الحوار من أجل الخروج..

ثقافة الإلغاء

لوحة: حسام بلان

مفيد نجم

تجمع النخب الثقافية العربية على ضرورة الانتقال من ثقافة الإلغاء إلى ثقافة الحوار من أجل الخروج من أحادية الرأي والفكر التي أثبتت فشلها في تحقيق نهضة ثقافية قادرة على تغيير الواقع. لكن ما غاب عن وعي هذه النخب أن هذه الثقافة لا يمكن تحقيقها دون استيفاء شروط تحققها مثل الاعتراف بالآخر وحق الاختلاف وهو ما يستدعي خلق ثقافة ديمقراطية تتيح تحقيق هذا الهدف.

 مشكلة الثقافة العربية أنها تهتم بالشعار وتنسى البحث في كيفية نقل الفكرة إلى حقيقة تتجسد في أرض الواقع، ولذلك لم يكن مستغربا تقلص مساحة حضور ثقافة الحوار في حياتنا، على الرغم من الدعوة المستمرة إليها، نظرا لأن تحولا مهما في سلوك ووعي هذه النخب لم يحدث بعد، ما يؤكد عجزها عن مراجعة نقدية لأدوارها الماضية، وإدراك الآثار الفادحة التي خلفتها ثقافة الفكر الواحد على الثقافة وعلى دور المثقف في المجتمع.

والسؤال هنا هو هل هذا الواقع تعبير عن أزمة فكر وخيارات متاحة، أم هو انعكاس لحالة التشظي والضياع التي يعيشها الواقع العربي المأزوم، أو هو خلاصة جميع هذه العوامل؟ ومهما تكن الإجابة عن هذا السؤال فإن هذا الواقع يكشف عن ضعف دور هذه النخب في تجديد أفكارها وآليات عملها، لكي تستعيد دورها الغائب وقبل ذلك دور الثقافة الرائد في المجتمع.

إن مقارنة بسيطة بين ما كان يحدث قبل عقود خلت من سجالات فكرية وأدبية وسياسية وبين واقع الحال تظهر حالة البؤس التي تعيشها هذه الثقافة، خاصة بعد التحديات التي أصبحت تواجهها على المستويين الداخلي والخارجي. وإذا كانت الارتدادات القوية للواقع السياسي العربي الراهن قد أثرت بصورة سلبية على علاقات هذه النخب مع بعضها البعض، وساهمت في تعطيل ثقافة الحوار، فإن تحرير الثقافة من سلطة السياسي والأيديولوجي سيجعلها أكثر قابلية للحوار وأقل إدعاء بامتلاك الحقيقة.

من هنا يمكن لثقافة الحوار أن تنطلق في تكوين حالة جديدة، مستفيدة من واقع الضعف والتشتت الذي تعيشه الثقافة الآن بعد أن انكشفت كل اليقينيات السابقة، وأصبح من الصعب على هذه النخب مواصلة أدوارها السابقة، التي كانت تلعبها في ظل المتغيرات العاصفة التي حدثت في السنوات القليلة الماضية.

لكن هذه الأزمة التي كان يؤمل منها أن تدفع باتجاه تعميق ثقافة الحوار وتطوير مفهومها وتأمين شروط نجاحها، ما زالت عاجزة عن دفع هذه النخب إلى العمل الجاد والواسع لتعزيز فاعلية ثقافة التغيير والتنوير في المجتمع من خلال الانفتاح على الآخر المختلف والاعتراف بالتعددية الفكرية كشرط لخلق واقع ثقافي غني ومتطور.