هاني مسهوريكتب:

في افتراء السنوار على الحسين

“لتكن كربلاء” هذه جملة وردت ضمن مراسلات قائد جماعة حماس يحيى السنوار في إشارة إلى أنه جاهل بسيرة الحسين بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – سبط النبي صلى الله عليه وسلم، جهل مركب والجاهل لم يعد عدوا لنفسه بل عدوا للناس كلهم بمختلف أديانهم وطوائفهم ومعتقداتهم، فلم يكن الحسين داعيا لحرب ولم يخرج لحرب حتى يشار إلى مقتله باستباحة الدماء المعصومة واسترخاصها إلى هذه الدرجة من البساطة والاستخفاف، الحسين كان داعيا للسلام وكان عازما على العودة إلى المدينة ولم يبادر ولم يطلب من أحد ممن كانوا معه أن يخوضوا معه القتال، لم يرد الحسين أن يسجل مظلومية له ولأهل بيته، خرج طالبا للسلم وارتقى شهيدا في حادثة مضت كما مضى غيرها من الحوادث.

السنوار شأنه شأن المرضى النفسيين من أمثال حسن البنا الذي اعتقد أنه مجدد للإسلام فنصب نفسه إماما ومؤسسا لجماعة منفردة بسلوكها عن الإجماع، وكذلك كان جهيمان العتيبي الذي اعتقد أنه مهدي الزمان المنتظر فخرج بمجموعته إلى المسجد الحرام في الشهر الحرام ليحتجز حجاج بيت الله وينتهك كل المحرمات، وكذلك ظهر أسامة بن لادن معتقدا أنه الفاروق عمر بن الخطاب فارقا البشر بين فسطاطين، ومن بعده جاء أبوبكر البغدادي فنصب نفسه خليفة للدولة المزعومة، سلسلة لم ولن تنقطع من المعتوهين الذين فهموا الدين بمفهوم خاطئ.

لا يمكن للسنوار وأمثاله أن يكونوا قادة المستقبل لفلسطين، لأنهم يقودونها نحو الهاوية، يجب على الفلسطينيين أن يرفضوا هذا النهج المدمر، وأن يعملوا على بناء مستقبل أفضل لأبنائهم وأجيالهم القادمة

الخلط بين الحقائق والأوهام أنتج وسينتج خطايا بعد الخطايا، ولعلها واحدة من الفرص التي يجب معها التأكيد على الاستيقاظ من حقبة “الصحوة الإسلامية” التي أغرقت بأكوام من كتب التراث العربي والإسلامي، هي لحظة أخرى يُستدعى فيها واجب الدولة الوطنية في مقابل ما قام به هؤلاء في استدعائهم للموروثات القديمة ليتم إقحامها في الصراعات السياسية، هجوم السابع من أكتوبر في غزة مجرد نسخة مكررة من نسخ كثيرة لم يكن اغتيال الرئيس السادات وهجمات الحادي عشر من سبتمبر سوى حوادث توالت منبعها فكرة مشوهة، استرخاص الدماء باعتبارها مادة من مواد النضال، وإغراق العالم في دوامة من العنف والتطرف.

إن السنوار ومن على شاكلته يمثلون امتدادا لفكر مضلل يقود أتباعه إلى الهلاك ويجر المجتمعات إلى الفوضى. إنهم يستغلون الدين لتحقيق مآربهم السياسية ويشوهون صورة الإسلام السمحة، إن مواجهة هذا الفكر المتطرف تتطلب تضافر جهود جميع القوى الوطنية والإقليمية والدولية، يجب على المجتمعات والدول أن تتوحد ضد هذا الإرهاب الفكري، وأن تعمل على نشر التوعية والتثقيف بالفكر الصحيح للإسلام القائم على التسامح والسلام.

إن معركة اليوم ليست فقط معركة ضد الإرهاب، بل هي معركة من أجل استعادة العقل والمنطق في فهم الدين والسياسة، إن الفكر المتطرف لا يواجه بالقوة العسكرية وحدها، بل بالوعي والتنوير وتحصين العقول ضد الأفكار الهدامة، لذلك، ينبغي علينا جميعا أن نعمل معا لبناء مستقبل أفضل، مستقبل خال من التطرف والإرهاب، مستقبل تسوده قيم السلام والمحبة والتعايش المشترك.

