أمنة الدبش تكتب لـ(اليوم الثامن):
فلسطين.. الهروب والموت لم يكن يوما خيارا فلسطينيا بل واقعاً مريراً
شبح الهجرة والانتحار يطرقان أبواب قطاع غزة مجدداً ويلوحان في الأفق على شهقة اليائسين بصخب الحياة وفقدان الأمل وعدم الاحساس بالأمان وانسداد الأفق على جميع الأصعدة وفي شتى المجالات، والإحباط واليأس، ما شكل ملاذاً للخلاص وهرباً من المسؤولية والواقع المرير.
مستقبل أجيالنا الشابة في خطر، لا يكاد يمر شهر إلا وخبر صادم بين الحين والآخر عن واقعة انتحار مأساوية تهتز لها القلوب وتقشعر لها الأبدان ومن زاوية اخرى موجات من الآهات على
هجرة الشباب إلى الخارج باحثين عن بدايات جديدة أول الكوارث الاجتماعية التي ابتلي بها المجتمع الغزي، حيث دفعت مئات العائلات ثمنا باهظا لهذه الهجرة.
أجيال فقدت قيمتها تحت ظلال قبضة تصفية الحسابات والمناكفات والمنغصات السياسية التي تتسع فجواتها شيئاً فشيئاً مع تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع معدلات نسب الفقر والبطالة واستمرار الحصار الإسرائيلي الخانق وغياب فرص التوظيف بل انعدامها وتغيب الاجراءات الفاعلة التي تعالج مشكلات الشباب ولو بشكل محدود.
يتجلى في المشهد الفلسطيني المنقسم اليوم بطبيعته وتداعياته فلا شك أن الاحتلال الإسرائيلي يمثل المشكلة الرئيسية التي تواجه قطاع الشباب الفلسطيني ، إذ تفنن في ممارسة سياسات القهر والعذاب والتحكم بحق هذه الشريحة المجتمعية التي تمثل الأمل النابض الذي يعول عليه في انتشال هذا المجتمع من عثرته فقتل وأسر وجرح ونكل بالغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم قطاع الشباب، ما أدى إلى انعدام الأمن، ونشوء العديد من المشكلات التي مست كافة النواحي الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ ولا نبالغ إذا قلنا أن الاحتلال الإسرائيلي سعى إلى تفريغ الوطن من أصحابه ، فهو منشأ كل المشكلات والعذابات التي يعاني منها أبناء شعبنا.
من بوابات معبر رفح تبدأ أولى خطوات الشباب والعائلات نحو الهجرة، ولكن طريقها ليس سهلاً، فهناك من عاد ودخل من نفس البوابات ولكن محمولاً في تابوت ، ولا سيما هناك فئة من الشبان في مقتبل العمر يلجأون لانهاء حياتهم شنقاً او حرقاً تمرداً على الواقع الأليم وانعدام الاستقرار وانحسار آفاق المستقبل واجتاح اليأس والاكتئاب والقهر أنفسهم وعدم الاتزان مما دفعهم للإقدام على الموت ، الانتحار والهجرة كلاهما وجهان لعملة واحدة يؤديان إلى الموت المحتوم .
مخطط لتفريغ القطاع
ذكر الكاتب عومري شيفر رافيف، في مقاله على موقع منتدى التفكير الإقليمي، أنه "في صيف 2019 ترددت تقارير عن تواصل إسرائيل مع دول أخرى من أجل تنظيم هجرة منظمة إليها من قطاع غزة، وذكرت أنه في السنوات الأولى للاحتلال الإسرائيلي لغزة، تعاملت الحكومة الإسرائيلية بشكل مكثف مع محاولات إعادة تشكيل التركيبة السكانية الفلسطينية في غزة، وحددت لنفسها هدفا أساسيا يتمثل بخفض عدد سكانها قدر الإمكان، وأولويتها الرغبة بتشجيع هجرتهم من المخيمات، على أن يؤدي تحقيق هذا الهدف الطموح للسماح لإسرائيل بضم القطاع نهاية المطاف دون وجود عدد كبير جدا من العرب".
