ترجمة..

تقرير: ترامب وكوريا الشمالية.. لماذا قد يبدو العام 2020 مثل 2017

اختبارات الصواريخ بعيدة المدى والرؤوس الحربية النووية كدليل على نجاحه

وكالات

تفاخر الرئيس دونالد ترامب بأنه استطاع وحده جلب الزعيم الكوري الشمالي المنعزل "كيم جونج أون" إلى طاولة المفاوضات واستشهد كثيرًا بتوقف اختبارات الصواريخ بعيدة المدى والرؤوس الحربية النووية كدليل على نجاحه، غير أن كوريا الشمالية تقول إنها "خُدعت" من ترامب بسبب غياب التقدم في المفاوضات – وإذا لم يكن هناك تغيير في السياسة الأمريكية بنهاية العام، لن تشعر المملكة المنعزلة بأنها مُلزمة بتعليق اختباراتها.


وبعبارة أخرى، إذا لم يعاود ترامب الانخراط سريعًا مع كوريا الشمالية على الصعيد الدبلوماسي، قد يصبح العام 2020 شبيهًا لأيام "النار والغضب" في 2017 وسوف يطل خطر الحرب المدمرة برأسه مجددًا.

مع ذلك، لا يزال هناك وقت لتجنب التصعيد غير الضروري. يوم الخميس الماضي، أعلن إعلام الدولة الكورية الشمالية أن الولايات المتحدة اقترحت عقد جولة جديدة من المفاوضات العملية في شهر ديسمبر. وتابع وزير الدفاع "مارك إسبر" يوم الجمعة قائلًا: إن الولايات المتحدة ستكون "مرنة" في التدريبات العسكرية المشتركة المستقبلية مع كوريا الجنوبية – وهي تدريبات تعتبرها كوريا الشمالية عدائية – إذا كان هذا يسهّل المسار الدبلوماسي.

وقال إسبر: إن استخدام المناورات المشتركة ليس من أجل الردع فحسب؛ بل أيضًا "لضمان ألا نغلق أي باب قد يسمح بتحقيق تقدم على الجبهة الدبلوماسية". وفي أعقاب القمة التاريخية بين ترامب وكيم في سنغافورة في 2018، بدا أن الجانبين يمضيان قدمًا باتجاه اتفاقية قد تزيد من فرصة السلام بين الجانبين اللذين لا يزالان في حالة حرب نظريًا، غير أن الفرصة الكبرى لتحقيق تقدم كبير فُقدت عندما تدهورت المحادثات في قمة هانوي في وقت مبكر من هذا العام.

وعند التوجه إلى تلك القمة في شهر فبراير، كانت الآمال مرتفعة بأن القائدين سيخرجان من اجتماعاتهما التي استمرت ليومين باتفاقيات رمزية على الأقل تضع الأساس لمزيد من المفاوضات الجوهرية خلال العام. كان أحد مسئولي الحكومة الكورية الجنوبية الذي تحدثت معه في هانوي قبيل اجتماعات اليوم الثاني متحمسًا بشأن احتمال استمرار الزخم بقمة جديدة بين مون وكيم في غضون أسابيع. لكن بدلًا من ذلك، يبدو أن مستشار الأمن القومي حينها جون بولتون أقنع ترامب بالتمسك بتنازل كبير من طرف كيم، وبالتالي خرج خالي الوفاض.

كان كيم غاضبًا من غياب التقدم في هانوي، ولشهور بعدها لم يتواصل مع الولايات المتحدة، كما كان هناك إرجاء صغير في أواخر يونيو عندما التقى ترامب بشكل غير متوقع بكيم في المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل الكوريتين، حينها أخبر كيم المراسلين: "هذا له أهمية كبيرة لأنه يعني أننا نريد وضع حد للماضي غير المحبب ونحاول خلق مستقبل جديد". إلا أن هذه المبادرة أيضًا لم يتبعها إجراء دبلوماسي جوهري واستمر الوضع في التفاقم.

