محرر الشؤون الإيرانية يكتب:
لماذا يرى خامنئي التفاوض طريقًا إلى الهزيمة؟
زعم خامنئي أن الأوضاع في نظام الملالي الغارق في الأزمات مستقرة بشكل غير مسبوق في التاريخ! وذلك في وقت تعجّ فيه مواقع التواصل الاجتماعي بمشاهد الفضائح في استعراضات 10 فبراير، بما في ذلك مقطع يظهر فيه شبيحة خامنئي وهم يوجهون هتافات “مرتزق” و”عديم الشرف” ضد حسن روحاني، مما أجبر الرئيس السابق للنظام على المغادرة بسرعة في سيارة لحمايته من الإهانة العلنية خلال المسيرة.
وقبل ذلك بأيام، في استعراض صلاة الجمعة بطهران، ما إن بدأ الملا صديقي الحديث عن التفاوض، حتى انطلق مرتزقة خامنئي بهتافات “ظريف، ارحل!”، وأقدموا على الاعتداء اللفظي ضد نائب بزشكيان للشؤون الاستراتيجية. وبدلاً من تهدئة الأوضاع، أيّد صديقي هذه الشعارات، قائلًا: “أشعر بالتواضع أمام هذه الروح العزيزة والكرامة السماوية لشعبنا، وأركع احترامًا لها”.
أما التفسير لهذه السلوكيات، التي تتم بأوامر من خامنئي، فقد جاء على لسان الملا رسائي يوم 10 فبراير، حيث قال: “كل من يتحدث عن التفاوض مع أمريكا، فاعلموا أنه عديم العقل وعديم الشرف، لأن القائد يقول إن التفاوض مع أمريكا لا عقلاني، ولا ذكي، ولا شريف. لذلك، أي شخص، في أي منصب أو مكان أو زي، يتحدث عن التفاوض مع أمريكا، يجب اعتباره عديم العقل، عديم الشرف، وشخصًا بلا ذكاء أو إدراك“.
أما ثابتي، فقد شدد في برلمان النظام على أن: “أولئك الذين يتحدثون عن التفاوض مع أمريكا هم جهلة، سُذّج، وأشخاص لا يعرفون معنى الشرف“.
قبل ذلك، اعتبر ممثل خامنئي في صحيفة كيهان حسين شريعتمداري، في مقابلة تلفزيونية على قناة النظام، أن التفاوض يجلب الخسائر ويعني الاستسلام، قائلاً: “سقف التفاوض محدد سلفًا، وعندما يكون سقف التفاوض قد تم تحديده مسبقًا من الطرف الآخر، فإن دعوته للتفاوض تعني في الواقع دعوة للاستسلام. هذا لم يعد تفاوضًا، ولا يُطلق عليه هذا الاسم في أي تحليل سياسي.”
وفي سياق إحكام حظر التفاوض، أضاف ممثل خامنئي في صحيفة “كيهان”: “لقد تحدث القائد حوالي 24 أو 25 مرة عن ضرر التفاوض، وعدم جدواه، والخسائر التي يجلبها.”
لكن كلمة الفصل جاءت من خامنئي نفسه يوم الجمعة، 8 فبراير، حين حسم مسألة أي حديث عن التفاوض داخل نظام ولاية الفقيه، مؤكدًا: “التفاوض مع أمريكا لا تأثير له في حل مشكلات البلاد [اقرأ: النظام]، علينا أن نفهم ذلك جيدًا.” وأضاف: “مع مثل هذه الحكومة، لا يجب التفاوض. التفاوض معها لا عقلاني، ولا ذكي، ولا شريف.”
وبعد ساعات من هذا التوجيه، كرر شريعتمداري، ممثل خامنئي في “كيهان”، موقفه بالقول: “أولئك الذين يعزفون نغمة التفاوض مع أمريكا إما ‘أغبياء’ أو ‘خونة’، وفي كلتا الحالتين، لا يستحقون تولي المناصب الرئيسية في النظام.” ثم تساءل ساخرًا: “هل الذين يدّعون الفهم السياسي لا يدركون حجم الخسائر الجسيمة التي يجلبها التفاوض مع أمريكا؟”
ولكن الموقف الأكثر لفتًا للانتباه كان ما صدر عن بزشكيان، الذي كان قبل أسابيع فقط من بين المرشحين لمسرحية الانتخابات الرئاسية في مواجهة سعيد جليلي، وكان مؤيدًا للتفاوض. غير أنه، بعد يوم واحد من إعلان خامنئي قراره القاطع برفض التفاوض، غيّر موقفه تمامًا وقال: “بالأمس، قدّم القائد الأعلى كلمات جميلة!”
وفيما كان بزشكيان يتملق خامنئي وخميني المقبور، أضاف: “يظنون أنه إذا حاصرونا، سنموت جوعًا… لكنني أؤمن بقدرتنا على الوصول بقوة إلى القمم التي تم رسمها وتحديدها لنا.”
لكنه لم يوضح أين تقع هذه “القمم المرسومة” وكيف يخطط للوصول إليها “بالقوة”. لكن يبدو أن خامنئي لقّنه درسًا واضحًا مفاده أن مع انهيار العمق الاستراتيجي للنظام في المنطقة، وسقوط نظام الأسد في سوريا، أصبح النظام ضعيفًا وفي حالة احتضار، بحيث لم يعد السعي إلى التفاوض يعني سوى “الاستسلام”، أو بتعبير أكثر وضوحًا: “الانتحار السياسي”.
النتيجة: نظام محاصر من الداخل والخارج
في ظل هذا الوضع المتفجر داخل النظام، لم يعد سقوطه مجرد احتمال نظري، بل واقع يلوح في الأفق، مع ازدياد الاحتجاجات الداخلية وتصاعد الضغوط الخارجية. على الساحة الدولية، كشفت المعارضة الإيرانية في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع عن تفاصيل جديدة حول مشروع النظام لصنع رؤوس نووية، ما يزيد من عزلة طهران. في الوقت نفسه، يستعد الإيرانيون الأحرار في أوروبا لتنظيم مظاهرة كبرى في باريس يوم 8 فبراير، حيث سيحتجون ضد سياسات النظام القمعية في الداخل والخارج، ويجددون دعمهم للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وزعيمته مريم رجوي. في ظل هذا الضغط المتزايد، يبدو أن النظام بات في مواجهة معادلة مستحيلة، حيث لم يعد أمامه سوى الاستمرار في القمع الوحشي أو مواجهة سقوط محتوم.