خيال علمي للمخرج تيم ديزني..

فيلم..كائن نياندرتال يحلّ ضيفا على هذا العالم

كائن غير منتمٍ لأي شيء

طاهر علوان

الإنسان المختلف قدّمته الشاشات الفضية من خلال قصص متعددة، فهو قد يتمظهر بالقوة الجسدية الخارقة التي تتيح له أداء ما لا يستطيع أداءه البشر من أعمال أو عبر قوته الذهنية والاستبصار وطاقة تحريك الأشياء وما إلى ذلك. فهناك من امتلكوا تلك القدرات، لكن بالموازاة مع ذلك، هناك من أسبغوا عليها بعدا خياليا، كان مبالغا فيه في أحيان كثيرة.

في سينما الخيال العلمي كان الإنسان الخارق عنصر جذب لجمهور عريض من المشاهدين الذين يرون في الشخصية المعروضة أمامهم ما يتوقون إليه من قدرات خارقة، وما يجعلهم يستمتعون بما تنجزه تلك الشخصية.

وخلال ذلك ذهب الخيال بعيدا بطرح السؤال الإعجازي: ماذا لو؟ وهذا ما ينطبق على فيلم “ويليام” للمخرج تيم ديزني، “ماذا لو أعدنا الإنسان إلى جذوره الأولى؟”، بمعنى ماذا لو أدمجنا الإنسان الحالي بإنسان الكهف مثلا، أيّ نتيجة سوف نحقّق؟

هذا السؤال وأسئلة أخرى يطرحها البروفيسور جوليان (الممثل وليد زعيتر) على طلبته في الجامعة، مستعرضا الحقب التي تطوّر بموجبها إنسان الكهوف وخاصة إنسان نياندرتال.

ويلتقي جوليان في ذات الولع بعلم الأجناس والجينات الوراثية والإنسان الخارق مع زوجته باربرا (الممثلة ماريا ديزيا). لكن التطوّر يكمن في رؤية ما مختلفة؛ خيال وتمنيات علمية، خلاصتها ماذا لو أنجبنا طفلا بمواصفات كائن نياندرتال (بدائي)، وبالتلقيح الاصطناعي تحمل باربرا بذلك الطفل. ويليام، الكائن القادم من التجارب، ثقيل الوزن، غريب الملامح، وكيفما كان فهو مرتبط عاطفيا بتلك الأم التي بولادته انتهت صلتها به، إلى حد ما، بوصفه فأر تجارب، وهي التي تعتبره كائنا بشريا حرا ومتكاملا، لكن الأمر بالنسبة للبروفيسور جوليان ليس كذلك، إذ أنه يريد استمرار التجارب على ذلك المخلوق.

لعل خيالنا كمشاهدين سوف يحلّق بعيدا، إذا توقّعنا أن ذلك الكائن ذا الجينات المختلطة سوف يعيش حياة تتناسب مع قدراته العقلية وطباعه الخاصة، ولربما يرتكب أفعالا عنيفة، ولربما ينزوي عن العالم الذي من حوله، بل وربما أيضا يترك ذلك العالم برمته، لكن شيئا من ذلك لم يتحقق.

ينفصل الزوجان ويقف ويليام في المنتصف، هو بطيء التعلم والأب يريده نابغة ليؤكد نجاح مشروعه، بينما الأم تحاول دفع الشاب النياندرتالي إلى المضي في حياته.

ولعل مرحلة انفصال الزوجين هي التي كشفت أنانية الزوج وحتى لا مبالاته بشأن الكائن الذي تم إنتاجه في المختبر، وما يعزّز ذلك هو ذهاب ويليام بنفسه إلى رئيسة فريق البحث ليكتشف جذوره الحقيقية من خلال كائن نياندرتال تم تجميده.

وليس مستغربا في السياق الفيلمي الصراع ما بين ما هو إنساني وما هو نفعي، الجامعة ومركز الأبحاث مشغولان بما يمكن أن تثمر عنه تلك التجربة، بينما هنالك معاناة قاسية بين ويليام وأمه في مواجهة والده.

ربما وجد ويليام ضالته في من يصغي إليه ويثق في قدراته من خلال المشاهد التي جمعته بصديقة أبيه، وهي بالنسبة للأب مجرد امرأة تجالس ابنه وتقوم بتعليمه لا أكثر، ولهذا سوف يجد فيها ما يبحث عنه من حنان واهتمام، ولنكتشف في المشهد الأخير أنها قد أنجبت، ولربما كان الطفل الوليد هو ابن النياندرتال أيضا.

الحس الإنساني العميق وتلك الأصداء التي تبعث الألم هي التي تتعلق بويليام في عزلته ومحنة وجوده الخاطئ، إذ أنه يكون قد جاء إلى زمن غير زمنه وإلى مكان ليس مكانه، وحياة ليست حياته.

بالطبع لم يبذل المخرج الكثير بالنسبة لهذا الكائن الغريب سوى تضخيم حاجبيه ودفع جبهته إلى الأمام وتكبير أنفه وكأن هذا هو كل شيء. كما سارت الدراما الفيلمية على وتيرة عزلة كاملة يفرضها وجود ويليام وحيدا، ثم لتدخل صديقة أبيه في مسار حياته ثم يرتبطان بصداقة عميقة.

وفي كل ذلك سوف يكتشف ويليام الخديعة الكبرى في تحوّل حاد للسرد الفيلمي، عندما يدخل قاعة المحاضرات ليجد والده الافتراضي يتحدّث عن غباء كائن نياندرتال وعجزه وأنه سوف يمضي في إجراء التجارب عليه، لينهض ويليام وسط المحاضرة ويفضح البروفيسور، فتنتهي المواجهة بينهما إلى نهاية مأساوية، يسقط البروفيسور أرضا بسبب ضربة من ويليام فيما يفقد الأخير حياته في هجوم للشرطة.

ولعل من التحوّلات المهمة في هذه الدراما تأسيس خط سردي يتعلق بكائن غير منتمٍ لأيّ شيء ولا يكاد يصل إلى الإجابة عن الكثير من الأسئلة، الكائن مختلف، ولكنه ليس ذلك الذي يتمتع بالخارقية، كما نتخيل، إلّا في هامش ضئيل لم يتم التأسيس عليه في المسار الفيلمي.

ومن بين التحوّلات الأخرى في هذه الدراما، تلك التي تبنى على متعة الاكتشاف ومنها ذهاب ويليام وأصدقائه في رحلة وسط الطبيعة وتدخّل شخصيتين؛ رجل وامرأة في وسطهم وكان دخولهما مقنعا، ولكن كان لا بد من البناء على ذلك، إذ ما الجدوى من دخولهما ثم انصرافهما ما لم تكن لذلك وظيفة درامية.

ربما تكمن الإشكالية في بناء الشخصية في السيناريو واتخاذ القصة منحى واقعيا، بينما جذر فكرة الفيلم تتحمل الكثير من الخيال والفانتازيا الذي لم يتم استخدامهما بما فيه الكفاية.