تحليلات خاطئة بالجملة..

لماذا فشل الخبراء الديمقراطيون بتوقع التظاهرات الإيرانية؟

محتجون إيرانيون يحرقون العلم الأمريكي

واشنطن

"هل رأى خبراؤنا هذا الأمر قادماً؟" طرح الصحافي لِيال ليبوفيتز سؤاله في مقال نشرته صحيفة "نيويورك بوست" متحدثاً عن أبرز تحد شعبي لاستبداد النظام الإيراني خلال أربعين سنة. فبعد رفع أسعار الوقود بنسبة 50% الشهر الماضي، انتشرت تظاهرات على امتداد كامل الدولة، وقتلت أجهزة الأمن مئات المحتجين كما أغلقت شبكة الإنترنت، وهو مؤشر إلى أن الملالي خافوا من انهيار نظامهم.

 أجاب ليبوفيتز ب "لا" على السؤال الذي طرحه. فمعظم الخبراء كانوا منشغلين جداً بمهاجمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. أمضت صحافة الوجاهة والتغريد السنوات القليلة الماضية وهي تحتج على الرئيس الأمريكي للتخلي عن الاتفاق النووي وتصعيد العقوبات، وهي خطوات كان من شأنها أن توحد الشعب الإيراني خلف حكومته كما ادعت.

لم يكتبوا عن أزمة الشرعية
في فبراير (شباط) الماضي، كتب مراسل نيويورك تايمز في طهران توماس أردبرينك أن الأمة الإيرانية تلتف حول حكومتها: "أتى الإيرانيون بأعداد كبيرة... للسير من شارع الثورة إلى نصب الحرية التذكاري في العاصمة... من أجل تجمع ضخم مدعوم من الدولة للاحتفال بالذكرى الأربعين للثورة الإسلامية." ووصف أردبرينك الإيرانيين وهم يستعرضون دمى لترامب. لكن القارئ لن يحصل على الكثير من المعرفة على أزمة شرعية داخلية لنظام وحشي ستنفجر بعد بضعة أشهر.

تابع ليبوفيتز أن بإمكان المتابعين الاستماع إلى رواية مشابهة على الإذاعة العامة وقد حذر برنامج ذا كونفرسايشن الصيف الماضي من أن عقوبات ترامب ستثبت أنها كارثية. فالإجراءات القاسية بحسب البرنامج نفسه ستدفع الشعب الإيراني إلى التوحد خلف العلم، حيث أن الإيرانيين منتقدون لسياسات حكومتهم الاقتصادية "لكنهم يلومون ترامب أيضاً على المصاعب الناجمة عن العقوبات." أما دايفد برينان من مجلة نيوزويك فتوقع الشهر الماضي أن تضمن معاملة ترامب لإيران "بقاء أمريكا ‘الشيطان الأكبر‘ لسنوات مقبلة".

تحليلات خاطئة بالجملة
صدرت الأفكار نفسها، والمعبّر عنها غالباً بالكلمات نفسها عن محللي واشنطن التقليديين وبوتيرة مقلقة. روج المراسل الديبلوماسي البارز لمجلة فورين بوليسي لاستطلاع رأي أكاديمي في أكتوبر (تشرين الأول) وجد على افتراض دليلاً قاطعاً يظهر أن عقوبات ترامب "زادت العدوانية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة وعززت شعبية المتشددين الإيرانيين".

والسنة الماضية، كتب الباحث في المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية فيليب غوردون والمستشار السابق في إدارة ترامب روبرت مالي في الفورين بوليسي أيضاً مقالاً مشابهاً لكن بازدراء أكبر: "وفقاً لرؤية ترامب، العقوبات شبه سحرية، وأداة متعددة الأهداف... قد تؤدي حتى بالشعب الإيراني، في مواجهة اقتصاد منهار، إلى الانتفاض ونفض النظام الإسلامي. هذه لائحة أمنيات مؤثرة. لكنها أيضاً غير ممكنة على الإطلاق".

وافقت هولي داغرس في مجلة ذي اتلانتيك على هذه الفكرة مشيرة إلى أن سياسة ترامب تسببت ب "نتائج هزيلة". وأضافت أن الضغط الأمريكي الثقيل على طهران خلال الأشهر الأخيرة أدى إلى تعبئة الإيرانيين خلف حكومتهم بما أنهم يواجهون "ما يراه كثر على أنه إمبريالية غربية". وكتب الباحث الزائر في معهد بروكينغز درور ميشمان أن سياسة ترامب سيكون لديها "تأثير هائل على الرئيس الإيراني وستعزز الراديكاليين في إيران الذين يزعمون أنه لا يمكن الوثوق بالغرب".

أين المشكلة؟
يعلق ليبوفيتز على هذه الأمثلة موضحاً أن المشكلة ليست في كون العديد من الخبراء مخطئين، إذ حتى أفضل المفكرين يمكنهم أن يقعوا في الخطأ. تكمن المشكلة في أن جميع هؤلاء الخبراء كانوا مخطئين بالطريقة نفسها وللسبب نفسه تحديداً.

لقد عماهم ازدراؤهم بترامب إلى درجة أنه لم يكن بإمكانهم الإشادة بأي سردية لا تظهر الرئيس الأمريكي على أنه المفتقد للكفاءة. بخلاف ذلك، كان يتعين عليهم القبول بنقطتين بديهيتين: المليارات التي دفعها فريق ترامب أبقت الملالي صامدين وأن فرض ترامب عقوبات قاسية حرم الملالي الموارد التي يحتاجون إليها لمواصلة قمع الشعب الإيراني.

كان الكثير واضحاً أمام أي شخص بذل جهداً للاطلاع على السياسة الإيرانية بجدية. ويتأسف الكاتب لأن الاطلاع يستثني الكثير من المؤسسة الليبيرالية المعنية بشؤون السياسة الخارجية. ويلخص ليبوفيتز الوضع بالإشارة إلى أنه في وقت ينشغل هؤلاء الخبراء بمقاومتهم الخاصة لترامب، تبرز المقاومة الحقيقية داخل إيران نفسها.