وأكد أن "إسرائيل اعتمدت تشجيع هجرة فلسطينيي غزة، والحفاظ على وضع اقتصادي غير مستقر، وتقديم المساعدة لمن يريدون المغادرة، وفي عام 1968 هاجر 32 ألف فلسطيني بشكل دائم من قطاع غزة، ثمانية في المئة من سكانه في ذلك الوقت، وهذا يدل على أن هذه السياسة الصهيونية ممنهجة تركت تأثيرها على الأرض، وفي حال استمر اتجاه الهجرة لبضع سنوات أخرى، فمن المحتمل أن تتحقق خطة الضم الإسرائيلية أخيرا".
هجرة الشباب إلى خارج الوطن هي ظاهرة تتفق مع أهداف الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى بكل الوسائل القمعية إلى تهجير وتفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها اضافة الى انها تؤدى الى اعاقة عملية البناء والتحرر الوطني من الاحتلال.
مؤشرات خطيرة
تشير التقديرات الطبية والحقوقية إلى وجود عشرات محاولات الانتحار شهرياً، لا يتم الإفصاح عنها، ويكتنفها الغموض والتعمية، وأصبحت تدق ناقوس الخطر، وتعتقد بعض الأوساط أن أسباب الانتحار ترجع لارتفاع معدلات الاكتئاب والاضطرابات النفسية بالمجتمع والتي بلغت ما نسبته (71%) من سكان غزة الذين يعانون من داء الاكتئاب، وسبعة في المئة مصابون باضطراب ما بعد الصدمة، وباقي المجتمع معرضون لاضطرابات الصحة النفسية الشائعة والتي لها علاقة طردية بالفقر المدقع، مؤشرات سلبية تواصل الجهات الرسمية المختصة التهرب من الإفصاح عنها ووضع سبل المعالجة لها قبل أن تتحول لظاهرة
اما بالنسبة لعدد المهاجرين لا توجد احصاءات رسمية فلسطينية حول عدد المهاجرين من قطاع غزة، الا أن هناك مئتي ألف شخص غالبيتهم شباب هاجروا بشكل دائم وغادروا القطاع دون عودة.
«وباء الانتحار والهجرة » يتفشيان في قطاع غزة جراء فقدان أمل شباب القطاع وخروجهم عن السيطرة مع تعالي صرخاتهم المدوية لأصحاب القرار لتخفيف معاناة سكان القطاع غزة وزرع الأمل في نفوسهم.
لمن نشكو مآسينا..؟ طرفا الانقسام غارقان في العسل صمّ وعميّ!! وشباب غزة يستنشقون الموت ويرسمون نعشهم بحرارة قهرهم، ويدفنون بحسرة الذل والمهانة، لهذا يجب الحد من الظاهرتين
بضرورة ان تتداعى قيادات الشعب الفلسطيني وجميع فصائله وقوى المجتمع المدني ومؤسسات واطر العمل الاجتماعي والوطني بشقي الوطن إلى تبني خطة وطنية شاملة وموحدة للشباب تعتمد على مبدأ دعم المشاريع الشبابية التي تعمل على خلق فرص عمل وتنشيط الاقتصاد الفلسطيني للحد من البطالة، التي تعتبر من عوامل زيادة رغبات الشباب نحو الانتحار والهجرة، بالإضافة إلى ضرورة إشراك الشباب في العملية السياسية وصنع القرار وإتاحة لهم حرية الرأي والتعبير خاصة في القضايا التي تخصهم يكون ارتكازاتها معالجة اثار الانقسام والتفرد بالسلطة وتفعيل اطر ومكونات ومفاصل الحياة العامة ، وتحقيق الوحدة الوطنية واجراء الانتخابات العامة بكافة مناحي الحياة ودفع بعجلة الديمقراطية والممارسة والمشاركة السياسية واشراك الشباب في صناعة واتخاذ القرار وتأمين مطالب الشباب لدعم صمودهم أمام التحديات الخطيرة، التي تواجه القضية الفلسطينية.
فإن لم يكن هذا فافتحوا النوافذ، واسمحوا للشعب العظيم أن ينشر أشرعته ويبسط جناحيه ليقول كلمته "ارحلوا عنا، كفاكم ظلماً وشرذمةً"