عبدالجبار باجبير يكتب لـ(اليوم الثامن):

صراخ العمال: قرارات متسرعة تدمر مئات الأسر وتزيد من البطالة

تواصل معي عدد من عمال مصانع طحن مخلفات الأسماك بمحافظة حضرموت، حيث أفادوا بتلقيهم إشعارات بتسريحهم من أعمالهم، وبعضهم قد تم تسريحه بالفعل. 

يعود ذلك إلى قرار وزير الزراعة والثروة السمكية، اللواء سالم السقطري، بإيقاف مصانع الطحن بشكل عام دون وضع معايير أو آلية لتنظيم عملها، خاصة مصانع طحن مخلفات الأسماك.

للأسف الشديد، لم يبني الوزير قراره على أي دراسة، وإلا لما صدر بشكل متسرع ودون اعتبار لأكثر من 600 عامل يعملون في مصانع حضرموت، بالإضافة إلى العمالة في محافظة المهرة.

 بل إن القرار صدر دون أي معايير أو آليات تنظيمية، مما جعله قرارًا تعسفيًا في نظر العمال في بعض هذه المصانع. 

وقد علق بعضهم حتى على مداخلة وكيل وزارة الثروة السمكية في قناة عدن المستقلة، حيث قلل من شأنهم زاعمًا أن عدد العاملين في كل مصنع طحن لا يتجاوز 8-10 أشخاص، بينما الحقيقة أن عدد العمال في كل مصنع يصل إلى 150 شخصًا، دون حساب الإداريين وغيرهم، وكل فرد من هؤلاء العمال يعيل أسرة، والبعض يعيل أكثر من اسره.

 إن إغلاق المصانع فجأة يصعّب عليهم الحصول على أعمال بديلة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الراهنة في البلاد.

واجهت مصانع طحن مخلفات الأسماك قبل عام تقريبًا حملة من بعض القطاع الخاص بصورة غير مباشرة أو مباشرة وخاصة بعض شركات الأسماك المجمدة ، وحسب علمي، انعكس ذلك لاحق في قرار الوزير، دون حتى التشاور مع أصحاب المصانع التي تمتلك تراخيص قانونية للعمل أو اعطائهم فرصة لتصفية ما بحوزتهم من مخلفات .

تعتمد مصانع الطحن في حضرموت بالأساس على الأسماك التي تكون غير صالحة للاستهلاك بسبب جودتها، سواء في الصيد أو عند وصولها إلى المصنع نتيجة لتلفها بسبب سوء الحفظ. 

وتنتج هذه المصانع مسحوق أو زيت السمك، الذي يُباع لمزارع تربية الأسماك في دول العالم المختلفة. 

ومن المفترض إنشاء مزارع ومحميات للأسماك في اليمن، خاصة وأن معظم الأسماك في الأعوام الأخيرة تأتي من الصومال بشكل أساسي بعد أن كانت تُصطاد من مياه اليمن.

ادعى البعض أن مصانع طحن مخلفات الأسماك قد تسبب ضررًا على المخزون السمكي لبلادنا دون أي دليل، مع أن عملها قائم أصلاً على طحن مخلفات الأسماك أو الأسماك التالفة. 

وإن كانت الوزارة أو هيئات المصائد في حضرموت والمهرة لم تضع أي ضوابط للحفاظ على المخزون السمكي وزيادته. 

كما أن معظم الأسماك حاليًا يتم اصطيادها من القرن الأفريقي، وهذا الأمر مستمر منذ نحو عشرة أعوام، والأسماك بطبيعتها تعتبر مهاجرة ومتنقلة. 

الحفاظ على المخزون السمكي يتطلب لوائح وآليات استراتيجية للحفاظ على تكاثرها، وهي مسؤولية الوزارة وهيئات المصائد وتوعية الصيادين.

تحديد المخزون السمكي ومدى تأثره لا يمكن معرفته إلا من خلال دراسات مسح علمية تقوم بها شركات عالمية باستخدام سفن متخصصة ذات طواقم فنية متخصصة وفقًا للمعايير الدولية المعترف بها. 

علاوة على ذلك، مصانع الطحن لا تمتلك سفنًا أو قوارب صيد، وليس من اختصاصها تنظيم طرق وآليات الصيد، بل تستقبل الأسماك من الموردين أو من الصيادين، شأنها شأن المصانع الأخرى ، والفرق بينها وبين المصانع الأخرى هو أنها تستقبل الأسماك المرتجعة بسبب عدم جودتها أو صلاحيتها للتصنيع في تلك المصانع، وبالتالي أصبحت غير صالحة للاستهلاك الآدمي بدلاً من رميها في المرادم أو إعادة رميها في البحر مما قد يسبب أضرارًا صحية على المجتمع وموارد البيئة البحرية.

جدير بالذكر أن هناك تقريرًا من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة يوضح أن مسحوق السمك وزيت السمك ضروريان لتربية الأحياء المائية. 

وبحثت عن عدد الدول المنتجة لمسحوق السمك، ووجدت أن معظم دول العالم تنتج مسحوق السمك وزيته، وتتصدر قارة أمريكا الجنوبية والشمالية وأوروبا قائمة الدول المنتجة، يليها فيتنام، الصين، اليابان، روسيا، ماليزيا، كوريا الجنوبية، إندونيسيا، تايوان، الفلبين، الهند، بالإضافة إلى عدد من الدول الأفريقية. 

وتحتل البيرو المركز الأول، ويليها فيتنام بالمركز الثاني، ثم الصين ثالثا ، ومجموعة الدول الأوروبية (27 دولة) الرابع، وتشيلي الخامس.

أما الدول العربية، فتعتبر سلطنة عمان، موريتانيا، والمغرب أبرز الدول إنتاجًا لمسحوق السمك وزيته، وبرزت اليمن لاحقًا بين الدول المتصدرة، ولكن لم توثق إنتاجها. 

كما تحصلت على بحثًا حول قيمة السوق العالمية لمسحوق وزيت السمك، حيث بلغت القيمة عالميًا 12.2 مليار دولار أمريكي لعام 2022م. 

وتوجد توقعات بنمو السوق بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.7٪ من عام 2022م إلى عام 2023م، أي أن حجم السوق العالمي قد يصل إلى 19.4 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032م.

الحديث طويل جدًا والمعلومات كثيرة لا تسعني حاليًا لذكرها جميعًا، ولكنني تحدثت عن أبرزها، وإن شاء الله سأستعرض المزيد منها في وقت لاحق.

كلي أمل أن يتم إنصاف العمال الذين سُرّحوا أو سيتم تسريحهم من هذه المصانع بقرار بدون أي دراسة، مما سيسبب كارثة إنسانية واقتصادية لأكثر من 600 فرد يعيلون 600 أسرة أو أكثر تقريبًا في محافظة حضرموت فقط، دون حساب محافظة المهرة التي لا أعلم عدد عمالها.

وان تكون هناك آلية لتنظيم عمل المصانع وآلية لحماية المخزون السمكي وتكاثره بشكل علمي ودراسات واقعية بعيدا عن السطحات الإعلامية.