محمد جواد الميالي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الدولة في فكر الشهيد الحكيم

أصبحت التنمية في عالمنا اليوم، ركيزة أساسية لتطور البلدان وازدهارها، فهي ليست مجرد عملية اقتصادية جامدة، إنما تشمل أبعاد اجتماعية وثقافية وسياسية.

كما أنه ليست ترفاً، بل صارت ضرورة حتمية، تساهم في تحقيق التقدم والاستقرار، للدولة والمجتمع، فهي القوة التي تحرك المجتمعات وتدفعها، وتنقلها من الركود إلى حالة من الديناميكية المستمرة.

عندما تكون التنمية متوازنة في مختلف القطاعات، تزداد قدرة الدول على اتخاذ قراراتها بإستقلالية، ما يقلل من التبعية للخارج.. والدول المتقدمة في الرباعية التنموية (الصناعة، الزراعة، التعليم، والتكنولوجيا)، تتمتع بإستقلالية أكبر على قراراتها الوطنية، وهذا من ضروريات السيادة التامة..

في هذا السياق، تبرز ركائز التنمية، التي في مقدمتها الهوية الوطنية، لأنها ليست مجرد شعارات إنتخابية، بل هي شعور بالإنتماء المشترك، يتجسد في القيم والتقاليد والثقافة الوطنية، وإظهارها يعزز التماسك الإجتماعي، ويوحد الأفراد تحت مظلة واحدة، مما يخلق بيئة مواتية لتحقيق التنمية.

كما لا يمكن إغفال دور الشرعية، حيث تُعنى بالإعتراف المجتمعي بقبول النظام السياسي القائم، وعندما يتمتع النظام بالشرعية، يزداد استقراره وقدرته على مواجهة التحديات، بمختلف مصادرها التاريخية والشعبية والشرعية الدستورية، والنظام الذي يفتقد إليها غالباً ما يلجأ إلى وسائل القمع والإستبداد، مما يؤدي إلى اضطرابات داخلية، تنتهي بسقوط النظام.

أما قدرة النظام على الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع وفهم احتياجاتهم، فهو التواصل والقدرة على التغلغل بين طبقاته.. فعندما تضعف هذه القدرة، تنشأ فجوة بين النظام والشعب، مما يؤدي إلى الإنفصال بين الطرفين، هذا التباعد، خاصة في المجتمعات ذات التركيبة القبلية أو الطائفية، يُسهم في تضخيم الشعور بالحرمان وعدم العدالة.

اندماج الجماهير في النظام السياسي، يُعد عنصراً محورياً لتحقيق التنمية، فكلما تشعبت القرارات من داخل المجتمع، زاد شعورهم بالانتماء الوطني، ولتحقيق هذا الركيزة، يتعين توفير التعليم السياسي، وتمكين المشاركة في الانتخابات، وتعزيز العدالة الاجتماعية من خلال تقليص الفجوة بين الطبقات.

يبقى التحدي الأكبر، هو أزمة توزيع الثروات.. حيث أن التوزيع غير العادل يفاقم الفجوة بين الطبقات، مما يولد حالة من السخط والغضب الشعبي، ويولد الأحقاد تجاه رجال الحكومة، ويتربص سقوطهم.

يبقى السؤال.. من يحقق التنمية في البلدان التي تشهد تحولاً ديمقراطياً؟

من رحم معاناة الشعوب، يولد القائد المقاوم، القادر على قيادة الأمة نحو التغيير، وليس مجرد زعيم سياسي، بل مُلهِم شعبي يحمل رؤية استراتيجية شاملة، ويمتلك القدرة على تحويل الآلام إلى آمال.. هذا القائد يوازن بين التنظير والعمل الميداني، بين الفكر و الجهاد، فيجمع بين الحكمة والقدرة على التنفيذ.

هكذا كان الشهيد محمد باقر الحكيم (قدس) الذي شكّل مثالاً حياً للقائد المفكر، فهو كرّس حياته لمواجهة الدكتاتورية، وسعى إلى بناء عراق عادل، يضمن حقوق جميع العراقيين، فقد كان مشروع الحكيم مشروعاً وطنياً شاملاً، هدفه بناء دولة مستقلة وقوية داخلياً وخارجياً.

اغتيال شهيد المحراب (رضوان الله عليه) لم يكن حدثاً عابراً، بل كان استهدافاً لمشروع وطني بأكمله، وما توصيفه لرؤيته بقوله "النجاة هو التمسك بطريق المرجعية" إلا جملة اختزل بها أسس بناء الدولة الحديثة.

إن القوى المعادية للعراق أدركت خطورة وجود قائد من طراز الحكيم، قادر على توحيد العراقيين وبناء دولة مستقلة، هذا الأمر أثار قلق الأنظمة المحيطة، التي تعيش في حالة من الهشاشة السياسية والتبعية للغرب.

لقد خافت هذه الأنظمة من فكرة عراق مزدهر مستقل، يمكن أن يشكّل نموذجاً يحتذى به للشعوب الأخرى في المنطقة، فوجود دولة  قوية يقودها زعيم حكيم مثل محمد باقر الحكيم، كان من شأنه أن يهدد بقاء الأنظمة الملكية،وربما ويحفز شعوبها على المطالبة بحقوقها.

لهذا، كان اغتيال الحكيم الحل الوحيد، الذي رأته القوى المعادية، فقد أدركوا أن استمراره في القيادة، سيُفضي إلى ولادة دولة قوية مستقلة، تفرض نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة، وتكسر حالة التبعية التي تعيشها بعض الدول المجاورة، وباستشهاده افتقد العراق قائداً حكيماً، قادراً على توجيه البلاد نحو الإستقلال الحقيقي، وفتح الباب أمام تدخلات أجنبية، وأدخل البلاد في دوامة من الفوضى والدماء.