وبدأ كيم التلميح إلى استيائه عن طريق إجراء عدد من اختبارات الصواريخ التكتيكية، بهدف تحفيز ترامب على إعادة المشاركة في المفاوضات. إن بيونج يانج في حاجة ماسة لرفع بعض العقوبات على الأقل وهي مستعدة للمشاركة في دبلوماسية تدريجية مع واشنطن، ولا شك أن الشيء المهم الذي ينبغي على ترامب وكبار مستشاريه إدراكه هو أن السلام مع كوريا الشمالية ممكن، والحد من التهديد الذي يمثّله كيم يمكن بلوغه، غير أنه ليس ممكنًا العودة إلى ولع بولتون بالسعي وراء نزع السلاح النووي بالكامل مقدمًا قبل رفع أية عقوبات. وإذا عاد الدبلوماسيون الأمريكيون إلى المفاوضات وطلبوا أن يفكك كيم ترسانته النووية قبل إزالة أي ضغوط، ستبدأ المحادثات في الانهيار مجددًا، ومن المرجح أن يفي كيم بتهديداته باستئناف اختبارات الصواريخ بعيدة المدى وربما حتى يجري اختبارًا نوويًّا جديدًا فوق سطح الأرض.

ولم يفعل نظام كيم شيئًا خلال السنوات الماضية لم يُشر إليه علنًا قبلها ولا يوجد سبب للاعتقاد بأنه لن ينفذ تهديداته الحالية، لكن يمكن تجنب هذا الوضع باستراتيجية متزنة ورشيدة من واشنطن.

والخبر السار للأمريكيين هو أن الأمن الأمريكي يمكن ضمانه عبر الردع الحالي للدولة. وحتى لو عاد كيم إلى اختبارات استفزازية أكثر، حينها يمكن ردعه بحزم عن إطلاق ما هو أكثر من مجرد صاروخ اختبار لأنه يعرف أنه إذا شن هجومًا فعليًّا على الولايات المتحدة أو اليابان أو كوريا الجنوبية، سيطلق الجيش الأمريكي العنان لضربة مضادة ساحقة ويدمر نظامه على الأرجح، تلك المعرفة ستبقيه في حالة ردع.
ويجب أن يُفهم أن "كيم" يعتبر بقاء النظام أمرًا مهمًا ويرى ترسانته النووية الضامن الوحيد لوجود كوريا الشمالية. وبعبارة أخرى، طلب نزع السلاح النووي بالكامل مسبقًا هو طريق مسدود للمفاوضات.


مع ذلك، يوجد مسار أفضل وأقل خطورة للردع وهو تخفيف عقوبات مستهدفة مقابل إجراءات معينة من جانب بيونج يانج؛ ما يؤدي إلى تقليل التوترات وزيادة في العلاقات ما بين الكوريتين. ولا أحد مهتم بالسعي للسلام أكثر من كوريا الجنوبية، ولا أحد سيستفيد اقتصاديًّا أكثر من كوريا الشمالية.

إن الخطوات التي تؤدي إلى السلام تجعله من غير المرجح أن تضطر الولايات المتحدة لاستعراض قدرتها على تدمير نظام كيم. وفي أفضل سيناريو، سيستغرق الأمر عِقدًا أو أكثر قبل أن تشعر كوريا الشمالية أنها آمنة بما يكفي للتخلي عن السلاح النووي بالكامل. لكن كل خطوة تُتخذ لتقليل التوترات تزيد فرصة تحقيق السلام، ومما لا شك فيه أن هدف أمريكا الأكبر هو تجنب الحرب غير الضرورية مع الحفاظ على حريتها وقدرتها على الازدهار اقتصاديًا.

ويبقى القول في النهاية إن الردع الحاسم، مدعومًا بالدبلوماسية الذكية، يقدّم لأمريكا أفضل فرصة لتحقيق ذلك الهدف.