محمد خلفان يكتب:

العدالة مع الإرهابيين

صدر اليوم، الأربعاء الموافق 10 يوليو 2024، الحكم القضائي على الخلية الإرهابية التي تضم 84 من أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي في الإمارات.

حيث أدين المتهمون بتأسيس تنظيم سري هدفه ممارسة الإرهاب وارتكاب أعمال عنف على أراضي الدولة.

ويكون بذلك القضاء في الإمارات قد ضرب أحد أروع الأمثلة العملية على عدالته واستقلاله؛ حيث لم يتم التعامل مع أولئك الذين يسعون في الأرض من دمار وخراب، بما يستحقون من عقاب وإقصاء وفق حجم الخطر الذي كانوا يشكلونه مع أقرانهم في الدول العربية الأخرى خلال فترة ما كان يسمى بـ"الربيع العربي".

بل تم التعامل معهم بما تستوجبه أسس العدالة ومبادئ العدل ومقتضيات تنفيذ القوانين والتشريعات القضائية. فوفقاً للقواعد الأخلاقية والأعراف التقليدية وما درجت عليه شعوبنا العربية والإسلامية، كانت تلك المجموعة الخارجة على كل المفاهيم الوطنية والدينية جديرة بإنزال أشد العقاب جزاءً بما كانوا يُدبرون ويخططون، لاسيما أن مشروعهم جاء في لحظة كانت الدولة تحتاج وقفة من كل أبنائها، وفق المنطق السياسي التقليدي أنه في: اللحظات التاريخية الصعبة تتوحد الشعوب، ولكن هؤلاء خالفوا كل القواعد واختاروا الوقوف ضد الدولة.

الإمارات دولة مؤسسات، فالقانون هو المظلة التي ترعى الجميع وتحمي الكل، فتعطي كل ذي حق حقه وتضرب على يد الخارج عن نظامها، بالقانون.

استغرقت محاكمة تلك الخلية الإرهابية بضعة أشهر، شهدت خلالها جلسات عدة حرص القضاء الإماراتي خلالها على تطبيق العدالة في أدق وأشمل صورها، مما استلزم ذلك من صبر ووقت وجهد. مع أن القضية ليست وليدة تلك الأشهر الماضية، حيث تعود جذورها إلى عام 2012. بما يعني أن الأجهزة المعنية ومؤسسات الدولة والقضاء في الإمارات، لم تأل جهداً ولا وقتاً في رصد ومتابعة المخطط منذ بدايته، وكانت حريصة على عدم التعجل لا في توقيف تلك العناصر ولا في استيفاء الأدلة والقرائن الدامغة على تورطهم في التخطيط لأنشطة تخريبية ضد دولة الإمارات وأمن واستقرار شعبها.

هناك مقولة شهيرة في سلك العدالة والقضاء، وهي أن: "الحكم عنوان الحقيقة" فصدور حكم قضائي يعني وبشكل نهائي استبعاد أية آراء أو تحليلات وسد الباب لكل الأقاويل أياً كانت، سواءً مع أو ضد المدانين أو المتهمين. وفي نفس الوقت، فإن تلك القدسية لأحكام القضاء وضرورة الانصياع الكامل، هي التي تمنح أولئك المحكوم عليهم فرصة التظلم والالتماس. وذلك تحرياً لكل سبل العدل وإعمالاً لجوهر العدالة في أسمى تجلياتها قانونياً وموضوعياً. ولذلك فإن الحكم الذي صدر على تلك المجموعة التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي، ليس حكماً نهائياً، وإنما تنتظر القضية مرحلة أخرى هي مرحلة الاستئناف القضائي من المدانين، لتستوفي القضية كافة متطلبات العدالة والإنصاف موضوعياً وإجرائياً.

ولأن القضية تعود إلى عام 2012، فلابد من وضعها في الإطار الأوسع والبيئة التي بدأ فيها ذلك المخطط ولا ينفصل عنها وفق منطق "القطيع". ففي ذلك العام (2012) بدأت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية تمدد أصابعها الخبيثة لتعبث بأمن واستقرار بعض الدول العربية المهمة، منها دولة الإمارات. وذلك بعد أن نجحت مبدئياً في خلخلة الاستقرار بكل من تونس، ومصر، وسوريا، واليمن. بمعنى آخر أن نشاط وتحركات تلك المجموعة داخل الإمارات، يرتبط عضوياً بالمخطط الأوسع للإخوان الإرهابيين تجاه المنطقة ككل. بعد أن ظن قادة الإخوان المسلمين، ومن يحكمونهم، أنهم قد تمكنوا من السيطرة على الدفعة الأولى من الدول العربية. فكان السعي إلى مجموعة ثانية وتوسيع دائرة "التمكين".

إن التحركات والأنشطة التي قام بها أعضاء هذا التنظيم الإرهابي، بعيدة كل البعد عن خصائص وطبيعة الإمارات والإماراتيين. وهو ما يؤكده الواقع وتاريخ، إذ لم تشهد الإمارات من داخلها في أي وقت نشاطاً أو توجهاً مخالف للإجماع الشعبي والالتفاف حول الدولة بكل مكوناتها، قيادة ومؤسسات وسياسات. لكن حدث تأثر من بعض أصحاب النفوس الضعيفة بالنجاحات المؤقتة والظهور المتزايد للإخوان وأفرعها في المنطقة، مدعومة بترحيب وتشجيع من قوى إقليمية وعالمية. فظن هؤلاء أن تلك الموجة العابرة ستستمر، بل وقابلة للتكرار في دول راسخة ومتماسكة مثل الإمارات.

في الحقيقة، لسنا بحاجة إلى توضيح ضعف وعجز هذا التفكير قصير النظر، ويكفي أن الأمثلة التي اتخذتها تلك العناصر قدوة مثالاً حاولت تكراره في الإمارات، هي نفسها سقطت سقوطاً مريعاً وانكشفت حقيقتها المفزعة أمام شعوبها وأمام العالم، فصارت اليوم مطاردة في كل الدول والمجتمعات وأصبحوا منبوذين ومطاردين من دول كانت تأويهم وتستقبلهم وتوفر لهم الحماية.

كل ما سبق، يؤكد أن تلك التنظيمات الإرهابية جميعها، أضعف مما تبدو في الظاهر، وفروعها وأذرعها أوهن من خيوط العنكبوت. ولعل في ذلك درساً لكل من يتوهم أو تُسول له نفسه الانسياق وراء شيطان تنظيم الإخوان الإرهابي.