ترجمة..

أخذ النفط أم سحب القوات.. ماذا يفعل دونالد ترامب في سوريا؟

ماذا تفعل الولايات المتحدة بالتحديد في سوريا؟ تعتمد الإجابة على مَن تطرح عليه هذا السؤال.

رؤية الإخبارية

بالنسبة إلى رئيس هيئة الأركان المشتركة "مارك ميلي" وكبار ضباط الجيش, فإن هدف الولايات المتحدة كما كان دائمًا: "هزيمة تنظيم داعش هزيمة نهائية". وفي حوار له مع محطة "إيه بي سي" هذا الأسبوع, حدّد "ميلي" عدد القوات الأمريكية في سوريا بين 500 إلى 600, لكنهم أقل من 1000 بالتأكيد. وقرار الرئيس ترامب بوضع مئات القوات بجانب حقول النفط الشرقية في سوريا هو مجرد تمديد للمهمة الأصلية، ولا يوجد شيء جديد هنا: نحن نواصل مهمتنا.


لكن إذا سألت وزير الدفاع "مارك إسبر" نفس السؤال ستحصل على إجابة مختلفة. فحسب تصريحات إسبر, منع تنظيم الدولة الإسلامية من استعادة السيطرة على حقول النفط هو هدف واحد فقط من قائمة أطول, والتي تشمل ضمان حصول أكراد سوريا على كل الأرباح، ومنع نظام الأسد والروس من دخول المنطقة. وعلى بُعد 250 ميلًا إلى الجنوب, ينفذ بضعة مئات من الجنود الأمريكيين المتممركزين في التنف على طول الحدود العراقية - السورية مهمة مختلفة تمامًا: عرقلة محاولة إيران لإقامة طريق إمداد من العراق إلى لبنان عبر سوريا.

إن مشروع واشنطن في سوريا عبارة عن فوضى مُربكة, في ظل السياسة المشوّهة التي لا ينافسها سوى العملية العشوائية التي تفتقر لخطة واضحة التي استخدمتها إدارة ترامب لوضع السياسة. عليك أن تتعاطف مع الجندي الأمريكي القابع في قلب الصحراء السورية, منتظرًا مجموعة من الأوامر والإجراءات من صُناع السياسة في الوطن.


كل هذا يثير السؤال مجددًا: ماذا تفعل القوات الأمريكية في سوريا؟ ما الأهداف التي توجه الاستراتيجية؟ هل توجد استراتيجية أصلًا؟ وإذا كانت موجودة, ما المقاييس التي ينبغي أن يستخدمها الشعب الأمريكي لتحديد ما إذا كانت الاستراتيجية تنجح أم تفشل؟

إن حقيقة أننا لا نعرف الإجابات بيقين بطريقة أو بأخرى مزعجة بشدة؛ فرسائل إدارة ترامب كانت كثيرة جدًا, لدرجة أن الأمر يبدو كما لو كان البيت الأبيض ينشر الكثير من الرسائل ليرى أي منها سيصدّقه الناس. وفي الوقت نفسه, يصيح ترامب في مؤيديه بأن العم سام يحصد الغنائم, ويسير مستشاروه على طريق محفوف بالمخاطر ويقدمون جميع أشكال الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تحتاج للاحتفاظ بتواجد عسكري لا نهائي في بلد وصفه الرئيس نفسه بأنه "رمال وموت". وينساق الشعب الأمريكي لكي يصدّق أن إدخال مركبات برادلي المقاتلة والأنواع الأخرى من الأسلحة الثقيلة إلى سوريا هو جزء من الخطة لصد تنظيم الدولة الإسلامية, متجاهلًا حقيقة أن الأكراد السوريين كانوا قادرين على الدفاع عن آبار النفط وإدارتها بمفردهم. 

