كسر الجمود..

تقرير: الوسيط الياباني على طاولة التفاوض بين واشنطن وطهران

طريق مسدود

القاهرة

دفعت الاحتجاجات المتواصلة في إيران، واستمرار تأثير العقوبات الأمريكية بشكل سلبي على الاقتصاد الإيراني؛ نظام الملالي على العودة إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، ولكن هذه المرة من البوابة اليابانية؛ حيث أعلنت مصادر دبلوماسية إيرانية في 8 ديسمبر 2019، أن واشنطن قد أبدت موافقتها على خطة اليابان لاستقبال الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، الذي يخطط لزيارة طوكيو  في 20 ديسمبر من هذا الشهر.

كسر الجمود

ونقلت وكالة الأنباء اليابانية «كيودو» عن المصادر الدبلوماسية، أن واشنطن أرسلت رسالة إلى طوكيو، طالبته فيها باطلاعها على نتائج القمة بين رئيس الوزراء الياباني «شينزو آبي»، والرئيس الإيراني، وبينت المصادر أن يران تسعى لكسر الجمود بشأن الصفقة النووية مع القوى العالمية، ولذلك يقوم المسؤولون اليابانيون والإيرانيون بالترتيب لزيارة «روحاني».

وفي 2 ديسمبر  2019، قام «عباس عراقجي» مساعد الخارجية الايرانية للشؤون السياسية بزيارة إلى طوكيو بصفة مبعوث خاص للرئيس «روحاني»؛ حيث التقى رئيس وزراء اليابان وسلمه رسالة خطية من الرئيس الإيراني، كما أعلن «عراقجي» بأن التمهيدات اللازمة للزيارة المحتملة لـ«روحاني» إلى طوكيو جارية في الوقت الحاضر، وفقًا لوكالة الأنباء الإيرانية «إيسنا».

ويذكر، أنه سبق الزيارة المتوقعة للرئيس الإيراني، زيارة لرئيس الوزارة الياباني حليف ترمب، إيران في يونيو 2019؛ ليصبح أول رئيس وزراء ياباني يفعل ذلك منذ عام 1978، على أمل أن يتمكن من التوسط في الحوار بين طهران وواشنطن.

طريق مسدود

وبعد أن تحدت إيران دول العالم في 7 نوفمبر 2019 واستأنفت تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو النووية، بعدما جمدتها بموجب الاتفاق النووي، بدأت واشنطن تواصل فرض مزيد من العقوبات التي آثرت بشكل سلبي على الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي دفع الحكومة الإيرانية لاتخاذ قرار رفع أسعار البنزين لثلاثة أضعاف؛ لحل أزمتها الاقتصادية، الأمر الذي رفضه الشعب وقام باحتجاجات في العديد من المدن الإيرانية 15 نوفمبر 2019، مطالبًا بإلغاء قرار الحكومة وهو ما قوبل بالرفض، بل تم مواجهه الشعب بالاعتقال والقتل.

ولذلك؛ فإن التوجه الإيراني نحو اليابان في هذا التوقيت تحديدًا، هو محاولة من قبل طهران لحل أزمتها الاقتصادية؛ من أجل تخفيف الضغوط الأمريكية عليها، إذ إن  هذه الزيارة إذا تمت فستكون الأولى لرئيس إيراني منذ «محمد خاتمي» في أكتوبر 2000، ولذلك أشار «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط»، في تحليل له في 21 نوفمبر الماضي، إلى أن إيران وصلت إلى طريق مسدود، وأنها في طريقها للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبين أن ذلك بسبب الاحتجاجات التي شهدتها إيران وقادت الحكومة الإيرانية إلى استخدام كل الوسائل المتاحة؛ لتخفيف العقوبات الأمريكية.

ولكن جاء في هذ التحليل، أنه على الرغم من ذلك، فإن إيران قد تسعى بدلًا من محاولة إطلاق مفاوضات مع واشنطن على الفور إلى تكثيف الضغط أولاً على أمريكا وحلفائها؛ لتحسين موقفها التفاوضي وإجبار الولايات المتحدة على أن تكون على الأقل رسميًّا، أول من يقترح إجراء مفاوضات مباشرة والدعوة إلى محادثات دون شروط مسبقة.

كما أن هناك بعض الرؤي التحليلة، أشارت أن ما تعلنه إيران عن سعيها للمفاوضات هو مجرد «مراوغة إيرانية»، إذ إن إيران لن تقبل أي شروط أمريكية تملى عليها، كما أن واشنطن هي الأخرى لن تقبل بذلك الأمر، ومن ثم فإن السياسة الإيرانية أثبتت أن الطرق الدبلوماسية الناعمة القائمة على الحوار والمفاوضات، وأيضًا فرض العقوبات عليها  لن تجدي نفعًا مع طهران؛ لأن  الهدف الإيراني في النهاية هو امتلاك قدرات عسكرية ونووية تمكنه من السيطرة على دول المنطقة، وتستخدمها أيضًا لتهديد دول الجوار، بل ودول العالم.

أحمد قبال الباحث المتخصص في الشأن الإيراني

البحث عن وسيط

من جانبه، أوضح «أحمد قبال» الباحث المتخصص في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن طهران تبحث عن الوسيط الأكثر تأثيرًا بعد فشل محاولات أوروبية لتمكين إيران من تخطي آثار العقوبات الامريكية، مع التعويل على إمكانية بدء مفاوضات مباشرة مع أمريكا، على غرار تجربة كوريا الشمالية، بالنظر إلى سياسة ترامب ومواقفه المتضاربة أحيانًا.

ولفت «قبال» في تصريح للمرجع، أن اليابان بذلت بالتعاون مع فرنسا؛ جهود حثيثة؛ من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، ورغم أنها لم تكلل بالنجاح في معظمها إلا أنها تمثل المسار الدبلوماسي والدولي الأكثر تأثيرًا إذا أخذنا في الاعتبار مصالح اليابان وعلاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة الامريكية، إضافةً إلى موقف طهران الإيجابي من مساعي طوكيو الأخيرة.

وشدد «قبال»، أن الطرف الإيراني وبعد سنوات من التفاوض مع الغرب وصولًا إلى اتفاق «5+1»، أصبح أكثر خبرة ودراية بالتفاوض وتحقيق أعلى معدلات المنفعة دون تقديم تنازلات كبيرة، لكنه في ظل الواقع الاقتصادي المتردي والانتفاضة الشعبية الناتجة عن اليأس والإحباط الشعبي وانهيار قداسة النظام، لا يجد أفضل من مسار التفاوض من جديد رغم التمسك بمرجعية الاتفاق النووي، وإذا نجحت الجهود اليابانية في الوساطة سيكون أمامها مسار بالغ الصعوبة، ربما يعيد تشكيل العلاقات الإيرانية الأمريكية من جديد وفق أطر ومصالح جديدة، وربما ينتهي بمواقف أكثر تشددًا وعقوبات أكثر تأثيرًا على النظام الإيراني.