د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
ساعة الحسم تقترب في إيران
يلعب الإيرانيون المقيمون في الخارج دورًا حيويًا في دعم المقاومة داخل إيران. فهم يوفرون الدعم المالي واللوجستي، وينظمون حملات التوعية، ويضغطون على الحكومات الغربية لاتخاذ إجراءات ضد النظام الإيراني. ففي ظلِّ تصاعد وتيرة النضال ضد نظام الملالي في إيران، وتزايد القمع والاضطهاد الذي يمارسه النظام الإيراني بحق شعبه؛ شهدت القارة العجوز سلسلةً من الفعاليات الكبرى التي نظمتها المقاومة الإيرانية، بدءًا من باريس، وصولًا إلى ميونيخ. هذه الفعاليات لم تكن مجرد تجمعاتٍ احتجاجية، بل كانت إعلانًا صريحًا عن استمرارية النضال من أجل الحرية والعدالة، وإشارةً إلى أن شرارة الانتفاضة الإيرانية تندلع من جديد.
تشكل هذه الفعاليات امتدادًا لسلسلة من الأنشطة التي نظمتها المقاومة الإيرانية، بقيادة السيدة المناضلة مريم رجوي في مختلف العواصم الأوروبية. ففي باريس، اجتمع آلاف المعارضين مع شخصيات سياسية بارزة، حيث أكدوا على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي موقفًا حازمًا ضد نظام الملالي، ودعم نضال الشعب الإيراني من أجل الحرية. أما ميونيخ كانت ساحة جديدة لرفع الصوت الإيراني الحر، بالتزامن مع مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو أحد أهم التجمعات السياسية والأمنية الدولية، مما منح المعارضة فرصة فريدة لتوصيل رسالتها للعالم.
الانتفاضة الإيرانية تشتعل من جديد
بالتزامن مع هذه الفعاليات، تشهد إيران موجة جديدة من الانتفاضات، حيث اندلعت احتجاجات في عدة مدن إيرانية ضد القمع السياسي والاقتصادي الذي يمارسه النظام الفاشي. ومع تصاعد الضغوط الدولية، يواصل النظام استخدام العنف ضد المتظاهرين، في محاولة يائسة لإخماد الأصوات المطالبة بالتغيير. بيد أن الشعب الإيراني لا يزال مصممًا على مواصلة نضاله. فالحراك الشعبي لم يتوقف رغم القمع، بل تتسع رقعته مع مرور الوقت، مؤكدًا أن إسقاط النظام لم يعد مجرد حلم، بل هدف واقعي تسعى إليه القوى الثورية في الداخل والخارج.
باريس: نقطة الانطلاق
بدأت سلسلة الفعاليات في باريس، حيث تجمّع آلاف الإيرانيين في المنفى لنقل رسالةٍ واضحةٍ إلى العالم مفادها أنهم عازمون على إسقاط نظام الملالي. حمل المشاركون الأعلام الوطنية الإيرانية، ولافتاتٍ كتب عليها شعاراتٌ تدعو إلى الحرية والديمقراطية وإسقاط النظام الحالي. كما رُفعت صورٌ لشهداء الحرية الإيرانيين الذين سقطوا في الاحتجاجات الأخيرة ضد النظام.
ميونيخ: استمرار الزخم
بعد باريس، انتقلت الفعاليات إلى ميونيخ، حيث شهدت المدينة تجمعًا حاشدًا آخر ضمّ آلاف الإيرانيين والمتعاطفين مع قضيتهم. ففي 14 فبراير 2025، نظم أنصار المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية تجمعًا خارج مؤتمر ميونيخ للأمن. وبينما كانت الفعالية في باريس تعبيرًا عن رفض شامل للنظام الإيراني، كانت التظاهرة في ميونيخ أكثر تركيزًا على مطالب سياسية محددة، من قبيل إدراج قوات حرس نظام الملالي على قائمة المنظمات الإرهابية، وفرض عقوبات جديدة على طهران، والمطالبة بتفعيل "آلية إعادة فرض العقوبات الدولية" لإعادة فرض قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، وقد كان هذا التجمع بمثابة تأكيدٍ على أن النضال من أجل الحرية في إيران ما زال مستمرًا، وأن الشعب الإيراني لن يتراجع عن مطالبته بحقوقه المشروعة.
