التربح من العلاقات السياسية والنزاعات العسكرية..

تقرير: أردوغان وإسرائيل.. تعاون مشترك وعلاقات متأصلة رغم الخلافات

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

شيماء يحيى

لا يكف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مواصلة مراوغته وازدواجيته تجاه ما يخص القضية الفلسطينية، ففي العلن يفتح النار في وجه إسرائيل باللوم والتوبيخ والانتقادات، وفي الخفاء، وعلى النقيض تتواءم العلاقات بين البلدين بشكل سلس، وتتوافق بما يحقق مصالح كل منهما.

كما أن هناك تعاونًا مشتركًا وعلاقات متأصلة رغم الخلافات الفضفاضة بين تركيا وإسرائيل؛ حيث ازدواجية الخطاب والأفعال التركية تعكس الواقع، فالمصالح التركية - الإسرائيلية فوق كل اعتبار؛ إذ إن أنقرة تعتبر شريك تل أبيب الاستراتيجي في كثير من المجالات العسكرية منها والسياسية والتجارية.

 

للاستهلاك المحلي

في إطار لعبة يجيدها الرئيس التركي للفوز بتأييد وكسب ود الشارع، بالتزامن مع سعيه خلف كسب ود الحليف الاستراتيجي لأنقرة - تل أبيب، كانت دومًا تركيا بمثابة الداعم للقضية الفلسطينية، خاصةً أوقات الأزمات والمحطات الانتخابية، مقابل حرصها على توجيه العداء الكلامي لإسرائيل في التجمعات الجماهيرية، على إثرها ينظم حزبه الحاكم «العدالة والتنمية» تظاهرات صورية مستمرة في إسطنبول دعمًا للقضية الفلسطينية، يقابلها احتفال يقام سنويًّا في السفارة الإسرائيلية بأنقرة بذكرى تأسيس الدولة العبرية.

ولا تتورع تركيا عن خدمة إسرائيل على أرض الواقع، في مقابل إشباع الجانب الفلسطيني كلامًا، لكن عمليًّا، لا تقدم تركيا دعمًا يذكر للفلسطينيين، فلا وجود لتركيا بين الدول الـ20 الأكثر دعمًا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

الشراكة بين البلدين

اعترفت تركيا بإسرائيل عام 1949، لتكون بذلك أول دولة ذات غالبية مسلمة، لكن العلاقات التركية - الإسرائيلية التي بدأت في هذا العام، لم تتأثر بتولي حكومة «العدالة والتنمية» مقاليد الحكم في تركيا عام 2002، وعمل الحزب على تعزيز الاتفاقات السابقة مع إسرائيل، وكانت أول زيارة رسمية لأردوغان إلى إسرائيل في عام 2005، باعتباره رئيس الوزراء التركي حينها.

وتعتبر الخطوط الجوية التركية هي ثاني أكبر نقل في إسرائيل، حتى وبعد تأزم العلاقات السياسية بين البلدين، استمرت العلاقة التجارية مزدهرة، ففي أواخر مايو 2020، ولأول مرة منذ 10 سنوات، وصلت طائرة شحن تابعة للخطوط الجوية الإسرائيلية إلى مطار أسطنبول، وقد اعتبره البعض أنه مؤشر لخفض حدة توتر العلاقات بين البلدين.

وقد وصلت الصادرات التركية إلى إسرائيل، خلال عام 2019، إلى 4.1 مليار دولار، بينما بلغت الواردات التركية من إسرائيل في السنة ذاتها 1.7 مليار دولار، فتعد تركيا الخامسة في قائمة أكثر الدول تعاونًا في المجال الاقتصادي مع إسرائيل، أما الدولة العبرية فهي العاشرة بالنسبة إلى تركيا.

وفي عام 2015، وقعت تركيا وإسرائيل اتفاقيات عسكرية وصلت لأكثر من 3 مليارات دولار، فتصنف تركيا ثاني دولة بعد الولايات المتحدة محتضنة أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي، فضلًا عن إرسال أنقرة أكثر من مليون طن أسمنت لإسرائيل عام 2018 لبناء المستوطنات.

التربح من العلاقات السياسية والنزاعات العسكرية

استغل الرئيس التركي أردوغان الأزمات في الشرق الأوسط، ليس لتحقيق مكاسب سياسية فقط، بل لأجل منافعه الشخصية، فسياساته لا يمكن أن تأتي بالنفع على الفلسطينيين، فما هي إلا خدعة مصممة لتمكينه للمحافظة على إبقاء نظامه الفاسد.

فمن الواضح أن الخلافات بين البلدين لم تؤثر على العلاقات والتعاون المشترك بينهم، فالعلاقات التجارية والاقتصادية تختلف عن مناحي العلاقات الأخرى، ففي عام 2009، قام أردوغان بالانسحاب من قمة دافوس بعد أن أظهر على الهواء خلافًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها شمعون بيريز.

ومن مظاهر التوتر الظاهري الذي وقع عقب حادثة سفينة مرمرة التركية في عام 2010، التي أبحرت تجاه غزة وأدى إيقافها من قبل إسرائيل إلى مصرع 9 من الناشطين الأتراك، فهو لم يؤثر أيضًا على التعاون بين البلدين، ونتج عن هذا الخلاف بعد سنوات ما وصف باتفاق المصالحة.

النفعية والتوظيف

وقال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن موقف الرئيس التركي من القضية الفلسطينية، قائم على النفعية والتوظيف لصالح أنقرة من خلال الاستثمار في قطاع غزة تحديدًا، وانتقاد الجانب الإسرائيلي وممارساته في قطاع غزة، وفي ذات الوقت يقيم علاقات جيدة مع الدولة العبرية على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، إضافةً لصعود الميزان التجاري بين تركيا وإسرائيل خلال الأعوام الأخيرة.

وأوضح «فهمي»، أن أردوغان يعتمد استراتيجية نفعية، ويوظف المشهد لحساباته الخاصة، بأن أوجد لنفسه مكانًا في قطاع غزة، عن طريق المشروعات التطوعية، إضافةً إلى منظمة «تيكا» التي تلعب دورًا كبيرًا سياسيًّا واقتصاديًّا وتنمويًّا، مشيرًا إلى تنامي العلاقات التركية مع إسرائيل، ووجود اتصالات ولقاءات على المستوى الاستراتيجي، وانتهجت الإدارة الإسرائيلية نهج تركيا، فاعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن تركيا دولة أوتوقراطية، لكن لا يستطيع الطرفان التخلى عن العلاقات فيما بينهما.

--------------------------

المصدر| المرجع