قامو عاشور تكتب لـ(اليوم الثامن):

مسار نهضة المرأة الإيرانية طيلة حقبتين دكتاتوريتين

نواكشوط

 مما يفرح الصدور أن يكون الإنسان حراً كريماً في بيئته ومحيطه وعالمه متساوٍ مع أقرانه لا تعرف له القوانين شكلا ولا عرقا ولا جذرا ولا منبعا أو منطقة وإنما تُغرفه كونه إنساناً وحسب له ما لغيره من الحقوق وعليه ما على غيره من الواجبات مصانةٌ كرامته لا عبودية ولا عنصرية ولا تبعات وآثار للعبودية والعنصرية، ولا ظلم ولا اضطهاد للإنسان؛ رأيه ملكه وقوته ملكه ويومه وغده بيد ربه غير مرهونٌ بغير الخالق العزيز الكريم.. فهل ترتقي المرأة الموريتانية والمواطن الموريتاني إلى هذه التعاريف الإنسانية النبيلة؛ إننا نخطو بجد، وتلك هي بدايات أمانينا، وذلك هو ما أبهرنا في خطى المرأة الإيرانية المناضلة التي تقارع الظلم والاستبداد على يد أعتى الأنظمة بطشاً وتعسفا... 

نهضة المرأة الإيرانية الأسس والدوافع 

   يُعد دور المرأة في أي مجتمع مؤشراً رئيساً من مؤشرات التقدم ودلالة على الارتقاء الحضاري بالامتثال لقواعد العدالة والمساواة في الفرص بغض النظر عن النوع أو المكانة الاجتماعية، وقد مرت الحياة السياسية في إيران على سبيل المثال بمراحل متعاقبة انعكست بالضرورة على وضع المرأة، ففي عهد الشاه رضا بهلوي (الأب) كان هناك استمرار لحراك نسوي نسبي ممتد من الثورة الدستورية وسعت السلطة إلى إظهار مكانة للمرأة الإيرانية على طريقتها من حيث المظهر، ومن ضمن تلك الشكليات كان استغلال المرأة في ظهورها متغربة متواجدة في البلاط السلطاني،  وكذلك ظهور زوجته وبناته الأميرات ولكن حقيقة الأمر كانت معاناة المرأة في أوجها إذ مارس الشاه الأب سياسة الإكراه ذاتها التي يمارسها الملالي اليوم.

   يعود تاريخ حركة المرأة الإيرانية إلى سلالة القاجار في القرن الثامن عشر حين تم ترويج للقضايا النسوية تحت عنوان التقدم والمعاصرة، ولكن لم تُتَاح للمرأة فرصة التفوق أكثر إلا بعد الثورة الدستورية وقد لعبت أدواراً هامة في الحياة، وأخذت نهضة المرأة مساراً آخر نحو وجودها ككيان بكامل حقوقه وحرياته وخاصة حرية الرأي وحصلت على الحق في التصويت وكان ذلك بفضل الثورة الدستورية التي ثبتت نظام الملكية الدستورية وشكل الحقوق والواجبات في البلاد.

بعد قيام الثورة الوطنية في إيران عام 1979 واستيلاء الملالي على مقاليد الحكم انعكست تداعيات سياسية واجتماعية جديدة على مكانة المرأة بطبيعة الحال، حيث تركز الاهتمام على سياسة إكراه جديدة بفرض ثياب النساء والرداء والحجاب؛ فالشاه رضا بهلوي كان قد منع الحجاب في الثلاثينيات من القرن الماضي حتى أنه أمر الشرطة بنزع الحجاب والرداء عن رؤوس  النساء بالقوة، وبنفس النمطية الإستبدادية بعد عام 1979 ألزمت سلطات الملالي جميع النساء بارتداء الحجاب بالإكراه، فمن وجهة نظر خميني كانت حقوق المرأة شيئاً ثانوياً، وقد كانت الصورة النسائية المروج لها من جهة النظام الإسلامي المُستَعرض كمشروع مضاد لنمط المعيشة الغربي المتحرر، وفي عام 1983 أصدر مجلس الملالي قانوناً يحث على معاقبة النساء اللواتي يظهرن في العلن بدون حجاب بـ 74 جلدة، ومنذ سنة 1995 تتم ملاحقة السيدات المخالفات بعقوبة سجن تصل إلى 60 يوماً. 

