مباحثات السلام السودانية..

الجبهة الثورية.. هل ينهي 2020 سنوات الحرب في السودان؟

متى تضمد الجراح

أحمد جمال

وصلت المباحثات الماراثونية التي دامت قرابة ستة أشهر في عاصمة جنوب السودان جوبا بين الحركات المسلحة والسلطة الانتقالية في السودان إلى مراحلها الأخيرة وذلك مع اقتراب الموعد المرتقب لتوقيع اتفاق سلام نهائي في 9 أكتوبر القادم. وحول مستقبل الاتفاق والترتيبات الأمنية بمسار درافور التي ستضمن به، تحدث الهادي إدريس يحيى رئيس الجبهة الثورية السودانية في حوار مع صحيفة العرب الدولية عن أن العام الحالي سينهي مأساة الحرب في السودان، كاشفا إمكانية إرجاء موعد انتهاء مفاوضات السلام سوف يتم الإعلان عنه من قبل لجنة وساطة دولة جنوب السودان، بعد أن تعطلت المباحثات لمدة أسبوع إثر وفاة وزير الدفاع السوداني جمال الدين عمر.

أكد الهادي إدريس يحيى رئيس الجبهة الثورية السودانية أن عام 2020 سيكون آخر سنوات الحرب في السودان، مشيرا إلى استئناف اللقاءات المباشرة مع وفد الحكومة بشأن ملف الترتيبات الأمنية بمسار دارفور ورجح أيضا إرجاء موعد انتهاء مفاوضات السلام المقرر في التاسع من أبريل المقبل.

ووصلت مفاوضات السلام السودانية بين الحركات المسلحة والسلطة الانتقالية إلى مراحلها الأخيرة بعد ستة أشهر من المباحثات المكثفة في عاصمة جنوب السودان (جوبا). وينتظر السودانيون بفارغ الصبر الاتفاق النهائي المزمع توقيعه مع الجبهة الثورية أبريل المقبل، وسط تحركات إقليمية للفت أنظار المجتمع الدولي إلى سلام السودان في أجواء عالمية يطغى عليها انتشار فايروس كورونا على أي من القضايا الإقليمية الساخنة.

وتحدث الهادي إدريس يحيى رئيس الجبهة الثورية السودانية، عن استئناف اللقاءات المباشرة مع وفد الحكومة بشأن ملف الترتيبات الأمنية بمسار دارفور مطلع أبريل المقبل، على أن يعقبها توقيع اتفاق نهائي بشأن مسار المنطقتين خلال الأسبوع الأول من الشهر ذاته، فيما جرى التوافق على تحديد مدة زمنية تصل إلى خمسة أيام لمناقشة قضايا السلام القومية التي سوف تشمل الترتيبات الأمنية ونظام الحكم في الأقاليم والهوية وعلاقة الدين بالدولة.

تأجيل التوقيع

توقع رئيس الجبهة الثورية الذي حضر غالبية جلسات التفاوض وكان شاهدا على مراحل إذابة جليد الفجوة المفقودة بين أبناء الهامش والسلطة المركزية، إرجاء موعد انتهاء مفاوضات السلام المقرر في التاسع من أبريل المقبل إلى وقت لاحق سوف يجري الإعلان عنه من قبل لجنة وساطة دولة جنوب السودان، بعد أن تعطلت المباحثات لمدة أسبوع إثر الوفاة المفاجئة لوزير الدفاع السوداني جمال الدين عمر، الأربعاء الماضي.

وأضاف، عبر الهاتف من محل إقامته في جوبا، أن عام 2020 سوف يكون آخر سنوات الحروب في السودان، وأن الجبهة الثورية تهيأت للتوقيع على اتفاق نهائي في أقرب فرصة، والمفاوضات سوف تستمر مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من فايروس كورونا، لأهمية السلام الذي يدعم استقرار السلطة أمام محاولات إفشالها.

وتوافقت السلطة الانتقالية مع الجبهة الثورية على أن يكون اتفاق السلام النهائي مع مكونات الجبهة التي تضم في عضويتها 9 حركات وتنظيمات سياسية في مناطق الشمال والوسط والشرق وإقليم دارفور والمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، من دون انتظار المسار الثاني الذي تمثله الحركة الشعبية – شمال، جناح عبدالعزيز الحلو، والذي ما زال متمسكا بموافقة الحكومة على مبدأ علمانية الدولة كشرط للدخول في المفاوضات.

