مصطفى النعيمي يكتب لـ(اليوم الثامن):
حرب إيران مع إسرائيل.. نتيجة 46 عامًا من الأخطاء الاستراتيجية
لم تكن الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل مأساة لا مفر منها، بل نتيجة مباشرة لسلسلة طويلة من الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها المرشد الأعلى علي خامنئي وقادة الحرس الثوري، وقد أثبتت كارثية لإيران وشعبها البالغ 87 مليون نسمة.
وهم القوة وفشل الحكم
كان بالإمكان تجنب هذا النزاع لو لم يدفع النظام وهم الأيديولوجيا وتضخيم قدراته. الاعتقاد بأن أي قوة أجنبية لن تجرؤ على ضرب إيران لم يكن مجرد سذاجة، بل تهورًا. افتراض أن القدرات العسكرية وحدها كافية لردع التدخل الخارجي كان بلا أساس. هذه الأخطاء القاتلة تحدد الآن مصير أمة بأكملها. ليست هذه فشلًا قياديًا معزولًا، بل أزمة وطنية ناتجة عن عقيدة سياسية واستراتيجية تحكمت في سياسات إيران لنصف قرن تقريبًا.
حرب أيديولوجية وليست دفاعية
منذ ثورة 1979، تبنى النظام سياسة خارجية تصادمية، متجذرة في العداء للولايات المتحدة وإسرائيل. قرار الحرس الثوري بنشر قوات في لبنان عام 1982، خلال حرب إيران-العراق، بداية لحملة لتصدير الثورة عبر وكلاء مثل حزب الله، حماس، الحشد الشعبي، والحوثيين. لكن هذا "محور المقاومة" لم يخدم المصلحة الوطنية، بل فرض تكاليف اقتصادية وسياسية وأمنية هائلة على الشعب الإيراني، بينما يعاني من انهيار اقتصادي وتضخم وعطالة.
صرح خامنئي ومسؤولون بتدمير إسرائيل وتسليح الجماعات في غزة والضفة. لكن رد إسرائيل العسكري كان متوقعًا وحتميًا. ما الغرض من عسكرة الوجود الإيراني قرب حدود إسرائيل؟ لماذا جر النظام الأمة إلى صراعات دون موافقة الشعب؟
أزمة عزلة وطموحات نووية
جلب العداء للولايات المتحدة عقوبات وعزلة ومشقة اقتصادية. كما أن الطموحات النووية السرية للنظام، مع تهديدات بتطوير قنبلة، وحدت حتى الدول الأوروبية ضده. بينما طورت دول مثل تركيا والإمارات طاقة نووية سلمية، أدت خطابات إيران الاستفزازية إلى مطالبات دولية بتقييد برامجها النووية والصاروخية.
الطريق الذي لم يُسلك
كان بإمكان إيران اختيار الدبلوماسية والتنمية والتعاون الإقليمي. بمواردها وثقافتها وشعبها المتعلم، كانت مؤهلة لتكون رائدة في الشرق الأوسط. لكن النظام اختار المواجهة بدل التعاون، والسيطرة بدل الحرية، والأيديولوجيا بدل المصلحة الوطنية، مما أدى إلى التضخم، الفقر، القمع، وهجرة الأدمغة.
حكم خامنئي المطلق: جوهر الأزمة
من قوانين الحجاب الإجباري إلى رقابة الإنترنت، قمع الاحتجاجات، وحظر اللقاحات أثناء كوفيد، قرارات خامنئي تحكمت بحياة الملايين. لا مؤسسة تجرؤ على تحديه، مما حول صنع القرار إلى عرض لرجل واحد، حيث تُعزز الأخطاء بدل تصحيحها.
بلد قصفته حكامه
على مدى 46 عامًا، دمر النظام بنية إيران الاقتصادية والاجتماعية من الداخل. الحرب الأخيرة هي تجسيد لهذه الفشل المتراكم. إن لم يُكسر هذا النمط من الأخطاء والقمع، ستستمر إيران في الانزلاق نحو أزمة أعمق، بعيدًا عن السلام والكرامة التي يستحقها شعبها .