إستمرارتفاقم المعاناة..

تقرير: كيف يؤثر المغتربون اليمنيون على اقتصاد واستقرار اليمن؟

المغتربون اليمنيون

منير بن وبر

في عام 1990، كان المغتربون اليمنيون في المملكة العربية السعودية يحوِّلون نحو 3 مليارات دولار سنويًّا إلى أقاربهم في اليمن. في ذلك الوقت، كان اليمن يتلقى أيضًا ملايين الدولارات من المساعدات من دول الخليج، بالإضافة إلى مساعدات الحلفاء الغربيين والولايات المتحدة. كانت تحويلات المغتربين تلك والمساعدات الأجنبية إسهامات أساسية في الاقتصاد اليمني؛ حيث كانت مصدرًا للعملة الأجنبية ومضمِّدًا لآثار الفقر الناجم عن الموارد الشحيحة في البلاد ومعدل البطالة الذي كان آنذاك 35 في المئة.

عند اندلاع حرب الخليج الثانية بين 1990 و1991 كان اليمن من بين مَن عارض تدخُّل القوات الدولية في الأزمة، ودخول قوات التحالف في حرب ضد العراق. وكان نتيجة ذلك أن اعتبر كلٌّ من السعودية والكويت موقف اليمن متحيزًا للعراق، كما باء جميع محاولات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، بالفشل عند محاولته إثبات العكس.

لقد كانت عواقب الموقف اليمني تجاه حرب الخليج كارثية على الاقتصاد اليمني واستقرار البلاد طوال عقد التسعينيات تقريبًا؛ فحتى بُعيد نهاية الحرب قطع معظم دول الخليج مساعداته السنوية وما كان يقدمه من منح وقروض ميسَّرة لليمن. كما تسببت قوانين العمل المُشددة في السعودية في ترك نحو مليون عامل يمني أعمالهم في السعودية وعودتهم إلى اليمن. كما ألغت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مساعداتهم لليمن. كان لهذه التداعيات تأثير كبير على اقتصاد اليمن الجديد، البلد الذي توحَّد للتو في عام 1990، والذي يبلغ معدل الفقر فيه 45 في المئة من إجمالي السكان.

وبعد الهدوء النسبي للأزمة الخليجية الثانية في منتصف التسعينيات، تمكَّن عديد من العمال اليمنيين من العودة إلى المملكة العربية السعودية. بينما التحقت أعداد أخرى بأسواق العمل الأخرى في دول الخليج. حيث تُعتبر المملكة العربية السعودية أكبر، وربما أقدم، وجهات اليمنيين من بين كل دول الخليج؛ إذ يوجد بها نحو مليون يمني، وهو أكبر عدد من العمال اليمنيين في الخارج. كثيرٌ من المهاجرين اليمنيين في السعودية أصبحوا مواطنين سعوديين. وعلى الرغم من حملهم الجنسية السعودية؛ فإن كثيرًا منهم لا يزال يرتبط ارتباطًا قويًّا بموطنه الأم؛ ومن بينهم رجال أعمال وأثرياء.


محمد العمودي هو واحد من أشهر الشخصيات التجارية في المملكة العربية السعودية من أصل يمني؛ وهو من أم إثيوبية وأب يمني من محافظة حضرموت، جنوب اليمن. تم تصنيف العمودي في المرتبة رقم 197 في مؤشر “بلومبرج” للمليارديرات، وتم تقدير ثروته بأكثر من ثمانية مليارات دولار.

اسم آخر مشهور لسعودي ثري من أصل يمني، هو عائلة “بن لادن”. في عام 2009، تم تصنيف عائلة “بن لادن” في المرتبة الخامسة كأغنى أسرة سعودية من قِبَل مجلة “فوربس”. ومثل العمودي، تعود أصول “بن لادن” إلى حضرموت. تضم قائمة السعوديين الأثرياء من أصل يمني، أو بالتحديد من حضرموت، سالم بن محفوظ، مؤسس البنك الأهلي التجاري، أول بنك سعودي خاص. والقائمة تطول.

المليارديرات السعوديون اليمنيون يساهمون بشكل كبير في اقتصاد المملكة العربية السعودية واليمن وحتى الدول الأخرى. على سبيل المثال، يُعد العمودي من أكبر المستثمرين الأجانب في السويد وشمال إفريقيا. كما يشارك هؤلاء المستثمرون ورجال الأعمال في تنفيذ عديد من المشروعات في اليمن؛ مثل مشروعات البنية التحتية. كما أن بعضهم لديه مشروعات استثمارية في اليمن، والبعض الآخر يموِّل عديدًا من مشروعات التنمية في البلاد. يُعد طريق رأس حويرة- عقبة بقشان في حضرموت، أحد الأمثلة الصغيرة جدًّا على هذه الشراكة القيِّمة. يمتد الطريق لنحو 63 كم، وكُلِّف نحو 7 ملايين دولار. تم تمويل الطريق بالكامل من قِبَل عائلة بقشان السعودية- اليمنية، بينما قامت مجموعة “بن لادن” بتنفيذه قبل بضع سنوات.

مشروعات طموحة

يُعد مشروع جسر القرون (Bridge of the Horns) أحد المشروعات الضخمة التي تعطينا فكرة عن مدى استعداد الأثرياء من أصول يمنية للاستثمار في بلدهم الأم. المشروع عبارة عن جسر بطول 29 كم عبر باب المندب. من المُخطط أن يربط الجسر قارتَي آسيا وإفريقيا عبر اليمن وجيبوتي، وقد تم الإعلان عنه في عام 2007 من قِبَل شركة “الشرق الأوسط للتطوير” في دبي، والتي يرأسها طارق بن لادن.

سيحمل جسر القرون ما يصل إلى 100 ألف مركبة يوميًّا، إلى جانب أربعة خطوط سكك حديدية تستوعب ما يصل إلى 50 ألف مسافر يوميًّا، بالإضافة إلى خطوط أنابيب لنقل الغاز والمياه جنبًا إلى جنب مع الجسر. كما سيتم بناء مدينتَين كبيرتَين (الأولى على الجانب الجيبوتي، والثانية على الجانب اليمني). من المتوقع أن تجذب المدينة التي على الجانب الجيبوتي 2.5 مليون نسمة، بينما ستجذب المدينة الثانية على الجانب اليمني 4.5 مليون نسمة. أما المطار الذي سيتم إنشاؤه ضمن المشروع فسيستقطب 100 مليون مسافر سنويًّا؛ ما سيجعله على قائمة أكبر مطارات العالم من حيث حركة المسافرين، حيث إن أحد أهم أهداف المطار هو تسهيل الوصول عبر القارات إلى الحج في مكة. كان من المخطط افتتاح هذا المشروع العملاق خلال هذا العام، إلا أنه تم تأجيل المرحلة الأولى من المشروع في عام 2010؛ بسبب الاضطرابات المستمرة في اليمن.

التحديات والفرص الضائعة

نظرًا لتخلف القطاع المصرفي في اليمن، لم تتمكن الحكومة اليمنية من الاستفادة إلى أقصى حد من تحويلات المغتربين الضخمة؛ حيث يتم تحويل من 70 إلى 85 في المئة من إجمالي تلك التحويلات عبر القنوات غير الرسمية. وتشمل هذه القنوات غير الرسمية شركات الصرافة والمؤسسات الفردية والوكلاء المغتربين. إن تحويل أموال المغتربين عبر القنوات الرسمية؛ مثل البنوك، يمكن أن يحقق فائدة أكبر للدولة ويمكن أن يشجِّع المستفيدين على فتح حسابات بنكية؛ مما يساعد على تعزيز التنمية الاقتصادية.

من جانب آخر، يؤدي تحقيق الاستقرار في اليمن إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر؛ خصوصًا المستثمرين اليمنيين المغتربين أو من أصل يمني. وَفقًا لدراسة يمنية، بلغت استثمارات اليمنيين المغتربين في وطنهم 5 مليارات دولار، ما أتاح نحو 15 ألف فرصة عمل داخل اليمن. يُشير البحث نفسه إلى أن استثمارات المغتربين اليمنيين في الدول الأخرى تُقدَّر بنحو 33 مليار دولار.

إن استقرار اليمن يتأثر بشدة بعلاقاته السياسية والاقتصادية مع دول الخليج؛ ويمكن ملاحظة كيف تسبب انحياز اليمن تجاه العراق في أوائل التسعينيات في أزمة اقتصادية.

من المتوقع أن تلعب دول الخليج؛ خصوصًا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، دورًا مهمًّا في مساعدة اليمن اقتصاديًّا في مرحلة ما بعد الحرب. ومن غير المُستبعد أن يشارك المقاولون السعوديون اليمنيون في تلك المرحلة. على سبيل المثال، هناك تقارير تفيد أن مجموعة “بن لادن” قد وقَّعت مؤخرًا عقدًا مع المملكة العربية السعودية؛ لبناء ميناء نفطي في محافظة المهرة جنوب شرق اليمن.

ولكن، لكي يستفيد اليمن إلى أقصى حد من المساعدات الأجنبية والتحويلات والاستثمارات الأجنبية، فعليه تطوير القطاع المصرفي والبنية التحتية الأساسية، واتخاذ خطوات حازمة لمكافحة الفساد وحماية حقوق الملكية واستقلال القضاء وإنفاذ سيادة القانون، وقبل كل ذلك إدارة البلاد من قِبَل حكومة كفاءات ذات مصداقية عالية