يوسف عبدي حبوبه يكتب ل(اليوم الثامن):

من هرجيسا إلى عدن: استقلالان يوقظان جغرافيا جديدة في القرن الإفريقي والجزيرة العربيج

جهلٌ عربيّ بالتاريخ… وجهلٌ أكبر بتكاليف تجاهله، حيث لا يزال معظم من يتصدرون المشهد السياسي في العالم العربي يجهلون ــ أو يتجاهلون ــ حقيقة تاريخية بالغة الوضوح: أن أرض الصومال (صوماليلاند) كانت محمية بريطانية مستقلة تحولت في 26 يونيو 1960 إلى دولة ذات سيادة، معترف بها دبلوماسيًا من 32 دولة، بما في ذلك جميع أعضاء مجلس الأمن، بينما كانت الصومال (مقديشو) ما تزال تحت وصاية الأمم المتحدة والإدارة الإيطالية.

وحتى “الوحدة” المشؤومة التي جرت لاحقًا بين الطرفين، وأدّت إلى تعرّض أهالي صوماليلاند للمجازر والتهميش، لم تكن سوى خطوة عشوائية تفتقر ــ من منظور قانوني بحت ــ إلى الشرعية، لغياب أي ميثاق وحدوي مصادق عليه من السلطات التشريعية في الجانبين، كلٌّ على حدة.

والمشهد نفسه يتكرر في اليمن الجنوبي (الجنوب العربي)، الذي بقي دولة مستقلة لمدة 23 عامًا بعد الاستعمار البريطاني، قبل أن يدخل في وحدة مرتجلة مع صنعاء انتهت بكارثة ما زال اليمن يدفع ثمنها حتى اليوم.

اليوم، تستعيد هرجيسا وعدن استقلالهما بفضل تضحيات جسيمة وإصرار راسخ على عدم العودة إلى صيغ سياسية فاشلة جرّبتها الشعوب ولفظتها. ورغم ذلك، ما تزال بعض الدول العربية مثل مصر والسعودية وقطر وتركيا تحاول إحياء مشاريع “الوحدة الصومالية” و“الوحدة اليمنية”، ظنًّا منها أن ذلك سيخدم مصالحها الخاصة، وكأن التاريخ لم يتغيّر، وكأن الشعوب لا رأي لها، وكأن الدروس لم تُكتب بالدم.

هذا الإصرار لا يثير سوى السخرية والدهشة.

ألا يدرك أصحاب هذه المشاريع أن الاعتراف الدولي بصوماليلاند لن يمزّق الصومال، بل سيوقظ ضمير قياداته في مقديشو؟ وأنه سيجبرهم على خوض معركتهم الحقيقية لتحرير بلادهم من تنظيم الشباب، بدلًا من الاعتماد الأبدي على القوات الأجنبية وتحويل “الحرب على الإرهاب” إلى ماكينة لجلب المساعدات؟

وهل يدركون أن قيام دولة الجنوب سيكون دافعًا لليمنيين الشماليين لخوض معركتهم ضد الحوثيين ــ تمامًا كما فعل الجنوبيون في 2015 ــ بدلًا من الدوران في حلقة العجز والتبعية؟

إيران… الرابح الأكبر من الوهم العرب

بينما تنشغل العواصم العربية بفرض حلول منتهية الصلاحية على شعوب رافضة لها، تستفيد إيران من هذا الانشغال بلا عناء، وتحكم طوقها على أهم الممرات المائية عبر وكلائها من الحوثيين وحلفائهم الجدد، بما في ذلك فرعا القاعدة في اليمن والصومال.

اليوم، تخسر مصر ما يقارب 10 مليارات دولار سنويًا بسبب تعطّل الملاحة عمليًا في قناة السويس أمام السفن المهددة، وتتردد في الرد على الحوثيين.

والسعودية تتعرض لابتزاز حوثي سياسي واقتصادي وأمني مستمر.

أما الممرات البحرية من مضيق هرمز إلى باب المندب وخليج عدن فأصبحت رهينة لإرادة طهران.

الخلاصة أن الطريق إلى الأمن يمر عبر الاعتراف بالحقائق لا بالأساطير.

إن تجاهل حقيقة صوماليلاند والجنوب ليس موقفًا سياسيًا فحسب، بل خدمة مجانية لإيران وهدية ثمينة للفوضى.

ولن تستقر المنطقة طالما يُصرّ بعض الفاعلين العرب على التمسك بوحدات فاشلة ماتت فعليًا، بدلًا من دعم الحلول الواقعية التي تقود إلى دول قوية قادرة على الدفاع عن نفسها وعن محيطه.

إن الاعتراف بالواقع ليس تهديدًا للأمن العربي، بل البوابة الوحيدة لإنقاذه