فلسفة السلام


يتخوف العديد من السودانيين أن يتسبب توقيع اتفاق السلام مع الجبهة الثورية التي تضم عددا من الفصائل السياسية والعسكرية في وجود عراقيل تهدد إفشال تطبيقه على الأرض خاصة أن الحركات التي تمتلك قوات مسلحة كبيرة على رأسها الحركة الشعبية شمال جناح عبدالعزيز الحلو الذي يسيطر على مرتفعات جبال النوبة في جنوب كردفان، وحركة تحرير السودان، جناح عبدالواحد نور التي تتواجد في دارفور لن تكون حاضرة في الاتفاق.

وأشار الهادي إدريس يحيى، إلى أن فلسفة السلام في السودان ستكون شاملة بمعنى إمكانية دخول أي أطراف أخرى تتوافق مع جاء فيه من بنود، وأن الجبهة الثورية لديها استراتيجية شاملة للسلام تتيح أمام الحركات المسلحة الصغيرة وغيرها من التنظيمات في الأقاليم المختلفة أن تكون جزءا من تنفيذ الاتفاق في فترات لاحقة.

وتدخل الجبهة الثورية المباحثات، وهي تدرك أن الهدف الأساسي من السلام الوصول إلى سودان موحد ومستقر تحديدا على المستوى الأمني في ظل الاختلالات الحالية، ما يجعلها أكثر انفتاحا مع وساطة جنوب السودان لجذب الأطراف الإقليميين.

وحسب كلام رئيس الجبهة الثورية فإن الأمر سيتطلب جهودا وتحركات مكثفة سوف تتزايد وتيرتها خلال الشهر المقبل قبل التوقيع النهائي على الاتفاق، وتبحث وساطة جنوب السودان تدشين مذكرات تفاهم مشتركة مع دول الجوار والأطراف الإقليمية المهتمة بالسلام بالتوازي مع حضورهم عملية التوقيع لتوزيع المهام المختلفة لدعم إنجاح تطبيق بنوده، وأرسلت الجبهة الثورية في المقابل خطابات إلى دول مصر وتشاد وإثيوبيا وإريتريا بجانب دول الخليج والاتحاد الأفريقي في 20 مارس الماضي للمشاركة في مراسم التوقيع النهائي للسلام.

وأضاف إدريس ، أن الخطابات تضمنت الثناء على أدوار تلك الدول في السلام، دعوتهم ليكونوا شهودا على الاتفاق النهائي والمساعدة في التوافق على آلية مشتركة لتنفيذ السلام، خاصة ملف الترتيبات الأمنية الذي يواجه تعقيدات عدة بحاجة لتدخل دولي لحلحلتها.

وأفصح عن الأدوار الإقليمية التي ستلعبها بعض الدول والمنظمات الدولية خلال فترة ما بعد الاتفاق، إذ من المقرر أن تعتمد وساطة جنوب السودان على بعض البلدان لتكون شاهدة على الاتفاق، وأخرى سوف تضمن عملية تنفيذه على الأرض، وثالثة تتولى مسألة تمويل السلام ومساعدة الحكومة الانتقالية في الموارد المالية، بجانب الاعتماد على خبراء المنظمات الدولية في تدريب الحركات المسلحة على تنفيذ الاتفاق.

تبرهن تلك الإجراءات على أن هناك مخاوف محلية ودولية من عدم تثبيت السلام في أعقاب التوقيع عليه، ما انعكس على مطالبات جيريمايا مامابولو الممثل الخاص المشترك لبعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور “يوناميد” أطراف مفاوضات السلام على الاعتراف بخطورة الوضع، والعمل على الوصول إلى اتفاق شامل في أقرب وقت، مع ضرورة أن يشمل السلام بقية الحركات الأخرى.

توافقت السلطة الانتقالية مع الجبهة الثورية على أن يكون اتفاق السلام النهائي مع مكونات الجبهة التي تضم في عضويتها 9 حركات وتنظيمات سياسية 

ويأتي استعداد الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية التوقيع على سلام نهائي بالتزامن مع استعداد قوات “يوناميد” في دارفور للانسحاب من السودان بحلول أكتوبر المقبل بعد سنوات من تقليص أعدادها تحت ضغط الحكومة السودانية السابقة والحكومات الغربية الحريصة على خفض التكاليف، ومقرر أن تغلق البعثة قواعدها الـ14 الأخيرة وتسحب جميع عناصرها.

وعبر إدريس يحيى عن رغبته في بقاء قوات “يوناميد” أطول فترة ممكنة، وأبدى امتعاضه من التوجه الحكومي الساعي إلى الانتقال نحو التواجد السياسي ليكون بديلا للحضور العسكري للأمم المتحدة في السودان، معتبرا أن الخرطوم بحاجة أكبر إلى تواجد المجتمع الدولي بشكل فاعل في فترة ما بعد التوقيع على السلام.