والجدير بالذكر أن مشاركة المرأة في الثورة الوطنية الإيرانية عام 1979 كانت لافتة للنظر لدرجة أن أطلق البعض عليها "ثورة من وراء الحجاب"، وتنامى دور المرأة الثورية الإيرانية يوما بعد يوم بعد تنامي حدة المواجهة بيم نظام ولاية الفقيه ومنظمة مجاهدي خلق وظهور تيارين سياسيين نقيضين لبعضهما البعض أحدهما حاكم متسلط مستبد والآخر يدعو للحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية ويتعرض للإعدامات والسجن والتعذيب والتنكيل لكنه في الوقت ذاته أصبح المدرسة الديمقراطية التحررية البديلة للمدرسة الرجعية الحاكمة، ومن آثار المدرسة الديمقراطية  التحررية تنامي مطالب المرأة الإيرانية المقتدية المتأسية بالمرأة في المقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق وأشرف حتى باتت تتحدث وتطالب بنفس الحقوق المدنية التي طالبت وتطالب بها منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية كحق الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية وتقلد الحقائب الوزارية والمناصب الحساسة، والسفر من دون إذن القيّم عليها، وحضانة الأطفال وغيرها من الحقوق، وقد ساد ذلك بوضوح في المجتمع الإيراني أثناء مسرحية انتخابات النظام الرئاسية الأخيرة التي انتهت بتعيين إبراهيم رئيساً لجمهورية النظام.

بوجه عام تثور الانتقادات عن أن إيران في ظل سلطة ولاية الفقيه تعد واحدة من 6 دول أعضاء في الأمم المتحدة لم توقع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما تكرس التشريعات في إيران كثيراً من الحواجز التي تحول دون حصول المرأة على الحقوق الأساسية في مجالات مثل العمل والزواج والمواطنة، ولا تنعكس الحالة الثانوية للمرأة في تمثيلها المحدود في السياسة أو الهيئة القضائية فقط بل أيضاً في المنازل إذ يحتفظ الأزواج بموجب القانون بالسيطرة الأساسية على الشؤون الحياتية، وتعاني كثير من النساء من أنماط متعددة من الإكراه والعنف الجسدي وهي جريمة غير معترف بها حالياً في القانون الإيراني بحسب انتقادات المهتمين بحقوق المرأة الإيرانية.

 

   المرأة أُم الرجل، وأُم زوجته، وشقيقته، وزوجته، وابنته وشريكته؛ البناء دورها، والعطاء والعطف طبعها، والحرص رفيقها، وانتمائها لمجتمعها وأسرتها وإحساسها بالمسؤولية تجاهه والنضال لأجل الغير هو أحد أبسط الدوافع التي تقود المرأة نحو النهضة والتنمية والرقي، ونهضتها ليست صراعا ولا منافسة وإنما هو الصالح العام وحصاد تلك النهضة حصاد مجتمع وصلاح وطن، ومعركتها مع الفاشية قاسية وصعبة فكونوا معها.

دوافع وأسباب نهضة المرأة؛ المرأة الإيرانية نموذجا

   في قراءة لتاريخ الدولة الإيرانية المعاصرة نجد أن حقبة الشاهنشاهية بمرحلتي الأب والابن التي قامت على رقاب ضحايا الثورة الدستورية كانت أشد قسوة وحِدةً في الظلم والطغيان عن سابقتها، وفيها صار الإكراه والخروج عن القيم والهوية والاستسلام للمستعمر على حساب الشعب، وتعاظم فيها دور وعاظ السلاطين، وخرجت المفاهيم عن الحقائق، وبدأت عملية تسخير الدين لخدمة السلطان حتى بات الشاه ولي النعم، ثم اكتملت سطوته فأصبح طاغوتاً لا يمكن السكوت عليه؛ ومع ذلك لم ينقطع المد الثوري في إيران منذ ذلك العهد إلى اليوم، ولم يتوقف الظلم والاستبداد، ولم تتوقف التضحيات ولا المشانق، ولم تخلو السجون من الأبطال والأبرياء المعذبون، وعلى الرغم من وجود سلطة الشاهنشاهية الإيرانية الإسمية إلا أن قوى الإستعمار هي التي كانت تسود البلاد وتحكمها وتنهب مقدراتها، وتدير مقاليد الحكم فيها؛ بدليل تنحية الشاه الأب عام 1941 ونفيه وإحلال الشاه الابن محله، وكنتاج طبيعي للمد الثوري في إيران كانت شخصية المرحوم الزعيم الدكتور محمد مصدق، ومن ثم كانت الجبهة الوطنية، ويسطع نجم الدكتور مصدق على هذا المسار الوطني الثوري ويتولى رئاسة الوزراء عام 1951، ويقوم بتأميم النفط ويقلب الموازين على الاستعمار والإقطاع الفاسد، ويضع إيران وشعبها على الطريق الصحيح بعزة وكرامة لا تزال آثارها وامتداداتها قائمة حتى اليوم، وهو ما لم يرق للقوى الاستعمارية فتآمروا عليه عام 1953 واعترفوا بذلك فيما بعد، ولم يقف ملالي السلطة آنذاك إلى جانبه، ولم يحضر لا شرعهم ولا شريعتهم ولا أخلاقهم كالعادة.

