قامو عاشور تكتب لـ(اليوم الثامن):
موريتانيا الحاضرة.. غير المُعاصرة
موريتانيا قطر عربي إسلامي إفريقي متعدد التكوين والتركيب، وللابتعاد عن خلاف الإسم أصبح إسم الدولة الرسمي (الجمهورية الإسلامية الموريتانية) نظراً لتعدد التكوين، وشعار الجمهورية (الشرف – العدل – الإخاء)، ولمن لا يعرف موريتانيا فهي بلاد الحضارة الإسلامية.. بلاد الشنقيط والمرابطين ومركز إنتاج العلم والعلماء التي نهبتها الحقبة الإستعمارية لردح طويل من الزمن لكنها أبت إلا أن تكون متوثبة على الدوام لتنفض عنها غبار السوء في كل زمان وكل مكان، وتخطو موريتانيا اليوم على وهنها وضعف حالها بخطى سياسية ثابتة واثقة حتى وإن شابتها شائبة فهي أكثر تطورا إذا ما قورنت بكثير من الدول علما بأن الموريتانيون جميعا لا يرون الحال حالهم وحال بلادهم بمستوى الطموح الذي يليق بهم وببلدهم الذي ينتمي لهوية حضارية وثقافية متنوعة (عربية – إسلامية – أفريقية) وهو ما يتطلب مراجعات مطولة ومخططات إصلاحية ومتابعات دؤوبة خطوة بخطوة لتظهر موريتانيا كدرة من درر العالم ولها من المؤهلات والقدرات والمقدرات ما يضعها في هذه المكانة.
موريتانيا حاضرة وغير معاصرة
منذ استقلالها عام 1960 وحتى عامنا هذا كانت موريتانيا حاضرة مضطربة ولم تكن معاصرة أبداً بالمستوى الذي يضع موريتانيا على بداية خط الاستقرار، لم يتخطى حضور الدولة الموريتانية إلى اليوم مستوى الشكليات ومشروع إدارة أعمال الدولة ودون تنمية تُوصِلها إلى حالة المعاصرة وتُبقيها تابعةً هزيلة تنهشها الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والإدارية على الرغم من استقلالها قبل أكثر من 60 سنة.
الاستكانة إلى ما عليه الحال في موريتانيا من واقع مُعاش لطالما أن حقوق وامتيازات بعض الفئات مُصانة هو ما أبقى موريتانيا ضعيفة مُهددة تنخرها العبودية والعنصرية وقوى الإقطاع والهُزال السياسي الذي يتبعه فساد إداري وهلاك اقتصادي وفرقة ونفير اجتماعيين لا نهاية له إلا بأمرين الإصلاح الحقيقي كمخرج وأمان للوطن والشعب أو انتظار ردود الأفعال الشعبية التي لا يمكن النجاة من شدة وقعها وسوء عواقبها.
العبودية والعنصرية وتوحش الإقطاع يحولان دون انتقال الدولة الموريتانية من حالة مجرد الوجود الشكلي البائس إلى الحضور الفعلي كدولة معاصرة لدستورها حصانة وقداسة ولمواطنها كرامة واعتبار مهما كانت انتماءاته وتوصيفاته المتداولة بالباطل خيانة للوطن والإنسانية، في حين أن من الواجب على السلطة التشريعية أن تصون حق المواطنة لكل موريتاني وتساوي بين المواطنين في الحقوق قبل الواجبات وتجعل المواطنة الصالحة مقياساً، ومن صناديق الانتخابات النزيهة وسيلة للتمثيل النيابي الحقيقي والسلطة السياسية الوطنية الشفافة، والإدارة المدنية الناجحة، ومن ثم التعايش الوطني الآمن بين الجميع دون قلق أو ريبة من الآخر.
لا يمكن لدولة أن تنهض وترتقي ونصف مواطنيها يعاني من العبودية الفعلية أو العبودية المعاصرة بفضل جرائم الإقطاع والتوجهات العنصرية الرجعية، والنصف الآخر يعاني من شدة وطأة تبعات هذه الأوضاع وعلى كافة الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والإدارية فسوء الإدارة من سوء القيم وغياب الرقيب الحازم المنصف الذي يحترم القوانين ومبدأ العدالة ولا يخشى في الحق لومة لائم، وكيف يمكن لدولة كموريتانيا أن تنتهي من العبودية والعنصرية في ظل عدم تكافؤ الفرص وعدم المساواة في الحقوق في حين تتساوى الواجبات وفرص الحياة الأفضل لمن يمتلك مؤهلات ذلك، وبالطبع بيئة الحراطين وأمثالهم حالا لن يمتلكوا مؤهلات تلك الحياة ذلك لأنهم لم يحصلوا على حقهم في الوجود والحياة من الأساس ولم تتوفر لهم البيئة التي تؤهلهم بذلك، وهناك من قرر أن يبقيهم على هامش الوجود وفق منطق السادة والعبيد التابعين الذين لا يحق لهم سوى أن خدما لأولئك السادة أو في أفضل الظروف أجراء مستضعفين.
كم هو جميل ورائع وذو معنى عميق شعار الجمهورية (الشرف – العدل – الإخاء)؛ فهل يمكن العمل على تعزيز فلسفة هذا الشعار المبارك قولا وعملا وفكراً ؟ والجواب نعم بالإمكان ذلك ما أن تتوفر الرغبة والإرادة في صيانته عزاً للوطن والشعب وإعطاء كل مفردة من مفردات الشعار الثلاثة حقها مفصلا محمياً، وبذلك تنهض موريتانيا وتكون حاضرة ومعاصرة ومثالا للفخر ونموذجاً للاستقرار والنهضة في المنطقة.
هل نعي الدرس من حال دولٌ شقيقة وجارة مهددةٌ بالانهيار من حولنا وليست فيها عبودية كالتي أهلكتنا انتهزت قوى الرجعية والمغالاة والعنصرية والتطرف أمثال الحركات المتطرفة أزماتها واضطراباتها وفي مقدمتها نظام الملالي الرجعي الحاكم باسم الدين الإسلامي في إيران والإسلام بريء من نهجهم ولا علاقة لهم بنا في أفريقيا عقائدياً مطلقاً لكنهم يستغلون أزماتنا الداخلية لأجل خدمة أهدافهم التوسعية ومخططاتهم الاقتصادية واقتصاد ميليشياتهم الإرهابية فهي أنظمة تعتاش على الأزمات، وقد تمدد نفوذ مثل هذا النظام من حولنا واليوم يقترب منا وسيعمل مؤكدا على استغلال أزماتنا الداخلية كما فعل ويفعل في اليمن والعراق وسوريا ولبنان ومنطقة الشرق العربي.. فهل نعي الدرس فعلا ونعمل بمبدأ درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج فنعالج أزماتنا وننهض بوطننا وشعبنا إلى مراتب تليق به وينمو من خلالها الوطن مزدهراً متعافياً سائداً مستقراً.
معا من أجل موريتانيا أفضل
- نائبة برلمانية موريتانية