وشدد على ضرورة أن يكون التواجد الأممي تحت البند السادس مرتبطا بالبند السابع الذي يقضي بوجود قوات مسلحة لحماية المدنيين في دارفور والإشراف على مسألة الوقف النهائي لإطلاق النار ومساعدة السلطة الانتقالية والحركات على تسريح بعض القوات والقيام بعمليات الدمج الأخرى في القوات المسلحة، بما يُمكّن منظمات الإغاثة من القيام بعملها، والمساعدة في عودة النازحين واللاجئين لمناطقهم، وإخلاء المواطنين المقيمين بصورة غير شرعية.

تعقيدات المشهد الأمني

يدرك رئيس الجبهة الثورية الذي جرى اختياره بالتوافق بين الفصائل المختلفة في أكتوبر الماضي تعقيدات المشهد الأمني والسياسي في إقليم دارفور بحكم نشأته وتواجده في منطقة شرق جبل مرة، الفاصلة بين شمال وجنوب دارفور، وهو من أوائل الذين انضموا إلى حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، قبل أن يشكل المجلس الانتقالي وينفصل عن الحركة الأم منذ خمس سنوات، ما جعله أكثر حرصا على سد الثقوب التي تؤدي لفشل السلام.

وأفصح، عن تفاصيل سير المفاوضات في هذا المسار حتى الآن التي وصلت إلى ملف الترتيبات الأمنية بعدما أرسلت الجبهة الثورية رؤيتها بشأن هذا الملف في 19 مارس الماضي قبل أن ترد الحكومة الانتقالية عليها في 23 مارس الماضي، والتي توافقت في بعض البنود وأرجأت البعض الآخر لموعد المفاوضات النهائي الذي كان مقررا انطلاقها في 28 مارس الجاري قبل الإعلان عن تأجيل المفاوضات.

وأشار إلى أن الترتيبات الأمنية تنقسم إلى مرحلتين الأولى، ومقرر أن يجري تشكيل وحدات مشتركة من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مع  الحركات المسلحة، وأن تكون هناك مناطق محددة تتواجد فيها تلك القوات. وتابع قائلا “الدخول في تفاهمات مشتركة بشأن إصلاح القطاع الأمني، وإصدار قرارات بعودة المفصولين من أبناء دارفور إلى الخدمة خلال ستة أشهر من توقيع اتفاق السلام، قبل أن تكون هناك عملية ترتيبات شاملة تضمن دمج قادة الحركات المسلحة في جميع المناصب العسكرية، لتشكيل جيش وطني ومهني لحماية السيادة المدنية ويعكس الشخصية السودانية”.

هذا الحركات المسلحة تشترط أن يكون تواجدها بنسبة 40 في المئة بالمجلس صاحب القرار في التحالف الحكومي

ولفت إلى أن الترتيبات الأمنية لمساري دارفور والمنطقتين لا ينفصلان عن مناقشة الملف ذاته ضمن القضايا القومية، ومن المنتظر أن تستغرق مراحل الدمج المختلفة فترة تتراوح ما بين 4 و7 سنوات، وهو أمر سيجري التوافق بشأنه عند مناقشة القضايا القومية، وأن إنجاح تلك المهمة سيكون بحاجة إلى وجود قوات “يوناميد” لتكون طرفا وسيطا ولديه من الخبرة والقوة ما يدفع تحويل الإجراءات النظرية إلى تطبيقات واقعية على الأرض.

سلط رئيس الجبهة الثورية الضوء على جملة من الملفات التي حسمت مع السلطة الانتقالية في مسار دارفور الشائك، إذ جرى التوافق على تقديم تعويضات فردية من قبل الحكومة السودانية وبمساعدة المنظمات الدولية إلى النازحين واللاجئين قيمتها 30 ألف دولار للأسرة الواحدة، مع تقديم تعويضات جماعية قيمتها 500 مليون دولار يتم وضعها في بنك دارفور للتنمية بشكل سنوي لمدة عشر سنوات.

التعويضات والمستوطنون

أكد الهادي، أن الحكومة وافقت بشكل مبدئي على تلك الأرقام لكنها رأت ضرورة العودة إلى وزارة المالية أولا وتوسيع المشاورات مع الجهات المانحة للتأكد من قدرتها على تقديم تلك الأموال، غير أن العديد من خبراء الاقتصاد يرون أن تلك الأرقام من المستحيل تقديمها للآلاف من الأسر المتضررة في وقت يعاني فيه السودان من مشكلات جمة، وأن الأمر مرهون بتمويل الأطراف الإقليمية للاتفاق.

وشدد على أن المفاوضات المقبلة سوف تستهدف إيجاد تعريف واضح لمن يسمون بالمستوطنين الجدد لأراضي دارفور منذ حرب العام 2002، ويتواجدون في مناطق واسعة من دون وجه حق، ومن المقرر رصدهم وإخلاء مناطق تواجدهم، وحاولت المباحثات السابقة إيجاد آليات واضحة لفض الاشتباك بين هؤلاء وأبناء دارفور أصحاب الأراضي الأصليين.

وألمح إلى إمكانية حل هذه المشكلات بشكل قانوني من خلال تشكيل محاكم مختصة بالنظر في أوضاع الأراضي، وتدشين مفوضية الأراضي التي من المقرر أن ترى النور في أعقاب التوقيع على سلام، وتتولى فصل الأراضي وتوزيعها على المواطنين الأصليين مرة أخرى. وتحاول الجبهة الثورية أن تتعامل مع المشكلات التي قد تؤدي إلى اندلاع اشتباكات قبلية بعد أن توقفت العمليات المسلحة منذ وقف العدائيات بشكل مؤقت بفعل إعلان جوبا في أغسطس الماضي، وتسعى إلى إنهاء المشكلات الاجتماعية بين المزارعين والرعاة والعرب وغير العرب الذين تنشب بينهم مناوشات بين الحين والآخر.

وأوضح إدريس يحيى، أن اتفاق السلام سوف ينتج عنه إنشاء مفوضيات خاصة لإنهاء المشكلات القبلية، بالتوازي مع تدشين صناديق لإعمار دارفور بحسب ما نصت عليه ورقة تقاسم الثورة، وتذهب 60 في المئة من إجمالي قيمة الذهب المستخرج من دارفور إلى تنمية الإقليم، فيما تخصص نسبة أخرى يجري التوافق حولها إلى المواطنين أصحاب المصلحة، ويذهب الجزء الآخر إلى المركز وإلى تنمية الأقاليم الأخرى.

وكشف أن أول إجراءات إنهاء النزاعات القبلية سيكون عبر دمج أبناء دارفور بصورة أكبر داخل المؤسسات التعليمية عبر إعفاء جميع طلاب المدارس والجامعات من المصروفات وتحديد “كوتة” نسبة 15 في المئة لدمج أبناء دارفور في الكليات العملية بجامعة الخرطوم.

يأتي استعداد الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية التوقيع على سلام نهائي بالتزامن مع استعداد قوات "يوناميد" في دارفور للانسحاب من السودان بحلول أكتوبر المقبل

وإلى جانب القضايا الاجتماعية فإن الدمج السياسي حضر بقوة في مفاوضات مسار دافور في ظل رغبة الجبهة الثورية في تمثيل 30 في المئة من أبناء دارفور في المجلس التشريعي المقرر تشكيله في التاسع من أبريل المقبل، حسب ما أعلنت قوى الحرية والتغيير مؤخرا، وهو أمر يلقى اعتراضا من باقي المكونات وسط تكهنات باندلاع خلافات سياسية واسعة بين المكون المدني والحركات المسلحة الأيام المقبلة.

ونفى إدريس تفاوض الجبهة الثورية مع تحالف الحرية والتغيير بشأن التمثيل في المجلس التشريعي، قائلا “المفاوضات تجري مع وفد الحكومة الذي عدت قوى الحرية التغيير جزءا منه وفقا لتفاهمات تم التوافق حولها الشهر الماضي، وأن المفاوضات مع المكون المدني تجري حاليا لتمثيل الجبهة في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير”.  وأفصح عن طرح الحركات المسلحة بأن يكون تواجدها بنسبة 40 في المئة من إجمالي تشكيل المجلس صاحب سلطة اتخاذ القرار في التحالف الحكومي، غير أنه شدد على أنهم لم يصلوا إلى توافقات بعد بشأن تلك النسبة.

ولفت إلى أن دمج أبناء الهامش في المؤسسات السياسية والقومية تمثل جوهر المفاوضات حول القضايا القومية، والحركات المسلحة ترى ضرورة تمثيل أعضاء الحركات في الولايات المختلفة والمجلس التشريعي والحكومة الانتقالية بنسب تراعي التمثيل الجغرافي لكل منطقة.

وتوقع، توسيع تشكيل المجلس السيادي ليشمل على 15 عضوا بدلا من وجود 11 عضوا في التشكيل الحالي على أن تكون المناصب الأربعة الإضافية من نصيب الحركات المسلحة التي ستوقع اتفاق سلام مع الحكومة.