رولا القط تكتب لـ(اليوم الثامن):
غروب شمس ولاية الفقيه
جاء التحوّل الجوهري والجذري في تعاطي واشنطن مع النظام الإيراني خصوصًا فيما يتعلّق بتدخّله في اليمن من خلال تصريحات مورغان أورتاغوس نائبة الممثل الخاص الأميركي لشؤون الشرق الأوسط.
عن تغيّر جوهري في تعاطي واشنطن مع النظام الإيراني، خصوصًا في ما يتعلق بتدخله في اليمن. في حديثها لقناة “العربية”، رفضت أورتاغوس ما وصفته بـ”فخ المفاوضات غير المباشرة” الذي ميّز سياسة إدارة بايدن، معلنةً انتهاء مرحلة التراخي والرهانات الدبلوماسية الطويلة، وبدء مرحلة جديدة أكثر حسمًا ومواجهة.
من التسامح إلى الضغط: مراجعة شاملة للسياسة الأميركية أبرزت أورتاغوس حاجة الولايات المتحدة إلى تبنّي مفاوضات فورية ومركّزة، تتجاوز سياسة الاستنزاف التي سمحت لطهران بالمراوغة وتعزيز نفوذها عبر وكلاء إقليميين، وعلى رأسهم الحوثيون في اليمن. هذا التصعيد في اللهجة يعكس تحولاً من سياسة الصبر الاستراتيجي إلى رؤية تعتمد الحسم وردع النفوذ الإيراني المتنامي، والذي تعتبره واشنطن تهديدًا مباشرًا لاستقرار الشرق الأوسط، ولأمن الممرات المائية الدولية.
الفكره التي طرحتها أورتاغوس أن النظام الإيراني مسؤول عن إدخال المنطقة في مرحلة “بالغة الخطورة”، مشيرة إلى دعمه لحزب الله والحوثيين، وواصفةً هذه الجماعات بـ”السرطان” الذي يجب استئصاله. بهذا التصريح، ترسم الولايات المتحدة ملامح استراتيجية جديدة لا تكتفي بالاحتواء، بل تسعى إلى التفكيك الفعلي لشبكة النفوذ الإيرانية في المنطقة.
اليمن كجبهة مركزية: كسر أحد أذرع ولاية الفقيه يشكل اليمن إحدى أبرز ساحات الاشتباك غير المباشر بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني. فالدعم المتواصل الذي يتلقاه الحوثيون من طهران، لوجستيًا وعسكريًا، جعل من هذا البلد ساحة دائمة للاشتعال، وتهديدًا مباشرًا لأمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وضمن هذه القراءة، تأتي تصريحات أورتاغوس كدلالة واضحة على نية واشنطن ضرب هذا العمق الاستراتيجي، وتفكيك جزء أساسي من “محور المقاومة” الذي تستخدمه طهران لتوسيع نفوذها عبر العقيدة الثورية.
فإذا نجحت الولايات المتحدة في إضعاف الحوثيين وعزلهم عن الدعم الإيراني، فإن ذلك سيكون ضربة قاسية لقدرة النظام الإيراني على تسويق روايته في الداخل والخارج. فالمقاومة التي يتغنّى بها النظام ليست إلا ذراعًا جيوسياسية لتمديد سلطته، لا أداة تحرير.
الضغط من الداخل والخارج: النظام الإيراني في مهب الريح ما يؤكد على جدّية التحوّل الأميركي هو أن هذه الاستراتيجية لا تقتصر على اليمن فحسب، بل تشمل كامل شبكة الوكلاء، لا سيما حزب الله في لبنان. وتزامن هذا التوجه مع تصاعد الضغوط الاقتصادية والعقوبات، والعزلة الدبلوماسية، يعني أن النظام الإيراني يواجه اليوم عاصفة سياسية واقتصادية مزدوجة، قد تهدد وجوده من الجذور.
داخليًا، تتزايد التوترات في إيران، كما أظهرت احتجاجات 2022 (1401)، حيث يعبّر الشعب الإيراني عن رفضه لتردي الأوضاع المعيشية وتبديد الثروات في مغامرات خارجية. وفي حال تراجعت قدرة النظام على دعم أذرعه الإقليمية، فإن شرعيته ستتآكل تدريجيًا، ما قد يسرّع من نهايته.
نحو نهاية ولاية الفقيه؟
تصريحات أورتاغوس لا تُقرأ فقط كموقف سياسي، بل كبيان افتتاحي لمرحلة جديدة من المواجهة مع مشروع ولاية الفقيه. فاليمن قد يتحول إلى ساحة الانهيار الرمزي والفعلي لأحد أهم أذرع إيران في المنطقة، ومعه تهتزّ أركان المشروع الثوري الإيراني برمّته.
الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها، تبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى تفكيك المنظومة الإيرانية من أطرافها، عبر ضرب أدواتها لا رأسها. وإذا ما اكتملت هذه الاستراتيجية، فإن نهاية سياسة المهادنة لن تعني فقط بداية الردع، بل ربما تكون بداية النهاية لنظام استمر لعقود تحت عباءة العقيدة والقمع