غسان زقطان يكتب:
حرب صغيرة وكثير من الخوف
بدأب يحفر بنيامين نتانياهو حول "الحرب القادمة"، كمن يسقي الشجرة الأخيرة في حديقته.
حرب صغيرة، مأمونة، يمكن التحكم بمجرياتها ونتائجها، هو كل ما يحتاجه الآن.
حرب تفتح ممراً للهروب من استحقاقات إقليمية لم يعد الوضع الحالي قادراً على تأجيلها، مثل الحديث عن حل الدولتين مع الفلسطينيين، الحل الذي عليه أن يكون خارج جدول أعمال أي مؤتمر مزمع عقده.
حرب تعيد خلط الأوراق، المختلطة، في المنطقة بحيث تتحول نتائجها والمتغيرات المحسوبة، التي ستنشأ بسببها، الى نقطة التفاوض الرئيسية.
حرب تستطيع شعاراتها أن تعيد توحيد اليمين الإسرائيلي تحت قيادته من جديد، وتزيد في نفس الوقت من إرباك اليسار وتفكيكه.
يمكن دائماً الحديث عن مفاوضات سلام ومؤتمر في الخريف أو الشتاء القادم، وعلاقات أفضل مع دول عربية، وإعادة تفكيك وطرح الأفكار غير القابلة للتحقق، كما يحدث عند كل منعطف، مثل نظرية "أمن 100%" التي ناور حولها شارون سنوات طويلة، يمكن العودة إلى "لا يوجد شريك"، أو "الاعتراف بيهودية الدولة"... الى آخر هذه المناورات.
والأهم، أن يتمكن تحت دخان هذه الحرب من إغلاق ملفات النائب العام ووقف، ولو إلى حين، التحقيقيات التي بدأت تتدحرج بقوة في قضية "غواصات الدولفين" الألمانية، مثلاً، الصفقة التي أوقفها الألمان بسبب روائح الفساد الكثيرة التي صعدت من ملفاتها، وهي التي تطلق عليها الصحافة الاسرائيلية اسم "ملف 3000"، والتي وصلت حد احتجاز "إليعازر ساندبيرغ" الوزير السابق، ومؤخراً اعتقال "شيكا بروش" القائد السابق لوحدة الكوماندوز البحري "شيطت 13".
لم يعد ممكناً الاستمرار في المماطلة وكسب الوقت في موضوع تسليم كشف اتصالاته الهاتفية مع أصحاب الصحف، بينما اكتملت في زاوية أخرى إجراءات توجيه لائحة اتهام لـ "سارة نتانياهو" في قضايا تزوير فواتير ومصاريف مكتب رئيس الوزراء، وجرى استدعاء ابنه الأكبر "يائير" للتحقيق.
لم يعد ممكناً التعمية على موضوع تأثيث البيت على حساب الحكومة، ودفع أخبار فساده وفساد العائلة ومكتبه والدائرة المقربة خارج الأخبار المتداولة، التي لا تتوقف الصحافة عن إثارتها.
لذلك يريد تلك الحرب، لا يهم أين في الجنوب حيث تسيطر حماس على قطاع غزة أو في الشمال حيث توفر إيران وحزب الله أسباباً كافية لضخ الكثير من الخوف، الخوف الضروري جداً في هذه الحالة، لإسكات الصارخين في اليسار والمعارضة، وأولئك الذين يجلسون في ائتلافه، ويدبجون كلاماً في رثائه، ويواصلون تثبيت المسامير في نعشه، ويتهيؤون للقفز على مقعده.
ولكنهم في غرفة الأركان، يثيرون الشكوك حول أنه من الصعب الحصول على حرب بهذه المواصفات "هنا" في الشرق الأوسط، تحديداً في هذه الفترة. ففي الجنوب تحافظ "حماس" على هدوء مثالي وتواصل ترميم علاقاتها مع مصر ومؤخراً أعادت تفعيل اتفاقها مع منظمة التحرير، أما الشمال فسيكون من الصعب تحريك الجيش بعد أن وصل الجميع بأسلحتهم، روسيا وايران وتركيا وأمريكا.
