د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):
حرب الاتفاقيات والهدن في تاريخ صراع الجنوب واليمن
المعاهدة اتفاق يعقد بين أشخاص القانون الدولي والشخصية الدولية كانت تقتصر على الدول إلى أن ظهرت المنظمات الدولية وأصبحت من أشخاص هذا القانون. ولكلمة معاهدة مرادفات كثيرة، مثل اتفاقية واتفاق وعهد وميثاق ونظام وعقد وإعلان وبروتوكول وتسوية... إلخ، وهي جميعها تتطلّب وجود وثيقة مكتوبة - على الرغم من أنّ تصريح ممثّل دولة ما ملزم لدولته كما جرى العرف الدولي - وانعقاد الوثيقة بين أشخاص القانون الدولي، وأن تكون لها نتائج قانونية تخضع للقانون الدولي.
وتعد المعاهدات من أهم وسائل التعامل الدولي وقت السلم، وركيزة أساسية وضرورية للتعاون بين الدول، كما جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، إذ نصّت الفقرة الثالثة منه على تحقيق العدالة، واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات بين الدول.
تقسم المعاهدات إلى نوعين أساسيين: المعاهدات الشارعة أو المشرّعة والمعاهدات التعاقدية. وتبرم المعاهدة مثل أي اتفاق دولي، وهذا الإبرام يمرّ بمراحل: المفاوضات، التحرير، الـتصديــق، فالـتـسـجـيــل والنشر. ويلي التسجيل في الدول الأطراف في المعاهدة، تسجيلها في الأمم المتحدة. ولا بد من توافر شروط التعاقد وهي: الأهلية، الرضا، مشروعية موضوع التعاقد، والتوافق بين الالتزامات الراهنة والسابقة.
إن المتتبع للاتفاقيات والمعاهدات والهدن بين دولتي الجنوب واليمن يرى أن نتائجها تأتي عكسية بخلاف المتعارف عليه لدى الدول الأخرى، فمعظم الاتفاقيات الدولية تأت بعد حرب بينما في الجنوب واليمن تأتي الحرب بعد الاتفاقيات والهدن.
إن الاتفاقيات والهدن بين الجنوب واليمن من أعقد الملفات السياسية تناولا في المشهد السياسي، حيث تشهد كل المعطيات والأحداث أن معظم الاتفاقيات والمعاهدات والهدن بين الجنوب واليمن تؤول للفشل وتليها حرب ونزاع مستمر وسوف تفصلهما كالاتي:
أولا: حربان انهتهما اتفاقيتان:
الحرب الأولى: الاشتباكات الحدودية في1972 بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الذي توصلت إلى اتفاق القاهرة 1972 لوقف إطلاق النار بوساطة الجامعة العربية ـ
الحرب الثانية: تجدد القتال في حرب 1979بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الذي توصل إلى اتفاق الكويت 1979 لوقف إطلاق وتبادل أسرى الحرب في غضون الشهرين المقبلين، وقد نصت الاتفاقيات على مشروع الوحدة بين البلدين؛ لكنها ظلت التوترات السياسية والعسكرية بين البلدين مستمرةـ وقد تم تأجيل معظم المحاولات لتنفيذ تلكما الاتفاقيتان روحًا ونصًا.
ثانيا: الاتفاقيات التي انتهت بحروب
وفي 22 مايو 1990م تم إعلان مشروع الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وقيام الجمهورية اليمنية، وحددت بفترة انتقالية لكنها انتهت بتوترات عسكرية وسياسية وصراع دموي أدى الى استشهاد معظم قيادات شعب الجنوب.
وفي تاريخ 18 يناير 1994، في الأردن وذلك لتسوية الأزمة السياسية بين طرفي اعلان مشروع الوحدة بين اليمن والجنوب، وقد أفضت هذه الاتفاقية الى إعلان الحرب على الوثيقة والجنوب.
وفي فترة الحرب أعلنت عدد من البيانات والقرارات العربية والأممية (بيان مجلس التعاون الخليجي، وبيان دمشق، وقراري مجلس الامن الدولي الداعية لوقف إطلاق النار وفرض الوحدة بالقوة كلت تلك القرارات انهتها إعلان حرب احتلال الجنوب في 7-7- 1994م.
وفي 5 نوفمبر 2019م ، وجرى التوقيع عليه في العاصمة السعودية الرياض على اتفاقية الرياض، هو اتفاق مصالحة جرى بوساطة سعودية ومشاركة تحالف دعم الشرعية في اليمن، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي افضى الى حروب متعدة عسكرية وامنية واقتصادية وخدمية.
ومشاورات الرياض التي رعتها المملكة العربية السعودية وفي الأخير هذه الهدنة الخاضعة للقراءة في هذه الورقة.
مما سبق تبين أن القوى اليمنية بمختلف اشكالها السياسية والعسكرية والقبلية والدينية لا عهد لهم ولا ذمة، فقد كانوا أكثرا نكثا بالعهود وغدرا بالاتفاقيات وتلك سمتهم في كل زمان ومكان مخلفين صرعات وحروب تدميرية في سبيل وصولهم للسلطة عبر العنف المسلح.
الحوطة