لم يكن هجوم السابع من أكتوبر غير عملية حمقاء هدفها وقف مسار التطبيع السعودي – الإسرائيلي كما أكد ذلك علي خامنئي بنفسه، عملية انتحارية بلا معنى غير أنها أعادت احتلال قطاع غزة من إسرائيل بعد أن انسحبت منه في 2005، ولا يمكن أن توصف هذه العملية بغير أنها حمقى وغبيّة فالكلفة التي دفعها الشعب الفلسطيني كانت هائلة وغير مسبوقة، وحتى مع الدم المراق وتصاعد الدعوات في الجامعات الأميركية أعاد السنوار فكرته المجنونة التي تعتقد أنه كلما زادت إسرائيل في تدمير غزة فهذا سيمنحه انتصارا عليها في نهاية الحرب.

الخلط بين الحقائق والأوهام أنتج وسينتج خطايا بعد الخطايا، ولعلها واحدة من الفرص التي يجب معها التأكيد على الاستيقاظ من حقبة "الصحوة الإسلامية" التي أغرقت بأكوام من كتب التراث العربي والإسلامي

تبقى الوقائع أصعب وأكبر من سنوار غزة، فالتسوية صادمة وإعمار قطاع غزة مرهون بحقيقة أن حماس أقدمت على عملية السابع من أكتوبر بدافع سياسي أحمق وادعت أنها ستحرر القدس وكامل التراب الفلسطيني، هذا ما ادعته في ذلك اليوم وما محاولة العودة إلى ما قبل تلك العملية بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة وغيرها من شروط ترميها في مفاوضات وقف الحرب لا معنى لها حتى مع استرخاصها وإيران وكل قوى الإسلام السياسي للدم العربي في المغامرة المجنونة، مسار العنف لم ينتج واقعا شيئا غير تدمير وقتل وتشريد ونسخة أخرى من النكبة.

قبل الخروج من كل هذا والذهاب إلى أيّ تسوية كان من الأهم استحضار القضية الأكبر في أن محاكمة السنوار وجماعة حماس تبقى الضامن لعدم تكرار حماقة أخرى تأتي بها جماعة من الجماعات، أو حتى فرد من الأفراد، تقرر من نفسها اتخاذ قرارات بلا تفويض من أحد، هذه لحظة مواتية لاستدعاء الشجاعة في المحاسبة كما حاسب السعوديون نمر النمر وأعدموه فكان عبرة لمن بعده، كما أن الخروج من هذا النفق المظلم يتطلب من الفلسطينيين الشرفاء أن يتحملوا مسؤوليتهم الوطنية ويقفوا صفا واحدا ضد المتاجرين بالدين والقضية.

لا يمكن للسنوار وأمثاله أن يكونوا قادة المستقبل لفلسطين، لأنهم يقودونها نحو الهاوية، يجب على الفلسطينيين أن يرفضوا هذا النهج المدمر، وأن يعملوا على بناء مستقبل أفضل لأبنائهم وأجيالهم القادمة، مستقبل يتسع للجميع، دون تمييز أو تفرقة، مستقبل يُبنى على أسس من العدل والسلام والاحترام المتبادل.

يجب أن نتذكر دائما أن الحسين بن علي، رمز الكرامة والشجاعة، خرج طلبا للعدل والسلام، وليس للدمار والخراب، إن الاستلهام من سيرته يجب أن يكون موجها نحو بناء مجتمع متسامح وعادل، مجتمع يحقق تطلعات أبنائه في الحياة الكريمة والأمان.

إن العالم يراقب، والتاريخ يسجل، والفلسطينيون أمامهم فرصة تاريخية للتغيير، فليكن نضالهم من أجل الحياة والبناء، وليس من أجل الموت والدمار، لأن بناء الوطن لا يكون إلا بعقول مستنيرة وقلوب محبة للسلام، وليس بأيد ملوثة بدماء الأبرياء، الحسين كان وسيبقى رمزا للسلام ولتجنب الفتن ما ظهر منها وما بطن.