لهذا يبدو الجيش الاسرائيلي صامتاً، على غير عادته، بينما يواصل وزير الحرب "ليبرمان" ورئيس الوزراء، الأخير لم يتجاوز رتبة كابتن، خلال خدمته في القوات الخاصة، ضخ الخوف وتصعيده كلما أضيف بند على جدول الفساد المعلق فوق رأسه. كانت تلك الرتبة، الصغيرة نسبياً، التي تعكس تاريخاً هشاً في الخدمة العسكرية، نقطة ضعفه أمام "أرئيل شارون" و"إيهود باراك"، "كعب أخيل" الذي كانت تنفذ عبره سخرية "شارون". وتهامس المؤسسة العسكرية التي واصلت دفع الجنود من الجيل الثاني نحو قيادة الدولة.
المناورة الكبرى التي امتدت على مدار عشرة أيام، بمشاركة أسلحة البر والجو والبحر، والتي شملت عمليات إجلاء مدنيين، أطلقت بعض الاشارات، حول ماهية هذا التحرك، في حالة حصوله، الذي سيستفيد من تجربة المواجهة مع حزب الله عام 2006 وسيعتمد، حسب محللين إسرائيليين، على "الاندفاع البري دون تردد" حيث سيكون هدفه ضرب القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، وهو هدف أعلنه "نتانياهو" بوضوح في خطابه في الأمم المتحدة هذا الأسبوع، وتحديد حزام أمني في الجولان، إضافة إلى الجدار على الحدود اللبنانية، حيث يسمع سكان مستوطنات الشمال أصوات حفر عميقة تتقدم تحت الأرض.
بموازاة مناورة الجيش، يقود نتانياهو مناورته السياسية، مناورة قائمة على تهميش الصراع مع الفلسطينيين ودفعه خارج جدول أعمال المنطقة، وترويج الخوف، كبضاعة مضمونة، في أوساط المجتمع الاسرائيلي من "الخطر الإيراني" الوشيك الذي وصل الشمال، هذا سيرضي "ترامب" أيضاً، وقد يمنحه مقعداً حول الكعكة السورية
حرب صغيرة، مأمونة، يمكن التحكم بمجرياتها ونتائجها، هو كل ما يحتاجه الآن.
حرب تفتح ممراً للهروب من استحقاقات إقليمية لم يعد الوضع الحالي قادراً على تأجيلها، مثل الحديث عن حل الدولتين مع الفلسطينيين، الحل الذي عليه أن يكون خارج جدول أعمال أي مؤتمر مزمع عقده.
حرب تعيد خلط الأوراق، المختلطة، في المنطقة بحيث تتحول نتائجها والمتغيرات المحسوبة، التي ستنشأ بسببها، الى نقطة التفاوض الرئيسية.
حرب تستطيع شعاراتها أن تعيد توحيد اليمين الإسرائيلي تحت قيادته من جديد، وتزيد في نفس الوقت من إرباك اليسار وتفكيكه.
يمكن دائماً الحديث عن مفاوضات سلام ومؤتمر في الخريف أو الشتاء القادم، وعلاقات أفضل مع دول عربية، وإعادة تفكيك وطرح الأفكار غير القابلة للتحقق، كما يحدث عند كل منعطف، مثل نظرية "أمن 100%" التي ناور حولها شارون سنوات طويلة، يمكن العودة إلى "لا يوجد شريك"، أو "الاعتراف بيهودية الدولة"... الى آخر هذه المناورات.
والأهم، أن يتمكن تحت دخان هذه الحرب من إغلاق ملفات النائب العام ووقف، ولو إلى حين، التحقيقيات التي بدأت تتدحرج بقوة في قضية "غواصات الدولفين" الألمانية، مثلاً، الصفقة التي أوقفها الألمان بسبب روائح الفساد الكثيرة التي صعدت من ملفاتها، وهي التي تطلق عليها الصحافة الاسرائيلية اسم "ملف 3000"، والتي وصلت حد احتجاز "إليعازر ساندبيرغ" الوزير السابق، ومؤخراً اعتقال "شيكا بروش" القائد السابق لوحدة الكوماندوز البحري "شيطت 13".
