تخدع أحداً.
وكل الأدلة تشير إلى أن هذه الجريمة الفظيعة هي من تصميم وتنفيذ وتخطيط خامنئي وحرس الملالي وأجهزة الأمن والاستخبارات القمعية.
ويمكن القول أن هذه الجرائم المتسلسلة مكملة للعملية القمعية المعروفة بـ (دوريات الإرشاد) والتي تهدف إلى إعاقة وقمع فتيات الانتفاضة ومنعهن من الانخراط في الانتفاضة، لأن النظام يعتبرهن عاملاً حاسماً وخطيراً في تنظيم الانتفاضة واستمرارها.
قال مولوي عبد الحميد إمام جمعة أهل السنة بزاهدان خلال صلاة الجمعة في 3 آذار/ مارس: "من يصدق أن المسؤولين والأمن والعسكريين لا يعرفون هذا الموضوع، يتم تحديد العديد من الأشياء الصغيرة والتافهة بسرعة، الموجة واسعة لدرجة أنها هزت العالم كله، لكن بالنسبة لمسؤولينا، حكومتنا، المجهزين بجميع المرافق والإمكانيات، لم يتم تحديد ولم يعرف ما هي هذه الموجة ؟".
الخلاصة..
بهذه الجريمة النكراء قرر خامنئي وأجهزته القمعية والاستخباراتية والأمنية الانتقام من "فتيات الانتفاضة" اللواتي سلبن النوم من عيون خامنئي وأركان نظامه طوال 170 يوماً.
ومن خلال بث الرعب، حاول خامنئي إبقاءهم في منازلهم وإبعادهم عن قيادة المظاهرات والانتفاضات.
بعبارة أخرى، مع هذا العمل الإجرامي، يريد مركز الفكر والأبحاث التابع لخامنئي إعادة الربيع المفتوح للانتفاضة إلى مكانه الأصلي والانتقام من قادتها وروادها، لكن هذا خطأ كبير.
لن يتمكن خامنئي من منع استمرار اشتعال واتقاد انتفاضة الشعب الإيراني من خلال قمع النساء القياديات، فبدلا من ذلك، هذه الجريمة الجديدة سوف تغذي الانتفاضة نفسها.
* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني