فرنسا ستفعل "كل شيء" لمساعدة لبنان في الخروج من أزمته العميقة..

أزمة لبنان.. تحريك عجلة الاقتصاد المتهاوي وإقناع المتظاهرين

الحكومة لن تحرك ساكنا دون مساعدة دولية

باريس

بعد أزمة سياسية استمرت لأسابيع بات للبنان حكومة جديدة عليها تحريك عجلة الاقتصاد المتهاوي وإقناع المتظاهرين المعارضين للطبقة السياسية. وعلى ضوء هذه المستجدات، تعيد باريس ضبط بوصلتها ضمن موقف يأتي متكاملا مع الموقف الأميركي، الذي على الرغم، من حدته في ما يتعلق بحزب الله والاشتباه بتبعية الحكومة له، ترك الباب مواربا أمام احتمال انخراط الولايات المتحدة في توجيه دعم إلى لبنان وفق الشروط التي تثبت قدرة حكومته على إجراء إصلاحات بنيوية كبرى تستند على الشفافية ووقف الهدر ومكافحة الفساد.

لكن، تعلم باريس أن دعم واشنطن فقط لا يساعد على الخروج بلبنان من عنق الزجاجة. وتعي جيّدا أهمية الدعم الذي تقدّمه دول الخليج العربي، خاصة السعودية، التي دأبت على تمويل الاقتصاد اللبناني الهش غير أن تزايد نفوذ جماعة حزب الله ومن ورائه إيران، أثر سلبا في هذه العلاقة.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد عبر، السبت، عن “رغبته في تطبيق الإصلاحات التي تستجيب لتطلعات الشعب اللبناني”، وذلك خلال محادثة هاتفية مع نظيره اللبناني ميشال عون.

وأعلن قصر الإليزيه أن الرئيس اللبناني “نقل رسالة دعم للبنان، وأكد تمسكه بأمن لبنان ووحدته واستقراره. كما عبر رئيس الجمهورية عن رغبة في تطبيق إصلاحات تلبي طموحات اللبنانيين”.

وكان ماكرون أكد قبل ذلك (الأربعاء) خلال تواجده في القدس أن فرنسا ستفعل “كل شيء” لمساعدة لبنان على الخروج من “الأزمة العميقة” التي تعصف به. وأضاف ماكرون متحدثا إلى جانب نظيره الإسرائيلي رؤوفين ريفلين “سنقوم بكل شيء لمساعدة أصدقائنا اللبنانيين في الأزمة العميقة التي يمرون بها”.

ويرى مراقبون أن فرنسا تلعب دورا مع لبنان غير بعيد عن الدور الذي تلعبه حاليا مع إيران، وأن هذا الدور ليس متناقضا مع الموقف الأميركي بل لطالما كان دورا مساعدا وليس متعارضاً مع سياسة الولايات المتحدة حيال إيران.

ويلفت هؤلاء إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان أول من دعا من بين الدول الأوروبية إلى اعتبار أن الاتفاق النووي لم يعد كافيا وأنه بات لزاما التوصل إلى اتفاق يتعلق ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية وبضبط سلوك طهران المزعزع للاستقرار في المنطقة.

ومع ذلك فإن فرنسا لا زالت تعتمد موقفا وسيطا بين طهران وواشنطن يهدف إلى المحافظة على الاتفاق النووي ودفع طهران للذهاب إلى مفاوضات جديدة مع واشنطن، وأن موقفها اللبناني، لاسيما في العلاقة مع حزب الله، يتسق مع هذا الاتجاه.

وتستغل فرنسا علاقاتها مع إيران والولايات المتحدة كما موقعها داخل الاتحاد الأوروبي للتسويق لسياسة بالنسبة للبنان تعزز حضورها التاريخي في هذا البلد.

وتعتبر أوساط سياسية داخل باريس أن الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها فرنسا لدى الدول المانحة منذ مؤتمر باريس1 حتى مؤتمر سيدر انتهاء باجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان في ديسمبر الماضي، تصبّ في إطار تميز علاقات فرنسا مع لبنان وتمسك باريس بأن تكون العلاقة مع بيروت مدخلا أساسيا من مداخل سياستها في الشرق الأوسط.

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قد أعلن قبل أيام “أن الكرة الآن في الملعب اللبناني، ويجب أن تتخذ الحكومة اللبنانية التدابير الضرورية لإبقاء لبنان على قيد الحياة لأن الوضع صعب للغاية”.

وقال: “سنتخذ موقفا من الحكومة بعد إعلان بيانها الوزاري. لقد حددنا عددا من المطالب الضرورية لتوفير الدعم ويعود إلى السلطات اللبنانية أن تبرهن لنا أنها جاهزة لتنفيذ هذه المطالب. وضعنا على الطاولة كل ما يمكننا أن نقدمه ويعود إلى السلطات اللبنانية أن تبرهن أنها جاهزة للقيام بهذه الإصلاحات”.

وعلى الرغم من قيام ألمانيا وبريطانيا بوضع حزب الله، بجناحيه السياسي والعسكري، على لوائح الإرهاب، إلا أن ماكرون رفض ذلك وبقي متمسكا بالموقف الرسمي الفرنسي لجهة وضع الجناح العسكري للحزب فقط على لوائح الإرهاب.

وترى باريس أن هذا الخيار يجعل انخراطها في لبنان مقبولا من جميع الأطراف، كما يتيح لموفديها وسفيرها في بيروت استمرار التواصل مع حزب الله، كما يوفر لها أرضية صلبة للتعاطي مع الحكومات التي يشارك بها حزب الله، لاسيما تلك المشكلة حديثا برئاسة حسان دياب والتي تنتظر منحها ثقة مجلس النواب لتصبح حكومة فاعلة بإمكان المجتمع الدولي مقاربتها والتعامل معها.

وكان واضحا أن الدبلوماسية الفرنسية تذهب باتجاه تجاوز عقدة حزب الله أو التعايش مع واقعها في الوقت الحالي. فقد سبق لوزير الخارجية الفرنسي، ردا على سؤال عما إذا كانت الحكومة اللبنانية هي حكومة حزب الله، أن قال “لا أريد إصدار حكم حول تشكيل الحكومة اللبنانية… ما ألاحظه أن حسان دياب تمكن من تشكيل حكومة، وسيدلي ببيان وزاري خلال الأيام المقبلة وعندها سأتمكن من معرفة نياته”.

وتضغط باريس في بيروت مباشرة من خلال سفيرها ومن خلال موفديها، لاسيما بيار دوكان المكلف من قبل الرئيس ماكرون بمتابعة ملف “سيدر”، من أجل تنفيذ الحكومة اللبنانية لتعهداتها الإصلاحية التي قطعتها في عهد حكومة سعد الحريري السابقة عقب هذا المؤتمر الذي انعقد في باريس في أبريل 2018.

وترى باريس أنها تملك ما يمكنها من إقناع اللبنانيين بتغيير سلوكيات سابقة والتأقلم مع شروط المجتمع الدولي، خصوصا أن ما صدر عن لودريان بخصوص بقاء لبنان أثار قلقا لدى اللبنانيين كما لدى الدول المعنية بالشأن اللبناني.

وكانت وسائل الإعلام نقلت عن لودريان قوله إن على الحكومة اللبنانية الجديدة، وفور حصولها على ثقة النواب، أن توظف كل إمكاناتها لتطبيق “الإجراءات الإصلاحية التي لا بد منها لبقاء لبنان، تقريبا الوضع صعب لهذه الدرجة”.

وتوقف المحللون كثيرا عند هذا التصريح الذي يعبر من وجهة نظر باريس عن خطر بات يهدد وجود البلد.