وربما لا يرغب البيت الأبيض في الاعتراف بالأمر صراحة, لكن الحقيقة هي أن واشنطن لم تتخلَّ أبدًا عن حلم استبدال النظام الديكتاتوري الوحشي لبشار الأسد ببديل ديمقراطي حالم موالٍ للغرب، غير أن تحقيق هذا الحلم انهار عندما أثبتت المعارضة السورية المسلحة سريعًا أنها مجموعة من الهواة المعرضين للانقسام بولاءات مشكوك فيها، لكن حلم الإطاحة بالزعيم القوي لا يزال حيًّا حتى يومنا هذا.

ومن الواضح لجميع من راقبوا الصراع السوري على مدار السنوات الثماني الماضية أن نظام الأسد في ضائقة مالية شديدة. وربما تكون دمشق في طريقها لربح الحرب على خصومها المسلحين بأكثر طريقة غير إنسانية ممكنة, لكنها ليست قريبة من ربح السلام.


لقد حوّلت الحرب سوريا بالكامل من دولة عربية فخورة إلى كيان ميؤوس منه سياسيًّا واقتصاديًّا وديموغرافيًّا. ووفقًا للبنك الدولي, خسرت سوريا 12% من متوسط النمو في ناتجها المحلي الإجمالي كل عام في الفترة من 2011 إلى 2018, بخسائر إجمالية تصل إلى 300 مليار دولار. وملايين اللاجئين والنازحين داخليًّا, تقريبًا نصف سكان سوريا, سيكونون محظوظين إذا وجدوا عملًا مؤقتًا في سوق العمل، وسوف تحتاج المدارس لإعادة البناء، والمستشفيات والعيادات ستحتاج لأن تعود إلى الخدمة, وستكون هناك حاجة لإتاحة مجال داخل القوى العاملة لجيل من الشباب السوري لم يعرف شيئًا سوى الصراع. وعلى رأس تكلفة إعادة الإعمار التي قد تصل إلى 400 مليار دولار, يبدأ بشار الأسد وشركاؤه مستقبلًا محبطًا. يحتاج الديكتاتور للمال من أجل تهدئة الأوضاع وتعزيز موقفه وإعادة البناء, وهو يعلم أنه من غير المرجح أن يحصل على الكثير من المساعدة من روسيا وإيران على المدى الطويل؛ لأنهما دولتان لديهما مشاكلهما الاقتصادية الخاصة التي يتعين عليهما معالجتها.

وفي ظل إغلاق حقول النفط الشرقية, سيكون الأسد معتمدًا كليًّا على النقد الروسي والقروض الإيرانية لإنقاذه. وإذا لم تأت تلك المساعدة, لن يكون أمام دمشق خيار سوى الاستعداد لمواجهة الظروف الصعبة على أمل أن تخرج من العِقد المقبل من اليأس الاقتصادي.

ولنكن واضحين حول ما يحدث فعلًا: إن إعادة الانتشار الأمريكي في دير الزور ليس له علاقة باجتثاث بقايا داعش بقدر ما له علاقة بجعل إعادة إعمار سوريا وإعادة تأهيلها مطوّلًا وصعبًا قدر الإمكان. يأمر البيت الأبيض جنوده بالدخول في بيئة خطرة للغاية وقابلة للاشتعال لكي يعبث مع ديكتاتور فشل في الإطاحة به، وكل هذا يحدث دون نقاش وطني في الكابيتول هيل, ناهيك عن تفويض من الكونجرس أو عملية جادة مشتركة بين الوكالات المعنية.

في سوريا, لدينا أسوأ العوالم: استراتيجية غير مدروسة تدور حول سلسلة من أهداف السياسة غير محددة المعالم, ويغلفها عرض محرج لعمل الموظفين وتُروج للشعب الأمريكي على أنها مواصلة للقتال ضد داعش.

ولا شك أن إدارة ترامب تُجمِّل سياسة واشنطن في سوريا، وتأمل ألا نلاحظ سير المهمة المريب أمام أعيننا. وفي النهاية يبقى تساؤل مفتوح حول ما إذا كان الشعب الأمريكي سيصدق تلك المهمة.