تنمية المصالح المادية مع بلدان خليجية..

هل أصبحت علاقة مسقط مع طهران أقرب إلى العبء السياسي؟

سلطنة عمان وهي تتجّه صوب بلدان الخليج بحثا عن دعم مالي تدرك جيدا أن العلاقة مع طهران

مسقط

تعويل سلطنة عمان على دعم جيرانها الخليجيين لتجاوز المصاعب الاقتصادية التي تواجهها بسبب جائحة كورونا وأزمة أسعار النفط يطرح إشكالية تتعلّق بإمكانية نجاحها في التوفيق بين الاحتفاظ بعلاقاتها الاستثنائية مع إيران، وبين تنمية علاقاتها على أساس من المصالح المادية مع بلدان خليجية أصبحت خلال السنوات الأخيرة صريحة وواضحة في رفضها دعم من يتردّد في الانحياز إلى صفّها ودعم قضاياها بشكل صريح لا لبس فيه.

يتضّح بشكل متزايد توجّه سلطنة عمان نحو الاستعانة ببلدان الخليج في مواجهة الظرف الاقتصادي الصعب الذي فرضته عليها جائحة كورونا التي ترافقت تبعاتها مع تأثيرات انخفاض أسعار النفط، وذلك في ظلّ أسئلة عن التأثيرات السياسية المحتملة لهذا التوجّه، وتحديدا ما يتّصل بالسياسة الخارجية للسلطنة وما تميّزت به على مدى عشريات من الزمن من اختلاف وتفرّد تجسّدا في العلاقة المتينة التي احتفظت بها مسقط مع طهران في مختلف المراحل، وحتى عند اشتداد الصراعات بين إيران وبلدان إقليمية وقوى دولية وبلوغها نقطة القطيعة كما هي الحال في العلاقة بين إيران والسعودية.

وأظهرت نشرةُ إصدارِ سنداتٍ، الاثنين، أن حكومة سلطنة عمان درست طلب دعم مالي من دول خليجية. وقالت النشرة التي اطلعت عليها وكالة رويترز “في حين أن نقاشات بخصوص دعم مالي قد بدأت مع بعض الدول الخليجية الأخرى، فإن تلك النقاشات مازالت في مراحلها الأولى”.

وكان قد تمّ الكشف في أغسطس الماضي عن اختيار الحكومة العمانية الاستعانة ببنك أبوظبي الأول وهو أكبر بنك إماراتي لترتيب قرض تسعى عمان للحصول عليه من الخارج في إطار سعيها لتجاوز مصاعبها المالية.

ويتساءل متابعون للشأن الخليجي إن كانت سلطنة عمان تستطيع مواصلة التوفيق بين تمتين العلاقات مع بلدان الخليج على أساس براغماتي مادي، والاحتفاظ في نفس الوقت بعلاقات قويّة مع إيران على أسس سياسية محضة مترتّبة بالأساس عن إرث السلطان الراحل قابوس بن سعيد وطاقم حكمه وتكوّنت في ظروف ومراحل مختلفة لم تعد قائمة في الوقت الحالي، فضلا عن أن تغييرا بالغ الدلالة قد طال الطاقم الذي عمل إلى جانب السلطان الراحل بعد تسلّم السلطان هيثم بن طارق مقاليد السلطة، وتمثّل في إقالة يوسف بن علوي من منصب وزير الشؤون الخارجية وتعيين بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزيرا للخارجية بدلا عنه.

وكان بن علوي من الوجوه التي طبعت الدبلوماسية العمانية منذ ثمانينات القرن الماضي، واعتبرت إزاحته في المرحلة الحالية اختيارا مدروسا يتضمّن رسالة عمانية إلى الجيران الأقربين بشأن استعداد مسقط لإدخال تغييرات على سياستها الخارجية، دون الإعلان عن حجم تلك التغييرات ومداها.

وتقول مصادر خليجية إنّ سلطنة عمان وهي تتجّه صوب بلدان الخليج بحثا عن دعم مالي في مواجهة الأزمة، تدرك جيّدا أنّ هناك مزاجا خليجيا جديدا يميل إلى الصراحة والوضوح في عدم مجاملة كلّ من يتردّد في الانجياز إلى الصفّ الخليجي في قضاياه، وحتى من يحاول ممارسة لعبة الحياد في الصراعات الدائرة في المنطقة كتلك التي تدور منذ سنوات بين السعودية وإيران من جهة، وبين الرياض وأنقرة من جهة أخرى. ويمكن أخذ علاقة السعودية ببعض الأطراف اللبنانية، كنموذج عملي مجسد لذلك المزاج، حيث باتت الرياض تُحجم عن تقديم المساعدة لشخصيات لطالما تلقت دعمها السخي دون أن تكلّف نفسها قطع علاقتها مع أعداء صريحين للمملكة على رأسهم حزب الله.

كما تدرك مسقط، بحسب ذات المصادر، أنّ العلاقة مع طهران في الوقت الحالي عديمة الجدوى وأقرب إلى العبء السياسي والدبلوماسي بالنظر إلى كثرة الصراعات التي تنخرط فيها إيران إقليميا ودوليا، فيما هي لا تستطيع تقديم أي منافع مادّية ملموسة لحلفائها وأصدقائها بالنظر إلى عمق أزمتها الاقتصادية والمالية الناتجة عن العقوبات الشديدة المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة.

ويؤكّد دبلوماسي خليجي سبق له العمل في سلطنة عمان، أنّ الظروف والأحداث التي هيّأت الأرضية لقيام العلاقة الاستثنائية بين مسقط وطهران، ومن ضمنها الحساسيات بين السلطان الراحل قابوس بن سعيد وبعض القيادات الخليجية، لم تعد قائمة، فضلا عن تراجع الشعور العماني بالاكتفاء وعدم وجود حاجة أكيدة للاستعانة بالجيران الخليجيين في عدّة ملفات، ما أعطى السلطنة هامشا من حرّية الاختلاف في مواقفها والتفرّد في رسم سياساتها الخارجية، بما في ذلك ربط علاقة وثيقة مع إيران التي تسود نظرة سلبية إليها في أغلب بلدان المنطقة.

ويعتبر ذات الدبلوماسي السابق أن التغيير في علاقة عمان بإيران أمر يكاد يكون حتميا بفعل الواقع الجديد في المنطقة والعالم، لكنّه يستدرك بالقول إنّ ذلك لا يعني حدوث قطيعة بين طهران ومسقط متوقّعا أن تلجأ الأخيرة إلى الابتعاد بخطوات محسوبة عن إيران ودفع العلاقة الوثيقة نحو مدار “الصداقة” الباردة، دون أن يكون لدى طهران ترف رفض هذا النوع من العلاقة مخافة أن تخسر سلطنة عمان بشكل كامل لمصلحها ألدّ خصومها في المنطقة.

------------------------

المصدر| العرب