لماذا ميونيخ مهمة؟
تستهدف فعاليات المقاومة الإيرانية في ميونيخ صناع القرار الدوليين بشكل مباشر، مما يعكس تطوراً في استراتيجية المقاومة الإيرانية. وتأتي هذه الفعاليات كجزء من استراتيجية أوسع تستهدف كسب الدعم الأوروبي والدولي، وقد حظيت التظاهرات بدعم دولي واسع مما يشير إلى تزايد الوعي الدولي بانتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان. والتأكيد على أن النظام الإيراني يمثل تهديدًا ليس فقط لشعبه، بل أيضًا للأمن والاستقرار العالمي. ففي مؤتمر ميونيخ للأمن، تم التركيز على سياسات ملالي إيران العدائية، من دعم الإرهاب إلى القمع الداخلي الأمر الذي يفتح المجال أمام مزيد من الضغوط والعقوبات ضد طهران. والتأكيد على قدرة واستعداد المقاومة الإيرانية حيث أظهرت التظاهرات وحدة الصفوف والخطاب والمطالب وحجم الحِراك الذي تقوده المقاومة الإيرانية، وهو ما يعكس قوة وتماسك المقاومة.
بالإضافة إلى ذلك، يحمل تجمع المقاومة الإيرانية في ميونيخ رسالة واضحة إلى الحكومات الأوروبية مفادها ضرورة الاعتراف بحق الشعب الإيراني في إسقاط النظام. وإدراج قوات ما يسمى بـ الحرس الثوري على قوائم الإرهاب، وضرورة دعم المعارضة المنظمة كبديل ديمقراطي حقيقي. والتأكيد للعالم على أن المقاومة الإيرانية هي الحركة الشرعية التي تمثل تطلعات الشعب الإيران، وأنها عازمةٌ على إسقاط نظام الملال، هذا وقد طالب المتظاهرون بتحقيق الحرية والديمقراطية في إيران واحترام حقوق الإنسان.
أهمية الفعاليات
هذه الفعاليات تُعتبر حدثًا تاريخيًا يعكس الإصرار المتجدد للشعب الإيراني على تحقيق التغيير. كما أنها تُظهر أن صوت الحرية لا يمكن إسكاته، وأن الإيرانيين في الداخل والخارج سيواصلون النضال حتى تحقيق أهدافهم في الحرية والعدالة. وبشكل عام، تعكس الفعالية في باريس روح المقاومة الشعبية الواسعة، بينما تمثل الفعالية في ميونيخ محاولة لتوجيه الضغط السياسي على صناع القرار الدوليين. كلا الفعاليتين تعكسان التزام المعارضة الإيرانية بتحقيق تغيير جذري في إيران، لكنهما تختلفان في الأساليب والأهداف المحددة.
ختامًا: هل اقتربت ساعة الحسم؟
بينما تتسارع الأحداث، يبدو أن الحراك الدولي للمقاومة، وحراك وحدات المقاومة الشعبية داخل إيران عاملان يمهدان الطريق لتحولات جذرية، فمع كل مظاهرة في العواصم الأوروبية، ومع كل احتجاج في شوارع طهران، يقترب النظام الإيراني خطوة أخرى من نهايته.
ميونيخ بعد باريس، وبروكسل بعد ميونيخ، وفي كل مكان تتواجد فيه المعارضة الإيرانية، يتردد صدى صوت الشعب الإيراني المطالب بالحرية مؤكدًا أن النصر قادم لا محالة، وتشير التطورات الأخيرة إلى أن النظام الإيراني يواجه تحديات كبيرة، وأن الشعب الإيراني مصمم على إسقاطه، ومع تأكيد حضور الدعم الدولي للمقاومة الإيرانية فإن سقوط النظام الإيراني سيصبح مسألة وقت ليس أكثر، وقد كانت فعاليات باريس وميونيخ تذكيرًا قويًا بأن النضال من أجل الحرية في إيران ما زال مستمرًا، وأن الشعب الإيراني لن يتراجع عن مطالبته بحقوقه المشروعة. هذه الفعاليات ليست مجرد أحداثٍ احتجاجية، بل هي أيضًا تأكيدا على اقتراب ساعة الحسم، وإعلانٌ عن إصرار الشعب الإيراني على تحقيق مستقبلٍ أفضل خالٍ من القمع والظلم، وعلى المجتمع الدولي أن يقف إلى جانب الشعب الإيراني في نضاله العادل.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي