د. خالد القاسمي يكتب لـ(اليوم الثامن):
بين حضرموت والمهرة... لمن يُوجَّه التدخل؟
في خضم التطورات التي يشهدها الجنوب اليمني، يطرح الواقع العسكري والسياسي تساؤلات لا يمكن تجاهلها. من ذلك ما يتعلّق باجتماع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بأطراف حزبية بعينها — وعلى رأسها المكوّن الإخواني داخل المجلس — لبحث ما سماه "التطورات في وادي حضرموت والمهرة"، والتوجه بطلب إلى التحالف العربي للتدخل من أجل وقف تحرّكات القوات الجنوبية في تلك المناطق.
والسؤال هنا: ما الحكمة في أن يطلب رئيس الدولة تدخلاً ضد قوات تمثل جزءًا أساسيًا من معادلة الأمن والاستقرار في الجنوب، وتعمل ضمن نطاقها الجغرافي والسيادي، لا خارج حدود الجنوب ولا بهدف توسّع سياسي؟ بل إن هذه القوات تتحرّك بدافع أمني بحت، بعد أن أصبحت المهرة ووادي حضرموت، وفق تقارير عديدة، ممراً مفتوحاً لتهريب السلاح والمخدرات نحو ميليشيات الحوثي، العدو الأول للتحالف ولليمنيين معًا.
ما يثير المفارقة — وربما الاستغراب — أن القوات الجنوبية التي تُطالب اليوم بالانسحاب من حضرموت والمهرة، هي ذاتها التي ترابط منذ سنوات في مأرب والساحل الغربي، وتقدّم كُلفة بشرية كبيرة في التصدي للحوثيين. ومن دون وجودها، لسقط ما تبقّى من الشمال المحرر في يد الجماعة المسلحة. فهل جزاء الوفاء في الميدان هو التهديد السياسي؟ وهل يُكافأ الثبات العسكري بالإقصاء من مناطق الجنوب نفسه؟
إن التذرّع بالتوازنات السياسية داخل مجلس القيادة لا يجب أن يُستخدم مبرراً لتمرير أجندات تعيق مسار المعركة الحقيقية. وإذا كان رئيس المجلس يرى ضرورة التدخّل من قبل التحالف، فالأجدر أن يُوجَّه هذا التدخل نحو تحرير الشمال لا تقويض الجنوب. الحوثي اليوم لم يعد خطراً يمنياً فقط، بل تهديداً إقليمياً ودولياً، يقصف الممرات الدولية ويستهدف أمن البحر الأحمر، ويجرّ المنطقة إلى اشتباك إيراني مكشوف.
كنا نأمل أن يعمل المجلس الرئاسي على ترسيخ نموذج تنموي وخدمي في الجنوب، يوازي التضحيات التي بُذلت، ويُثبت للعالم أن المناطق المحررة يمكن أن تكون قصة نجاح. بدلاً من ذلك، نرى حالة طوارئ تتعامل مع الانتشار العسكري الجنوبي وكأنه تمرّد، لا إجراء أمني احترازي على أرضٍ محررة تعاني من اختراقات خطيرة.
إننا اليوم في مرحلة حرجة لا تحتمل إعادة إنتاج الفشل. الجنوب لن يكون الخاصرة السائبة، ولن يكون البوابة التي يُستخدم فيها التهديد الأمني لابتزاز سياسي. من كان يبحث عن حلول، فليبدأ من ترتيب البيت الوطني لا تفكيكه، وليوجّه معركته حيث العدو الحقيقي، لا حيث الدم الذي ما زال يُسفك دفاعًا عن الدولة.
وختامًا، أكرر ما قاله كتاب الله: "مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون؟".

