د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):

وساطات عُمانية مع إيران: كسر عزلة الملالي على حساب العرب والغرب

القاهرة

كانت العزلة التي يعيشها النظام الإيراني في الداخل أشد وطأة وقسوة عليه من أي من العزلة الدولية؛ لذلك كانت أولويات النظام هي الهروب من ضغوط العزلة الدولية في مخططات ومسارات خارجية مختلفة تخفف من حدة العزلة والرفض القائمين ضده من قبل الشعب، وهنا تلعب أدواته الخارجية الدور المكلفة به للمناورة والابتزاز وصناعة الأزمات بنجاح، فيأتي بعدها دور الوسطاء والمهادنون، ولم تقتصر سياسة المراودة والمهادنة مع ملالي إيران على الغرب فقد كان للشرق والشرق الأوسط وللعرب من ذلك نصيباً كبيراً، وقد لعبت دولاً كالعراق وسلطنة عُمان دوراً محورياً في الوساطة لصالح ملالي إيران المعزولين داخلياً وخارجياً .. وساطةً بين الملالي والعرب والغرب، وساطة تبعتها مخارج للملالي من أزماتهم وحققت لهم المكاسب وأضرت بالعرب وأحطت في الوقت ذاته من قدر الغرب وفضحت مساوماته واتفاقياته الجانبية المخلة مع نظام الملالي.

لم تأتي الوساطة بين الملالي والعرب بخير للعرب؛ لكنها كانت وستبقى مسعى لكسر طوق العزلة الخانق على الملالي في ظل انتفاضات شعبية وطنية عارمة في كافة أرجاء إيران، وانتفاضات مشابهة في العراق ولبنان ترفض الملالي ونظامهم وعملائهم وأدواتهم ومخططاتهم، كما لم تجلب تلك المخططات للغرب سوى العار والفضائح وأراقت ماء وجوههم فلم يعد هناك من يحترم شعاراتهم وأفكارهم، ولم تعد هناك مصداقية لوعودهم وتحالفاتهم.   

لا تحمل الوساطات السياسية بين دولٍ ما ولا تعبر عن حسن النوايا ولكنها وسيلةٌ مؤكدة للالتفاف والمناورة على الحقائق والثوابت السياسية والقانونية، وفي الوقت ذاته تحقيق بعض المكاسب والتوافقات السرية الملبية لمصالح تلك الدول وضعت الوساطات العُمانية بين ملالي إيران وفرنسا في السنوات الأخيرة المزيد من علامات الاستفهام بشأن فرنسا وأوروبا والقيم والقوانين التي ترفعها وتتشدق بها منذ عقود طوال خاصة تلك التي تتعلق بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، ودفع الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية وشعوب ودول المنطقة ثمناً باهظا لها إذ فكت القيد المفروض على النظام السوري الحليف للملالي وفرضته كأمر واقع داخل سوريا وفي المنطقة لتستمر بذلك مأساة ومعاناة الشعب السوري وأعطت الشرعية للممارسات الحكومية في إيران والعراق لقمع الشعبين الإيراني والعراقي لصالح نظام الملالي والموالين له في العراق.. كما شرعت لتقبل دعم ملالي إيران للفصائل الفلسطينية الساعية إلى تشويه السلطة الفلسطينية الشرعية والقضاء عليها كما هو جارٍ الآن.

نتيجة لتلك الوساطات والمفاوضات وغيرها وصلت قنبلة دبلوماسية نوعية شديدة الانفجار إلى أوروبا قادمة من طهران،                                                    ومن دولة لأخرى ومن يد ليد ومن عميل لعميل وبتسهيلات كبيرة حتى وصلت إلى تجمع سنوي كبير للمعارضة في باريس وكادت هذه القنبلة أن تفتك بأكثر من نصف الحضور وتشوه الكثيرين من الحاضرين لولا يقظة عناصر المقاومة الإيرانية علما بأنه كان هناك مئات الشخصيات العالمية المرموقة، ومع ذلك لم تكترث السلطات الفرنسية بذلك، وعندما أدان القضاء البلجيكي هذه الجريمة الإرهابية المتكاملة الأركان والأدلة دبلوماسياً إرهابياً تابعا للملالي وخلية إرهابية تابعةٍ له كانت نتيجة تلك الوساطات وسياسة المهادنة والاسترضاء أن تمت مبادلة هذا الدبلوماسي الإرهابي بمختطفين أبرياء وإعادة الدبلوماسي الإرهابي إلى إيران، ونتيجة لتلك الوساطات والمهادنات أيضاً ضيقوا الخناق على المقاومة الإيرانية في جنوب شرق أوروبا وتم قمعهم وقتل بعض عناصرهم وهدم وتخريب ممتلكاتهم وهم لاجئون أبرياء عزل، وفي باريس ومنعوا المقاومة الإيرانية بضغوط ومساومات سرية من نظام ولاية الفقيه من عقد مؤتمر سنوي لها لولا أن المقاومة ربحت معركة التحدي من خلال القضاء الفرنسي وتم عقد المؤتمر على أفضل ما يكون الأمر الذي دفع بالملالي أنفسهم إلى كشف المستور وفضح ما جرى وكان علنا أمام وسائل الإعلام لدرجة قولهم بأنهم أخضعوا قوى الاستكبار العالمي لإرادتهم وتلبية مطالبهم وبات الأوروبيين في موقف لا يحسدون عليه في موقف من غص بموس حلاقة في مقتل فإن أخرجه قتله وإن ابتلعه قتله. 

ماذا وراء الوساطة العمانية الأخيرة بين نظام الولي الفقيه وفرنساً

مؤخراً لعبت سلطنة عُمان دوراً هاماً في الوساطة بين ملالي إيران وفرنسا من أجل الإفراج عن مخطوفين سجناء في إيران، ونجحت الوساطة في ذلك ولم يُكتب أن فشلت الوساطة العمانية في قضايا تتعلق بالملالي والأوروبيين، وانتقل السجناء الفرنسيين إلى سلطنة عمان تمهيداً لنقلهم إلى بلادهم.

بالأمس تُعيد السويد سياف إيراني من عناصر نظام الملالي أدانه القضاء السويدي بالتورط في مجازر الإبادة الجماعية لـ 30 ألف سجين سياسي سنة 1988، ولن ينتهي هذا المسار بين الملالي والغرب، والآن صفقة السجناء الفرنسيين وتوقيتها.. إننا لا نستغرب حدوث هذه الوساطات فقد اعتدنا عليها لكن ما لم يُذكر حول هذه الوساطة هو توقيتها وثمنها إذ جرت في وقت تسعد فيه المقاومة الإيرانية إلى عقد تجمعها السنوي الكبير في فرنسا وفي دول أوروبية أخرى؛ فهل يا ترى ستمضي الأيام القادمة دون سماع أصداء حول تلك الصفقات المخزية هنا وهناك؟ هذا ما نحن بانتظاره.

د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي