الأزمة الليبية..

هل يدفع الاعتراف الدولي المتأخر بالخضر إلى شباك الإخوان؟

لم يأت إلا الدمار

الحبيب الأسود

وأخيرا اعترفت بعثة الأمم المتحدة بأن أنصار النظام السابق يمثلون رقما صعبا في المعادلة الليبية، ولا يمكن الاستمرار في تجاهلهم بعد تسع سنوات من الإقصاء الممنهج وفق نموذج الاجتثاث البريمري في العراق، وآخر المعطيات تتحدث عن تشريكهم في حوار جنيف الذي سينطلق في 17 سبتمبر الجاري مبدئيا لمدة عشرة أيام.

رئيسة البعثة بالإنابة، الأميركية ستيفاني وليامز، قالت إن أبرز فجوات اتفاق الصخيرات المبرم في ديسمبر 2015 هو استبعاده أنصار النظام السابق، مؤكدة أنهم مجموعة لديها وجود ملحوظ على الأرض، وهي تدرك أن “التيار الأخضر” والذي يسمى كذلك “التيار الجماهيري” موجود بكثافة في البلاد، وخاصة على صعيد القبائل وفي الطبقات الشعبية، وقد كشف عن بعض قوته خلال التظاهرات التي نظمها الحراك الداعم لترشح سيف الإسلام القذافي في أغسطس الماضي، ثم بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لوصول العقيد معمر القذافي إلى الحكم.

علينا أولا أن نعترف بأن جانبا مهما من الفاعلين حاليا في حكومة الوفاق هم من الأزلام الذين غيروا جلودهم، كذلك الأمر بالنسبة إلى الجيش الوطني الذي يضم أعدادا مهمة من الضباط والعسكريين السابقين الذين انضموا إلى عملية الكرامة ضمن مصالحة فعلية شهدها شرق البلاد، ولكن المنطقة الغربية لم تسع إلى النسج على منواله.

وبالبحث عن الأسباب ندرك أن الوطنية الليبية مهما اختلفت مواقفها وتوجهاتها تبقى واحدة، وقادرة على الانسجام في ما بينها، باستثناء قوى الإسلام السياسي والميليشيات التي تهدف بالأساس إلى الاستئثار بالثروة والسلطة والسلاح تحت منطق المغالبة وبالاعتماد على المحاور الإقليمية والخارجية للتغطية على فشلها في اقتلاع الاعتراف الشعبي.

هنا، يطرح تشريك أنصار النظام السابق في حوار جنيف سؤالا مهما عن هوية ممثليه، وهل هم فعلا من المعبرين عن ثوابته ومواقفه وتوجهاته النابعة من قناعات جماهيره الشعبية، أم يمثلون تيارا من داخله تم تدجينه ضمن المشروع الإخواني لبيع بضاعة الجماعة كما حذر من ذلك آخر ناطق رسمي باسم الحكومة الليبية في العام 2011 موسى إبراهيم؟

خلال العامين الماضيين برزت تحركات في السنغال وتونس وتركيا وإيطاليا وسويسرا قادتها منظمات وجمعيات مرتبطة بالدخيلين التركي والقطري وبجماعة الإخوان لإيجاد نقطة توافق بين الإسلاميين والجماهيريين تحت شعارات استنساخ التجربة التونسية التي أدت دائما إلى أن تأكل حركة النهضة كل من يقترب منها أو يتحالف معها.

ولعل أهم ما يحاول الإخوان كسبه من أي تحالف مع التيار الأخضر هو استغلال الزخم الشعبي الموالي للقذافي لتنظيف صورة الجماعة التي كانت أول من انقلب على النظام السابق وعلى تعهداتها لسيف الإسلام أثناء تجربة “ليبيا الغد”، وأول من نادت بالعزل السياسي عبر المؤتمر الوطني العام الذي كانت تسيطر عليه سيطرة كاملة، ليس بعدد المقاعد وإنما بحجم الأموال التي دفعت لشراء الذمم، فالجماعة التي لا رصيد شعبيا لها، تحاول أن تستظل بأي قوة ذات عمق اجتماعي للاستمرار في التمكن من مفاصل الدولة، وفي الوضع الحالي ليس أمامها إلا أنصار القذافي.

وثاني أهداف الإخوان ومن يقف وراءهم، هو محاولة اقتلاع الجيش من بيئته الشعبية الحاضنة، خصوصا عندما ندرك أن أغلب الموالين للنظام السابق أعلنوا دعمهم للقوات المسلحة ودفعوا بأبنائهم إلى الانضمام إليها والقتال في صفوفها، ولن نأتي بجديد إذا قلنا إن هناك من “الخضر” من تحولوا إلى أبواق موجهة لا هدف لها إلا ضرب معنويات القوات المسلحة وقيادتها والتشكيك في دورها الوطني، والتمسك بأن المشير خليفة حفتر كان معارضا وشارك في حرب الإطاحة بالنظام وفي غزو بعض المناطق تحت طيران الناتو، وهو أمر صحيح في بعض جوانبه، ولكن السياسة لا تعترف بالعواطف والشعارات، وعدو الأمس قد يكون حليف اليوم، خصوصا إذا كانت هناك مصلحة عليا تجمع بين الطرفين.

ومهما كان دور حفتر في 2011، فإنه لا يرتقي إلى دور الإخوان منذ ذلك الوقت وإلى اليوم، وإلى الدور التخريبي لتركيا وقطر، ولا إلى طبيعة مشروع الإسلام السياسي الذي كفّر النظام السابق وأهدر دمه ودفع بفتاوى رموزه إلى اغتيال القذافي وتشريد أتباعه أو الدفع بهم إلى السجون والمعتقلات، ولا يزال إلى اليوم يواصل التآمر على سيادة الدولة ونهب ثرواتها وتمزيق نسيجها الاجتماعي.

أستطيع التأكيد أن حفتر لم تعد له مشكلة مع القذافي ولا مع النظام السابق، ولكن المشكلة في أصحاب العواطف الجياشة ممن كانوا يشترطون تبنيه العلم الأخضر ليقفوا إلى جانبه، وهذا الأمر غير ممكن لاعتبارات عدة، وهي أن الجيش هو الجيش الليبي الذي يفترض أنه جزء من مؤسسات الدولة الحالية المعترف بها دوليا، وعليه أن يلتزم برموزها، وتبنيه للعلم الأخضر يعني انشقاقه وتمرده على الشرعية.

كما أن العقلاء يعلمون أن الراية الخضراء كانت تعبر عقائديا عن طبيعة النظام السياسي القائم آنذاك ولم يعد قائما حاليا، وعندما تتحرك البلاد نهائيا وتستعيد سيادتها كاملة وينتخب شعبها القيادة التي تمثله، يمكن اختيار علم ونشيد رسمي جديد أو الحفاظ على ما هو موجود حاليا أو العودة إلى ما سبق.

إن اعتراف ستيفاني بموقع أنصار النظام السابق ودعوتهم إلى الحوار، ليس بمعزل عن موقف الإدارة الأميركية العائدة بقوة إلى صدارة المشهد الليبي، وعلى الخضر أن يستفيدوا من ذلك ولكن من خارج الحسابات الفئوية أو القبلية أو الشخصية لبعض الأفراد وخاصة أولئك الفاقدين للمصداقية، وأن يوطدوا علاقاتهم بالطرف الأميركي للحصول على دعم بإيجاد مخرج لسيف الإسلام القذافي من شباك المحكمة الجنائية الدولية التي لا تزال مصرة على ملاحقته، خصوصا وأن واشنطن اتخذت خلال الفترة الماضية مواقف حازمة من مدعيتها العامة فاتو بنسودا، المعروفة كسلفها أوكامبو، بالعلاقات المشبوهة مع قطر، في الوقت الذي ينتظر أن تتأكد فيه قريبا براءة ليبيا من قضية لوكربي.

إن أي مراهنة على الإخوان والسراج والقطريين والأتراك وأمراء الحرب وقادة الميليشيات لن تمنح لأنصار النظام السابق شيئا، لذلك يبقى التمسك بالثوابت الوطنية وحده الطريق إلى تحقيق المكاسب الفعلية والحقيقية، أما من يعتقد أنه بالسير وراء صوان والصلابي وبالحاج والمشري وتميم وأردوغان سينتصر لمبادئه، فهو بالتأكيد واهم.