ولادة صراع بين الأرضيين وأولئك الفضائيين..

فيلم "3022" مهمة علمية لم تحقق أهدافها المستقبلية

وحيدان في الفضاء الفسيح

طاهر علوان

فكرة السفر في الفضاء الخارجي والبحث العلمي الدؤوب عمّا يمكن أن يخفيه من كواكب ومجرات غير مكتشفة دفعت إلى تكرار التجارب الفيلمية في سينما الخيال العلمي بكل ما تحمله في الكثير من الأحيان من صراعات ومفاجآت.

وفي فيلم “3022” للمخرج جون سويتس سوف نعيش تلك الأجواء من خلال رحلة مركبة فضائية مستقبلية من المقرّر أن تمضي عقدا من الزمن وهي في الفضاء الخارجي.

يبدأ الفيلم بمشاهد توديع العائلات لأحبائها الذين التحقوا بتلك المركبة الفضائية على وقع عزف بيانو، حيث تنطلق الأحداث في العام 2190، والهدف هو تأسيس مستعمرة فضائية بشرية هي مستعمرة “أوروبا” الملحقة بالمشتري، وفي الأثناء يستخدم المخرج انتقالات زمانية متعددة وملفتة للنظر، لكن دون أن نعرف الهدف من كثرة استخدامها.

بعد ذلك، سنكتشف أن طاقم المركبة الفضائية يتكون من بضعة أشخاص معدودين يرأسهم جون لين قائد المركبة (الممثل عمر ايبس) مع صديقته جاكي (الممثلة كيت والش).

وبمرور الوقت والعزلة التامة عن الأرض يصاب الكابتن بنوبات ذعر واضطرابات في النوم وميول عدوانية تجاه صديقته، ممّا يدفع طبيب الرحلة إلى التوصية بمنعه من قيادة المركبة حتى يتحسن وضعه.

السجال بين الطبيب والقبطان كان فصلا آخر من فصول الصراع على الرغم من حاجة أحدهما إلى الآخر، إلاّ أنهما كانا قد وصلا إلى طريق مسدود بسبب اتهام أحدهما للآخر.

لكن ما لم يكن في الحسبان أن ذلك الطبيب سوف يكون أول المغادرين في ما يشبه عملية انتحار بتخليه عن المركبة وقراره السباحة في الفضاء لينقطع عن المركبة الفضائية ويتعذّر إنقاذه.

ما يعاب على الفيلم أنه يؤسس لأحداث تقع في الزمن المستقبلي، إلا أن مخرجه اعتمد على أطروحات من الزمن الحاضر

على أن التحوّل الجذري في الدراما يقع بعد اصطدام المركبة الفضائية بجسم ما يتسبّب في حصول إشعاعات يتغيّر بسببها سلوك الطاقم، وتاليا موت إحدى الفضائيات وانتحار الطبيب وبقاء الكابتن وصديقته.

ولعل المفاجأة الأخرى التي غيّرت مسار الأحداث، هي تيقّن طاقم السفينة المتبقي بأن لا أمل في العودة سريعا إلى الأرض ولا بعد انتهاء المهمة، والسبب أن الأرض قد انهارت بسبب حروب شرسة ربما تكون حروبا نووية بين العديد من الدول.

ييأس الكابتن وصديقته من التواصل مع أحبائهما على الأرض ويتيقّنان بأنهما الوحيدان على متن المركبة، وأن لا أمل لهما في العودة إلى الأرض بعد انتهاء المهمة.

لا شك أن هذا الفيلم هو من نوع الأفلام قليلة التكلفة، ومع ذلك فقد سعى المخرج إلى استخدام الحلول البصرية لغرض إقناعنا أننا على متن مركبة فضائية حقيقية متجاوزا عددا من الثغرات التي تظهر في أفلام من هذا النوع.

ومن جهة أخرى، ولإقناعنا أننا في العالم الخارجي الفسيح كانت هناك لقطات تظهر بين الحين والآخر المركبة وهي تسبح في الفضاء الخارجي. ولغرض منح الأحداث بعدا دراميا إضافيا كان لا بد من حبكة ثانوية أو أكثر لبثها في مسار الدراما الفيلمية، ومن ذلك العثور على ناجين من مركبة فضائية أخرى، وبعد استعادة توازنهم يكتشفون أن فرصة البقاء أحياء على متن المركبة لن تدوم طويلا بسبب نفاد المؤن.

الصراع من أجل البقاء سوف يتحوّل إلى هاجس لدى أولئك الناجين باتجاه قتل طاقم المركبة ممثلا في الكابتن وصديقته، وبذلك وقع تحوّل درامي كبير انتقل فيه الفيلم من متابعة يوميات القبطان الروتينية إلى استهداف حياته من قبل الناجين حيث يقع نزاع بالسكاكين ينتهي بإصابة القبطان ثم مقتل المهاجمين تباعا.

الملاحظ أن الأحداث تقع في زمن مستقبلي، ومع ذلك، فإن مجمل الشخصيات كانت تدخن بينما المستقبليات سوف تشهد انتهاء عصر السجائر إلى بدائل أخرى.

وأما من جهة الشخصيات فلم نشهد طابعا دراماتيكيا ولا جماليا في الأداء يشجع المشاهد على المتابعة، إذ بدا أداء الشخصيات أقرب إلى لغة المسرح والاسترسال في الحديث وخاصة جاكي وصديقها الكابتن. ويبدو أن تلك النقطة من الصراع هي أقصى ما توصّل إليه المخرج، وما عدا ذلك فقد تذبذب الإيقاع الفيلمي فاقدا الكثير من عناصر الجذب، وخاصة في تلك المشاهد التي تخصّ القبطان وإظهاره عاجزا ومنكسرا، لاسيما بعد انقطاع الاتصال مع الكوكب الأرضي.

وفي ما يتعلق بالعنصر المكاني فقد لوحظ أن الأحداث بقيت أسيرة المركبة الفضائية فقط، وكتحصيل حاصل زاد الحوار بالتدريج حتى تسيّد على غيره من العناصر وصار محركا للأحداث، ثم لينحدر متحوّلا إلى نوع من الحوار الإذاعي أو المسرحي ممّا أضعف البناء الدرامي بشكل كبير.