قطر تحضر البديل والمؤتمر يسعى لقطع الطريق..

تحليل: هادي.. رئيس بولاية منتهية عقبة امام حل وشيك لأزمة الجنوب

الرئيس اليمني المؤقت عبدربه منصور هاديومستشاره أحمد عبيد بن دغر - ارشيف

القسم السياسي

تعثرت مجددا جهود المملكة العربية السعودية في التوصل الى تسوية سياسية بشأن أزمة الجنوب، التي نشبت على خلفية محاولة حكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، الانقلاب على الجنوبيين، شركاء الحرب ضد الحوثيين، والذين عمدت حكومته على اقصائهم في الـ27 من أبريل (نيسان) العامين 2017م، والذي صادف اعلان نظام صنعاء في العام 1994م، الحرب الأولى على الجنوب، والتي كان هادي وحلفاؤه (الآن) جزء من النظام اليمني حينها.

وبدأت أزمة إدارة هادي مع الجنوب، بعد التحرير حيث حاول حلفاء الرئيس المنتهية ولايته، اقصاء الجنوبيين بدءا بمحاولة تصفيتهم على غرار تصفية محافظ عدن الأسبق جعفر محمد سعد، والذي اغتيل في تفجير إرهابي، اشارت الاتهامات إلى جماعة الإخوان التي كان أحد قادة الجماعة محافظا للعاصمة الجنوبية قبل جعفر.

وتعرض محافظ عدن عيدروس الزبيدي ومدير الأمن شلال علي شائع لعدة محاولات اغتيال وتفجيرات استهدفت منازلهما، وقد عبرت عمليات الاستهداف تلك عن رفض حكومة هادي "لأي دور للجنوبيين في إدارة مدنهم المحررة من ميليشيات الحوثي الموالية لإيران".

وتطور الأمر الى ان قام هادي في الـ27 من ابريل (نيسان) 2017م، وهو اليوم الذي كان الجنوبيون يستعدون للخروج تنديدا بذكرى اعلان الحرب الأولى على بلادهم، حيث أصدر هادي قرارا جمهوريا عند الساعات الأولى من فجر ذلك اليوم قضى بإقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي، وتعيين بدلا عنه عبدالعزيز المفلحي، على أمل تفجير صراعا بين الضالع ويافع.

وتسلم المفلحي قيادة السلطة المحلية في عدن، والتي شهدت أكبر عملية فساد مالي، حيث نهبت حكومة أحمد عبيد بن دغر، خمسة مليار ريال يمني من إيرادات العاصمة، لتمويل أطراف سياسية وإعلامية مناوئة للجنوب، الأمر الذي دفع المفلحي الى تقديم استقالته مقرونة بأدلة تثبت تورط بن دغر في نهب المالي العام.

ولم تكتف حكومة هادي، بذلك بل شرعت في استخدام العديد من الأوراق من بينها "الكهرباء والمياه والمشتقات النفطية"، وهي خدمات أساسية وظفها نائب مدير مكتب الرئيس اليمني، في حربه ضد الجنوب، بغية احداث حالة ارباك وافشال مساعي المجلس الانتقالي الجنوبي السياسية، والتي كانت في البداية اشراك الجنوب في مفاوضات قادتها حكومة هادي مع الحوثيين الموالين لإيران، والذين اطاحوا بالرئيس وحكومته في انقلاب الـ21 من سبتمبر (أيلول) العام 2014م.

 وتطور الصراع الجنوبي اليمني إلى الاشتباكات المسلحة، حيث حاولت قوات عسكرية محسوبة على نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر وكانت تقاتل في الحدود السعودية اليمنية، السيطرة على مطار عدن الدولي، الا ان تلك المساعي فشلت بتصدي قوات الحزام الأمني لتلك المحاولة.

ومنذ ذلك الحين لم تستقر الأوضاع في عدن، فقد استهدفت تنظيمات مفترضة من القاعدة وداعش، قيادات عسكرية وأمنية محسوبة على المجلس الانتقالي، الذي تشكل لاحقاً، قبل ان يصل الأمر الى استهداف قائد قوات الحزام الأمني العميد منير اليافعي في العام 2019م.

وقد وجهت الاتهامات للحوثيين الموالين لإيران وأذرع عسكرية موالية للإخوان في عدن.