لم يعد ممكناً الاستمرار في المماطلة وكسب الوقت في موضوع تسليم كشف اتصالاته الهاتفية مع أصحاب الصحف، بينما اكتملت في زاوية أخرى إجراءات توجيه لائحة اتهام لـ "سارة نتانياهو" في قضايا تزوير فواتير ومصاريف مكتب رئيس الوزراء، وجرى استدعاء ابنه الأكبر "يائير" للتحقيق.
لم يعد ممكناً التعمية على موضوع تأثيث البيت على حساب الحكومة، ودفع أخبار فساده وفساد العائلة ومكتبه والدائرة المقربة خارج الأخبار المتداولة، التي لا تتوقف الصحافة عن إثارتها.
لذلك يريد تلك الحرب، لا يهم أين في الجنوب حيث تسيطر حماس على قطاع غزة أو في الشمال حيث توفر إيران وحزب الله أسباباً كافية لضخ الكثير من الخوف، الخوف الضروري جداً في هذه الحالة، لإسكات الصارخين في اليسار والمعارضة، وأولئك الذين يجلسون في ائتلافه، ويدبجون كلاماً في رثائه، ويواصلون تثبيت المسامير في نعشه، ويتهيؤون للقفز على مقعده.
ولكنهم في غرفة الأركان، يثيرون الشكوك حول أنه من الصعب الحصول على حرب بهذه المواصفات "هنا" في الشرق الأوسط، تحديداً في هذه الفترة. ففي الجنوب تحافظ "حماس" على هدوء مثالي وتواصل ترميم علاقاتها مع مصر ومؤخراً أعادت تفعيل اتفاقها مع منظمة التحرير، أما الشمال فسيكون من الصعب تحريك الجيش بعد أن وصل الجميع بأسلحتهم، روسيا وايران وتركيا وأمريكا.
لهذا يبدو الجيش الاسرائيلي صامتاً، على غير عادته، بينما يواصل وزير الحرب "ليبرمان" ورئيس الوزراء، الأخير لم يتجاوز رتبة كابتن، خلال خدمته في القوات الخاصة، ضخ الخوف وتصعيده كلما أضيف بند على جدول الفساد المعلق فوق رأسه. كانت تلك الرتبة، الصغيرة نسبياً، التي تعكس تاريخاً هشاً في الخدمة العسكرية، نقطة ضعفه أمام "أرئيل شارون" و"إيهود باراك"، "كعب أخيل" الذي كانت تنفذ عبره سخرية "شارون". وتهامس المؤسسة العسكرية التي واصلت دفع الجنود من الجيل الثاني نحو قيادة الدولة.
المناورة الكبرى التي امتدت على مدار عشرة أيام، بمشاركة أسلحة البر والجو والبحر، والتي شملت عمليات إجلاء مدنيين، أطلقت بعض الاشارات، حول ماهية هذا التحرك، في حالة حصوله، الذي سيستفيد من تجربة المواجهة مع حزب الله عام 2006 وسيعتمد، حسب محللين إسرائيليين، على "الاندفاع البري دون تردد" حيث سيكون هدفه ضرب القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، وهو هدف أعلنه "نتانياهو" بوضوح في خطابه في الأمم المتحدة هذا الأسبوع، وتحديد حزام أمني في الجولان، إضافة إلى الجدار على الحدود اللبنانية، حيث يسمع سكان مستوطنات الشمال أصوات حفر عميقة تتقدم تحت الأرض.
بموازاة مناورة الجيش، يقود نتانياهو مناورته السياسية، مناورة قائمة على تهميش الصراع مع الفلسطينيين ودفعه خارج جدول أعمال المنطقة، وترويج الخوف، كبضاعة مضمونة، في أوساط المجتمع الاسرائيلي من "الخطر الإيراني" الوشيك الذي وصل الشمال، هذا سيرضي "ترامب" أيضاً، وقد يمنحه مقعداً حول الكعكة السورية