د. عبدالمنعم همت يكتب:

السفير السوداني في الإمارات: مخطط لمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى

شنت كتائب الإعلام التابعة لحكومة الحركة الإسلامية في بورتسودان حملة شعواء ضد السفير السوداني لدى الإمارات، عبدالرحمن شرفي، في خطوة تكشف عن حالة من الاستهداف الشخصي والسياسي. هذا الهجوم الممنهج يسلط الضوء على سياسة الحركة الإسلامية في إقصاء كل من لا ينصاع لأجنداتها، خاصة إذا كان يمثل رمزًا للاستقلالية الدبلوماسية والمهنية. عبدالرحمن شرفي، الذي التزم بمسار دبلوماسي هادئ ومحترف، وجد نفسه في مرمى نيران كتائب الإعلام الإسلامي لأنه رفض الدخول في معارك وهمية وأبقى على علاقات محترمة بين السودان والإمارات.

الهجوم على السفير شرفي لم يكن عشوائيًا، بل جاء نتيجة لسلوكه الذي اتسم بالرزانة والاعتدال، ما أثار حفيظة الإسلاميين الذين كانوا يتوقعون منه أن يكون جزءًا من حملتهم المستمرة ضد الإمارات. في الوقت الذي يحاول فيه الإسلاميون استغلال كل من في منصب دبلوماسي لتعزيز أجنداتهم الحزبية وخلق أزمات مفتعلة، اختار شرفي مسارًا مختلفًا، حيث حافظ على وقاره الدبلوماسي ورفض الانزلاق إلى مهاجمة الإمارات أو خلق خلافات لم تكن موجودة في الأصل.

الحملة التي شُنَّت ضده بدأت في وسائل الإعلام التابعة للحركة الإسلامية في بورتسودان، حيث حاولت هذه الكتائب تصوير السفير وكأنه خان بلاده لمجرد أنه لم يتبنَّ الخطاب العدائي الذي يروج له الإسلاميون ضد دولة الإمارات. لقد أظهرت هذه الحملة مدى ضيق أفق الإسلاميين تجاه من لا ينتمي إلى جماعتهم أو يرفض الانصياع لأوامرهم. السفير عبدالرحمن شرفي، الذي لم يكن عضوًا في تنظيم الإخوان المسلمين، كان بالنسبة إليهم شخصية غير موالية للحركة، وهذا وحده كان كافيًا ليصبح هدفًا للتشويه والهجوم.

أحد أبرز الاتهامات التي وُجهت إلى شرفي هو “عدم ممارسته لرعونة الإسلاميين في التعامل مع الآخر”، وهو اتهام يكشف عن عقلية الحركة الإسلامية التي ترى في التهجم والعداء منهجًا طبيعيًا للتعامل مع الدول الأخرى. في المقابل، أظهر شرفي تفوقًا دبلوماسيًا عندما اختار عدم الدخول في صراعات مفتعلة أو إثارة مشكلات مع دولة الإمارات، ما ساهم في الحفاظ على العلاقات بين البلدين في إطارها الصحيح والمفيد.

الحملة على السفير عبدالرحمن شرفي تعكس عقلية الحركة الإسلامية في السودان التي لا تقبل بأي استقلالية في الرأي أو النهج. هذه العقلية لا ترى سوى بمنطق "معي أو ضدي"

ما يزيد من غرابة الهجوم هو أن شرفي كان مهتمًا بحل مشاكل الجالية السودانية في الإمارات، وسعى بجهوده الدبلوماسية إلى تحسين أوضاع السودانيين هناك دون أن يكون ذلك محط استغلال سياسي. هذه الجهود، التي كانت تهدف إلى تحقيق مصلحة الجالية السودانية، لم تكن كافية لحمايته من الاتهامات الظالمة، بل على العكس، زادت من حدة الهجوم عليه لأنه لم يكن جزءًا من تنظيم الإخوان ولم ينخرط في أجنداتهم.

مع تصاعد الهجوم الإعلامي على السفير، بدأت مؤشرات تحرك رسمي ضد شرفي تظهر على السطح. وزارة الخارجية السودانية أرسلت استدعاءً له ليعود إلى بورتسودان، في خطوة تثير العديد من التساؤلات حول النوايا الحقيقية وراء هذا الاستدعاء. يبدو أن هذا التحرك ليس إلا جزءًا من خطة أكبر لمحاكمته بتهمة “الخيانة العظمى”، وهي تهمة غالبًا ما تستخدم لتصفية الحسابات السياسية داخل الحركة الإسلامية. بعودته إلى بورتسودان، سيصبح من السهل على الحكومة الإسلامية توجيه التهم إليه وتلفيق الأدلة التي تبرر محاكمته، وهو ما قد يمهد الطريق لتصفية حسابات قديمة مع دولة الإمارات عبر استهداف ممثلها الدبلوماسي.

الحكومة الإسلامية في بورتسودان لم تكن راضية عن الموقف المتوازن الذي اتخذه شرفي تجاه الإمارات، وبدلًا من مكافأته على جهوده في تعزيز العلاقات وحل مشكلات الجالية السودانية، واجهته بحملة شعواء لتدمير سمعته وتشويه شخصيته. الهدف من هذه الحملة ليس فقط استهداف شرفي شخصيًا، بل هو رسالة إلى كل من يرفض الانصياع لأجندة الإسلاميين. أي دبلوماسي أو مسؤول حكومي يختار مسار الاعتدال والحفاظ على السلوك الدبلوماسي سيجد نفسه في نفس الموقف الذي وجد فيه شرفي.

التهمة الأساسية التي تروج لها كتائب الإعلام الإسلامية هي “الخيانة”. هذا المصطلح الخطير يستخدم دائمًا لتوجيه الضربات القاضية لمن يرفض السير في ركاب الإسلاميين. السفير شرفي، الذي كان يعمل لصالح بلاده وجاليتها في الإمارات، بات الآن مهددًا بفقدان منصبه وربما أكثر من ذلك، بناءً على تهم كاذبة تسعى فقط لتصفية حسابات سياسية مع دولة الإمارات.

في نهاية المطاف، الحملة على السفير عبدالرحمن شرفي تعكس عقلية الحركة الإسلامية في السودان التي لا تقبل بأي استقلالية في الرأي أو النهج. هذه العقلية لا ترى سوى بمنطق “معي أو ضدي”، وكل من يرفض الانجرار خلفها يصبح هدفًا لحملاتها التشويهية والإعلامية. هجومها على شرفي هو جزء من إستراتيجية أوسع لفرض هيمنتها على كل المناصب الدبلوماسية والإدارية في الدولة، وتحويل كل من يخالفها إلى عدو يجب القضاء عليه.