وقد تزامن استهداف عرض عسكري غربي عدن، مع تفجير إرهابي في شرطة محلية بالشيخ عثمان، وفقا لتصريحات أدلى بها نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك، فأن استهداف العرض العسكري في صلاح الدين، والتفجير الإرهابي في الشيخ عثمان، كان مخططا الهدف منه نشر قوات موالية للإخوان في عدن، بدعوى حفظ الأمن.

وعلى الرغم من تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في الدفع نحو تسوية سياسية في الجنوب، الا ان موالين لهادي، سارعوا الى خلق تحالفات مع الاتراك، وأبرزهم أحمد الميسري وزير الداخلية الذي دشن في منذ تسلمه حقيبة الداخلية إلى ابرام عقد شراكة مع انقرة، لتدريب القوات الأمنية، قبل ان تتولى زيارات الاتراك الى عدن، وهي الزيارة التي اثارت غضبا واسعاً في أوساط الجنوبيين، الذين عبروا عن رفضهم لما اسموه "شرعنة مشروع الخلافة العثمانية"، من خلال تزايد أنشطة الاستخبارات التركية.

وقد نجحت أنقرة في اسقاط شبوة لمصلحة النفوذ الإخواني، قبل ان تشرع في إنشاء قاعدة عسكرية سرية في ميناء قنا البحري، وهو ما عزز من الوجود التركي، مستغلا حالة الانقسام المفتعل في حكومة هادي، "حمائم ترفع شعار الولاء للتحالف العربي، وصقور تدين بالولاء لمشروع تحالف قطر وإيران وتركيا.

خلال الأسابيع الماضية، تحدثت وسائل إعلام محلية عن أن انفراجا وشيكا للأزمة بين حكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي والجنوب الذي يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي، فيما ذكرت أخرى ان وزراء في حكومة التصريف يلوحون بالفرار صوب صنعاء ان استثنوا من تشكيل حكومة المناصفة بين الشمال اليمني والجنوب، أبرزهم وزير الإعلام معمر الارياني.

وقالت وسائل إعلام محلية نقلا عن مصادر سياسية، زعمها ان "تشكيل حكومة المناصفة في غضون أيام قليلة، في شهر أكتوبر الذي انقضى دون أي مؤشر على نهاية قريبة للأزمة"؛ الإعلان عن تشكل حكومة يمنية اذا كان سوف يؤكد ويعزز من نجاح المملكة العربية السعودية التي تقود تحالفا عربيا لمحاربة المد الإيراني والتدخلات القطرية، ويثبت جديتها في حلحلة الأزمة التي نشبت على إثر محاولة أذرع الدوحة (تنظيم الإخوان) اسقاط الجنوب لمصلحة نفوذ تحالف يضم إلى جانب قطر (إيران وتركيا).

لكن على الأرجح، يظل هادي العقبة الرئيس امام هذه الجهود، فعلى الرغم من ان الرياض تدفع نحو حل الازمة مع الجنوب والتوجه صوب الحوثيين، خرج مستشار الرئيس اليمني، احمد عبيد بن دغر، مفتعلا مشكلة في داخل حزب المؤتمر الشعبي العام، أكبر الأحزاب اليمنية، بعد ان خيرهم بين التحالف مع الإخوان، او التخلي عن الوحدة اليمنية، مقدما تصور على ان المشكلة مع الجنوب الذي يطالب بالاستقلال، وليست مع الحوثيين، الذين زعم بن دغر ان الذي يؤخر هزيمتهم هو عدم تحالف المؤتمر مع الإخوان.

هذه المساعي، سارع حزب المؤتمر الشعبي العام إلى اعلان موقف رافض لتوجهات بن دغر، واقر انه سيظل حزبا يمنيا بعيدا عن اي محاولة تكرار تجربة ما عرف باحزاب اللقاء المشترك، التي قضت على الحزب الاشتراكي، وقسمته إلى كنتونات صغيرة بعضها ذهب مستضعفا للتحالف مع الإخوان وأخر مع الحوثيين وجزء فضل الانزولاء بعيدا عن المشهد السياسي، يراقب بصمت ما تؤل إليه الأوضاع العسكرية والسياسية.

يطمح بن دغر بشكل واضح في الوصول الى الرئاسة اليمنية، فهو دائما ما يدعو الحوثيين للسلام، ويقدم نحو عبارات مشجعة مبررا ان الرئيس القادم لليمن يجب ان يكون من الجنوب ومن حضرموت تحديداً.

