هاني مسهوريكتب:

إيران .. بلا حلفاء في معركة رد الهيبة

تشهد المنطقة حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا يهدف إلى نزع فتيل التوتر بين إيران وإسرائيل، عقب اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران.

يتواصل هذا الحراك الإقليمي والدولي ليغلف رد إيران المحتمل والرد الإسرائيلي المتوقع بالتروي والتعقل، في محاولة لتجنب تصعيد شامل.

ورغم التصريحات الصارمة، يبدو أن كل الأطراف، بما في ذلك إيران، تسعى لتفادي توسيع دائرة الصراع، مدركة أن الولايات المتحدة تقف بحزم ضد أي تصعيد.. لكن طهران تواجه تحديات هائلة في سعيها لاستعادة هيبتها بعد هذا الاغتيال المهين الذي يمثل ضربة رمزية كبيرة للصراع الفلسطيني.

فقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن المكاسب الإقليمية التي حققتها إيران تأتي بتكلفة باهظة، مع تعرض أراضيها لهجمات منذ أبريل/نيسان الماضي.

منذ اغتيال هنية، أطلقت طهران حملة دعائية واسعة النطاق للحصول على دعم دولي لردها المتوقع على إسرائيل، لكنها انخرطت أيضًا في مفاوضات معقدة لضبط هذا الرد ضمن حدود معينة.

تصريحات مستشار المرشد الإيراني للشؤون السياسية، علي شمخاني، عن "الظروف المهيّأة لإنزال أشد العقاب بإسرائيل" تعكس هذا التوجه، لكنها تشير أيضًا إلى أن إيران تحاول تنظيم ردها وتنسيقه مع الرد الإسرائيلي المتوقع.

المحاولات الأمريكية لنزع فتيل الحرب الشاملة، عبر تسريع جهود وقف إطلاق النار في غزة، لم تحقق النجاح المرجو، فالولايات المتحدة حاولت إقناع إيران بأن وقف الحرب في غزة يمكن أن يكون ذريعة لصرف النظر عن الانتقام، لكن طهران لم تستجب لهذه الضغوط، مدركة حاجتها لاسترداد ماء الوجه بعد الاختراق الأمني الذي أدى إلى اغتيال هنية.

التعقيدات المرتبطة بموازين القوى في المنطقة تجعل من الصعب تنفيذ أي اتفاق لخفض مستوى الضربات الانتقامية.

الدبلوماسيون المطلعون على هذه المفاوضات يشيرون إلى أن إسرائيل لن تتوانى عن الرد على أي استهداف لمواقعها العسكرية، مما يزيد من تعقيد الوضع.

أحد السيناريوهات المطروحة هو قصف منشآت النفط الإيرانية، مما يعيد إلى الأذهان المخاوف من تصاعد النزاع إلى حرب شاملة تشمل هجمات على منشآت حيوية.

الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، يواجه ضغوطًا داخلية كبيرة للرد على إسرائيل، خاصة من "حرس الثورة" الذي يطالب برد مكلف لإسرائيل.

تشكيل حكومة بزشكيان يعكس حالة من الإرباك الداخلي، مع استقالة محمد جواد ظريف بعد تعيينه مساعدًا للرئيس للشؤون الاستراتيجية، مما يشير إلى تجاذبات داخلية تؤثر على القرار الإيراني.

استمرار المجازر الإسرائيلية في غزة يعقد أي محاولات لوقف الحرب. الحكومة الإسرائيلية، تحت ضغوط اليمين المتطرف وقيادة الجيش، تستمر في تصعيد الهجمات على القطاع، مما يجعل من الصعب تحقيق أي هدنة.

إيران لم تنجح في حشد دعم إسلامي واسع لضربتها الانتقامية، الاجتماع الأخير لوزراء منظمة التعاون الإسلامي في جدة أدان اغتيال هنية، لكنه لم يمنح إيران الغطاء السياسي الذي كانت تأمله.

هذه الخيبة تجلت في تصريحات عبدالملك الحوثي وانتقادات حسن نصر الله، التي عبرت عن خيبة الأمل من الموقف الإسلامي العام.

بين اغتيال هنية والرد المتوقع، حققت إيران مكسبًا سياسيًا بانتخاب يحيى السنوار رئيسًا لحماس، مما يعزز نفوذها في غزة. لكن هذا المكسب يقابله خسائر على الأرض، حيث لم ينجح التصميم على الانتقام في تخفيف مأساة القطاع.

إيران تجد نفسها في وضع حرج بين محاولة استعادة هيبتها والضغوط الدولية لتجنب تصعيد الحرب.. الاتصالات الإقليمية والدولية قد تساعد في تجنب الأسوأ، لكن الوضع يبقى معقدًا ومفتوحًا على كل الاحتمالات، مع استمرار المجازر في غزة وعدم استقرار التوازنات الداخلية في إيران.. الأمور قد تتجه نحو التصعيد أو الحلحلة، حسب قدرة الأطراف على التروي والتعقل في إدارة الأزمة.

هذا التوتر المتزايد يضع إيران في موقف يتطلب دقة وحذرًا في التعامل مع تداعياته. الضغط الداخلي والخارجي يتزايد، مع انتظار الرد الإيراني وتصعيد محتمل قد يجر المنطقة إلى فوضى أكبر، بينما تستمر الدبلوماسية في محاولاتها، يبقى السؤال: هل تستطيع الأطراف المعنية تجاوز هذه الأزمة دون الانزلاق إلى حرب شاملة؟.

إيران، رغم صعوبة موقفها، تمتلك أوراقًا سياسية يمكن أن تلعبها بحذر. انتخاب السنوار رئيسًا لحماس قد يمنحها بعض النفوذ، لكنه أيضًا يزيد من التحديات أمامها. التوازن بين الرد الحازم وعدم تجاوز الحدود الحمراء التي قد تؤدي إلى حرب شاملة سيكون هو التحدي الأكبر.

في الختام، تبقى المنطقة على صفيح ساخن، حيث تتشابك الحسابات السياسية والعسكرية في ظل توترات قد تتفجر في أي لحظة. التروي والتعقل قد يكونان السبيل الوحيد لتفادي كارثة أكبر، لكن هل يمكن تحقيق ذلك في ظل تعقيدات المشهد الحالي؟ الأيام القادمة ستكشف مدى قدرة الأطراف على ضبط النفس وتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة تدمر ما تبقى من استقرار في المنطقة.