أثبتت شعبية الدكتور مصدق الواسعة قوة سلطة الشعب في مواجهة الاستعمار والقوى الرجعية، كما أثبتت أن أي حراك سياسي وطني في إيران يجب أن يقوم من قلب الشعب ممثلاً لإرادته عاملاً من أجل تحقيق مطالبه وطموحاته حتى يكتسب شرعيته؛ والمرأة هي الركيزة الأساسية في كل المجتمعات إن لم يكن لشيء فلأنها هي من تربي وتُعد الرجل والمرأة لأجل المجتمع، ومن هذا المنطلق بدأت حياة سياسية ثورية جديدة في إيران تدرس الواقع القائم من الناحية الفكرية وتسعى إلى معالجة المفاهيم الخاطئة والرؤى الرجعية الباغية، وهنا ظهرت جماعات سياسية جديدة في إيران تأخذ في مقدمة أولوياتها حقوق المرأة والمجتمع بعين الإعتبار كأسس للنهوض وقوة للنجاح والتقدم.

ومن هذه الجماعات السياسية التي نشأت في إيران في منتصف عقد الستينيات من القرن الميلادي الماضي مؤمنة بالمرأة كقائدة ورائدة وشريك وجود كانت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي كان للمرأة فيها دورها منذ فجر نضالها، لم يكن الطريق أمام هذه المنظمة الطموحة وقوتها الشبابية المستنيرة المتأهبة المستعدة للتضحية معبداً وسهلاً ومجرد نزهة قصيرة، بل كان صعباً شاقاً ومليئاً بالأشواك والمؤامرات ومعقداً على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية ومكلِفاً، وكانت تكلفته بالأرواح والآلام أعظم تكلفة قد تمر بها منظمة نضالية تحررية أحيت قبل أيام الذكرى الـ 59 لتأسيسها، وقد نهضت هذه المنظمة ونشأت في قلب سجون الاستبداد، إذ كان المهندسين الثلاثة من بين معتقلي انتفاضة عام 1963 ووضعوا الخطوط العريضة لمسيرة سياسية فريدة متعظة من أحداث الماضي، ومستعدة لما هي مقدمة عليه من واجبات تتقدمها التضحيات، خاصة وأن قوى الطغيان ذاتها التي تآمرت على الزعيم التاريخي الدكتور محمد مصدق كانت تتربص وتخشى من كل صوت ورأي وطني وقد كان قيام المنظمة أول مشروع سياسي وطني يرسم أكبر رؤية فعلية وواقعية للمرأة الإيرانية الحرة لتكون قائدة لمجتمعها وكانت فاطمة أميني أول شمعة تنصهر لأجل مجتمعها في مقدمة صفوف المنظمة وبداية نضالها.

- عدم شرعية وأهلية النظام سياسياً وإدارياً واقتصادياً وهدره لموارد الدولة في العديد من الأوجه غير المشروعة.

- غياب سلطة القانون العادل، وتدهور حالة حقوق الإنسان في ظل نظام ولاية الفقيه.

- قتل النساء والأطفال، وجرائم القتل الحكومي تحت مسمى عقوبة الإعدام.

- تعرض المرأة للضرب والتنكيل والقتل والاختطاف والإغتصاب في الشوارع.

- مقابلة الاحتجاجات المطالبة بالعدالة والمساواة والكرامة واحترام حقوق الإنسان بالعنف والقمع والسجن والتعذيب والإعدامات. 

- المطالبة بالاحترام الكامل لحقوق الشعب الإيراني بجميع أطيافه ونيل حرياته، والتطلع إلى تحقيق مستقبل أفضل وأكثر عدلاً.

- إجبار السلطة على الاعتراف بالمظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المترسّخة والمتجذّرة التي تتراكم يوما بعد يوم.

- ضرورة أن تشعر النساء والفتيات بالحرية والأمان في الأماكن العامة من دون خوف من العنف أو التحرش، والعيش في أمان والتمتّع بالقدرة على المشاركة في الحياة العامة على قدم المساواة مع الرجال.

- الحضور التام غير المنقوص للمرأة ككيان له كل وكامل الحقوق في المجتمع على كافة الأصعدة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا؛ الأمر الذي يتطلب إسقاط وتغيير النظام وإزالة آثاره وهو الأساس الذي تأججت لأجله الانتفاضة الوطنية الإيرانية الجارية بقيادة المرأة.

يذكرنا نضال المرأة الإيرانية من أجل الحرية بكفاحنا في (ايرا) إلا أننا لا زلنا نخطو بخطانا الأولى في قراءاتنا ومعالجاتنا الاجتماعية في حين قطعت المرأة الإيرانية شوطاً كبيرا في هذا المجال، وهذه دعوة منا لأشقائنا نساءا ورجال للتعاضد سويا من أجل النهوض بمجتمعنا والتحرر من تبعات وآثار الماضي الأليم.