يحارب هادي بن دغر من خلال الإبقاء على المشاكل والأزمات التي يرى الرئيس المنتهية ولايته في 2014م، ان دفع الحوثيين للتسوية السياسية، يعني التخلي عن الرئاسة، وهو ما جعله يكثف جهوده على الجنوب، معتقد ان سيطرته على عدن، قد يجعله يناور بذلك سياسياً، لتحقيق بعض المكاسب ولو كانت عن طريق نجله جلال الذي استغل الأموال المقدمة من الدول المانحة في الاستثمار بها خارج البلد، ليس لأنه لا يطمح في أي مستقبل سياسي، ولكن يرى ان هذه مرحلة مهمة للثراء.

يوهم الإخوان حلفاء هادي، والمتحكمون في القرار الرئاسة ان السيطرة على الجنوب وابعاد المجلس الانتقالي الجنوبي، سوف يبقيه رئيسا، فيما إذا قرر المجتمعان الإقليمي والدولي، نهاية وشيكة للحرب مع الحوثيين الموالين لإيران في شمال اليمن.

وخلافا لذلك، تدفع قطر وعبر أذرعها اليمنية بأحمد عبيد بن دغر كرئيس بديل لهادي، ويحتفظ أحمد بن دغر بعلاقة وثيقة بالدوحة، الفضل لحميد الأحمر التاجر الإخواني النافذ، حيث لم يسجل أي موقف مناهض لرئيس الحكومة اليمنية السابق، الذي شهدت في عهده الأزمة الخليجية والعربية مع قطر المتورطة بدعم الحوثيين والتنظيمات الإرهابية، خرجت حكومة هادي بموقفين الأول مندد بالهجمة على قطر والأخر مؤيد لقرار المقاطعة وان كانت تراجعت عن الموقف الأول بحذف بيان "حكومة بن دغر من وكالة سبأ الرسمية"، لكن بن دغر ظل محتفظا بعلاقته الوثيقة بالدوحة التي يرى انها قد تلعب دورا مهما في وصوله إلى سدة الحكم، بل انها ترى انه البديل الأنسب "رجل مطيع ويمكن ان يخدم الاجندة دون اعتراض، فطموحه ان يكون رئيساً، ولو كلف ذلك حربا أخرى، كالتي تبقي هادي رئيسا، على الرغم من ان فترة حكمه قد انقضت قبل أكثر ست سنوات.

من الصعب ان يسمح الجنوب او المجتمع الإقليمي، وخاصة الإمارات ومصر والبحرين، وربما السعودية في ان تتمكن حكومة هادي في السيطرة على باب المندب وخليج عدن وشريط البحر العربي، المسألة قد تبدو مستحيلة، فالحرب التي دخلها عامها السابق خلال الأشهر القادمة، يجب ان تكون لها نهاية بما يضمن المصلحة الإقليمية والدولية، وهي بكل تأكيد تقضي ابتعاد إيران وقطر وتركيا، عن محاولة زعزعة أمن واستقرار بمحاولاتها السيطرة على عدن وباب المندب وخليج عدن.

ولكن قبل ذلك يحتاج الإقليم الى موقف شجاع يدفع نحو نهاية حقبة الرئيس اليمني المنتهية ولايته، وان يعاد تشكيل البلد وفق المشاريع السياسية الواضحة، فالمماطلة والتسويف قد تكلف الكثير، خاصة في ظل تزايد أنشطة استخباراتية للأطراف المعادية للتحالف العربي، وتمددها إلى عدن.

ونهاية الحقبة تقضي بان يمضي الجميع في تنفيذ بنود اتفاقية الرياض، وان يمنح التحالف هادي فرصة أخيرة في اخراج قوات الإخوان من شبوة ووادي حضرموت والمهرة، والدفع بها صوب صنعاء لمحاربة الحوثيين، او استئناف المفاوضات مع الحوثيين والتوصل الى تسوية سياسية، شريطة ان يكون الجنوب ممثلا رئيسيا فيها وبما يضمن بقاء الجنوب بعيدا عن مطامع أذرع قطر وتركيا وايران.

---------------------------
- قسم الرصد والتحليل في صحيفة اليوم الثامن