مسلسل درامي يعرض على  بعض الفضائيات العربية..

“القاهرة كابول”.. وجبة دسمة من الفكر والمتعة والجمال الجارح 

مسلسل القاهرة كابول

هشام بن الشاوي

هذه ليست ورقة، مجرد انطباعات مشاهد  - مجرد مشاهد- عن مسلسل درامي، يعرض حاليا على  بعض الفضائيات العربية، وهروبا من الإعلانات، آثرت أن أكون  آخر من يشاهد الحلقات على الإنترنت، علما أنني اعتزلت متابعة الدراما منذ رحيل الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، وتفاقم الوضع بعد غياب وحيد حامد، علما أنني - كما كتبت في  مقال القدس العربي-  لم أكن متحمسا لمتابعة  مسلسله المثير للجدل " الجماعة"، لأن هذا المسلسل حرمنا  من نتاجه الدرامي المتميز...  لكن وجود هذه الثلة الرائعة من الفنانين في مسلسل "القاهرة كابول"، ولأنني أثق في قدرات الكاتب والروائي كمال عبد الرحيم، قررت متابعة حلقات هذا العمل الدرامي الشيق.

هذه بعض الانطباعات العابرة التي كتبتها على حسابي في تويتر، حول بعض المشاهد التي راقتني في المسلسل.

على ضفاف الشعر، المشاعر، الفن.. وبحضور الفنانة الرقيقة حنان مطاوع، قضينا وقتا ممتعا، لطيفا.. استعرنا بعض الشجن  الشفيف لواقعنا المعاش، الموغل في نثريته الفجة.

كانت مفاجأة مذهلة أن تكون منال، هي ملهمة  الشاعر الخجول، وابنة خاله، التي يعتبرها أجنبية... والتي لا يحق له التحديق فيها إلا بعد أن تصير  حليلته، علما أنه لا يفرق بين "لما"، و "لو"... هذه الأخيرة التي بتعريف فناننا الجميل نبيل الحلفاوي  (القبطان ) تفتح عمل الشيطان!

المشهد الأخير  في الحلقة الثانية كان إنسانيا... لكن هل تم اغتيال المخرج (أحمد رزق) بسبب موقفه من التطرف  الديني أم أن المقصود كان هو العميد،  الذي استعار قبعته، فجاء موته فداء لتلك الصداقة القديمة، البريئة في زمن غير بريء..؟

بالنسبة إلى الموسيقى التصويرية المصاحبة لمشهد اغتيال المخرج خذلنتني كثيرا..  المشهد كان  في حاجة ماسة  إلى لمسة سحر، إلى بعض روح ياسر عبد الرحمن أو محمود سرور... بكاء الكمان يليق بمثل هذه المشاهد، بدل إيقاع تنذيري...بدت  معه الموسيقى  شبه باردة، مثل جثة غريبة ملقاة على قارعة الطريق !

 

خصصت الحلقة   الثالثة  للحديث عن "سلالم الشر"، التي يحاولون ارتقاءها من أجل الظفر  بغنيمة ما،  نعم غنيمة؛  الحياة صارت مثل الحرب.. عالم من الخدع الدنيئة، وحده الموت يعري حقيقتنا.. هناك من لا يهمه سوى كسب المزيد ، المزيد  من الغنائم، ولو تاجر  بموت صديقه، من أجل مجد إعلامي إضافي !  أو يقتل صهره، لأنه يقف حجر عثرة في سبيل طموحه.. هذا هو دور الدراما، إنها  ليست تجميع  نشرات الأخبار، التي تتحدث عن موت مخرج بكل برود ، ولا يهمها ما بعد هذا الموت، الذي يدمر حياة أسرة ، يشرد  أيتاما...!

ولا يفوتني التنويه بقفزات الكاميرا  بين مأتمين في سلاسة، مشهد الأب الذي يتابع الأخبار  بلا صوت، ومشهد البداية الخلاب.. الأشجار  عارية الأغصان، و أشعة الشمس الخريفية، وهي تداعب الإسفلت في حنو، سرعان ما سينفجر في  مشهد المكالمة الهاتفية...

وكانت فنانتنا الرقيقة حنان مطاوع  درة عقد  هذه الحلقة في مشهدين، مشهد الفصل وهي تعرف اللغة العربية، وطبعا،  لست في إعادة الإشارة إلى أن عبد الرحيم كمال، يجعلنا نصافح  أرواح كتاب كبار نحبهم.. في الكثير من المشاهد، التي تحرضنا على التفكير، والكفر  بكل المسلمات، إنه يكتب دراما تسمو بالوعي والذائقة.

مشهد الإجابات المقتضبة، المتقطعة، المتمهلة جعلتنا نتذوق قطرات الحزن، الذي يعشش في روح عاشقة،  اختارت أن تبقى رهينة عواطف قد تخذلها، مثلما تخذلنا الأشياء الجميلة دائما. حنان مطاوع علمتنا أن نتفادى  الأحكام  المسبقة، أن نمحو من قواميسنا اليومية كلمة: عانس!

الحلقة  الرابعة.. حلقة صراع بين القلب والعقل!

سأحاول  التغاضي عن كل هذه النقاشات الفكرية، رغم أنها قدمت بشكل سلس، ناعم وراق، أولا لأن الحيز لا يتسع، و أيضا من الصعب الحكم مسبقا على أية أطروحة أو إشكالية...

في  هذه الحلقة  شاهدنا مباريات ثنائية  على  ملعب المشاعر، بين العميد عادل وأخيه،  وعم حسن وابنته منال التي جسدت دورها الرقيقة حنان مطاوع، ولا أعرف  لماذا  تخطر في بالي   الآن الفنانة  الشجية  الجميلة نيلي.. أعتقد أن ثمة خيط رفيع بينهما، فما أحوجنا إلى فنانة رقيقة شجية تنتشلنا من هذا الكم الهائل من المتطفلات على الفن!

افتقدت خالد الصاوي - الذي نعرفه-  في الحلقات الثلاث السابقة، لكن في هذه الحلقة استعدنا ذلك الفنان المحبوب؛ غول تمثيل في المشاهد الوجدانية،  يلغي وجود الممثل المقابل له!

الجميل نبيل الحلفاوي، الذي كلما شاهدته.. تذكرت سائر أدواره في دراما عكاشة، وكلها أدوار محفورة في الوجدان العربي.. من يستطيع أن ينسى دور الصعيدي رفاعي  في "زيزينيا"، أو دور الصديق الغامض في "كناريا وشركاه"، أو الطبيب المثالي رأفت في "الحب وأشياء أخرى".. وفي "تحت الملاحظة"؟!

ارحمونا من كل هذا الحنين القاسي...

من الأقوال  البديعة التي ستبقى عالقة في ذاكرة المشاهد مثل حكم، تعريفات عم حسن لبعض مفردات الحياة اليومية:"الهداية درجات.."، "الأكل عبادة.."!

شكرا عبد الرحيم كمال، لأنك تتيح لي فسحة صغيرة للكتابة، في شهر  الكسل بامتياز  عند الكتاب والمبدعين، حتى القراءة فيه تغدو عملا شاقا.

تحية لكل صناع هذا الجمال الباذخ، الشجي، المحرض، الجارح....

 

"القاهرة كابول" بطولة: فتحي عبدالوهاب، طارق لطفي، خالد الصاوي، حنان مطاوع، نبيل الحلفاوي، تأليف عبدالرحيم كمال، إخراج حسام علي.