قصة قصيرة..

مأساة ارملة

مأساة أرملة

أحمد الجعشاني

البيت غرفة واحدة ..

الضوء ينبعث من سراج واحد ..

 يكاد يضئ  مساحة الغرفة  ..

 و صمت لا يعلوه  سوى الصمت  ..

خمسة  اجساد خاويه ، تتلوى على فراش في الارض نايمين ، مثل قناديل متوهجة ، يندفع  الهواء نقيا من النافذة  من ريح البحر البارده ، وهي تتوسطهم بجسدها الفارع النحيل ، مثل شجرة ذابلة هوت بها الرياح مسجية ، تحت ثوبها الاسود وطرحة سوداء يلف سواد شعرها ، الذي لم تعد  تغسله منذو وفاة زوجها ، وعينان غارقتان تحتهما ظلال بقع سوداء  بوجه شاحب اصفر  من أثار  الحزن ، كان الصمت ولاشئ غير الصمت ، يحرسها بين هذه الجدران الاربعة ..

 

كانا يعيشان ، في هذه الغرفة الصغيرة ، وكل شئ حدث  ويحدث بسرعة ، وهو كما يحدث انه الحب ، وكما قالت صباح في اغنيتها  البساطه ، البساطة في كل شئ ، وكان الحب .. وللحب سلطان الذي لاحكم عليه .. لم تعيش مثل الاميرات في أحلام  القصص والروايات ، ولا مثل بطلات الافلام  الا انها وجدت مالم تعشه الاميرات ،  انها وجدت الحب ، والمتعة ، التى حلمت بها ، الحب الصادق في زوجها احمد ، كان زوجا مرحا وقلب نقيا طيبا ، والحب هو ما حدث بيننا ، بل اجمل ما حدث لنا ، كان جزء من كيانها ، ولكنه لم يستمر طويلا ، او لم تستمر المتعة التى اعترتها ، والشغف الذي احتواها ، حتى  بعد مجئ الاطفال ، كانت راضيه ومقتنعه ، ان الزواج قد يفسد الحب احيانا ، الا أن الحال كان مستورا ، مايكسبه احمد زوجها من عمله في النجارة كان يكفيهم ، ويستر حالهم ، كان يكفيها أن تشعر بالامان ، تحت سقف  بيتها وفي ظل رجل احاطها بالحب والحنان ، وكانت راضيه ولم تطمع الى رغد العيش ، أومايملكه غيرها من نعم الحياة ، لكن الحياة احيانا تتغير  وتتغير معها الأشياء ، فتزيد الغني اموالا فوق ماله غنى ، وتاخذ من الفقير شهية الفاقة ، قتل احمد زوجها في معركة لا معنى لها ، حينها توقف كل شئ  وتوقف  العطاء ، بل اعدمو شهية الحياة والبقاء ، واعدمو البهجة ان تستمر ، انها قلوب لاتعرف الحب ، فهنيئا لنا عرفنا كيف نزرع الخوف فينا بدلا من الحب ، بعد وفاته او كما يقولون ، استشهد في حرب عابثة لا طائلة منها ، ولم تفهمها ولاتعرف معناها ، و لا متى ستنتهي ، وما الفائدة منها ، سوى الموت ، الذي اكتسح كل المدينه ، الموت الذي التهم  الشباب ، شبح الموت الذي سكن كل بيت ولم يغادر ، لم تعد تستوعب ماحدث ، ولكنها تسأل نفسها كيف لفتاة في السابع والعشرين ، ان تتحمل هذا المعاناة ، وشظف العيش ، والعوز والفقر الذى اعتراها ، الذي لم تحسب له يوما ما ، دون أن يحمي ظلها رجل ..

 

 الحرب .. انها الحرب.. من سرقت حياتها وسعادتها .. اصبح القتل حديث الصباح والمساء ، مثل تحية جارك ، يخبرك بها  أن فلان قتل هذا الصباح ، لقد اصبح الارهاب اغراء وهدف للقتل ، ارهاب الناس بشبح القتل والموت ، دون سبب او شئ ،  الا لجلب الخوف الذي اعترى في اعين الناس ، الخوف من كل شئ ، الخوف من القتل الخوف من الذل وانكسار النفس ومهانتها ، الخوف من الجوع من الاسعار المتزايد في ظل الحرب ، و لصوص الحرب وامراء الحرب ، الذين اعتلوا المدينة امراء يعبثون يسرفون في القتل ، وينهبون ولا يشبعون ، يخطفون اللقمة من فمك ، ثم يضعون ايديهم في جيبك ، يسرقون ولايستحون ، ثم يتكلمون عن الوطن و عن الحرية ، وانهم حراس الارض  ، انهم يمارسون الضلالة في كل شئ بلا رحمه . .

 

غسلت وجها قبل انبلاج الصباح ، بوجه غير مشرق ، ولم تتغير ملامحه ، وهي تسمع صوت  الاذان ،من المساجد المجاورة لها ، يعلن صوت الردة والجهاد . انهم يتوارثون الحرب كما يتوارثون سلالة ابائهم واجدادهم ، لم يعد القتل يوجعهم كما يوجع الثكالى والاطفال ، لم يعد الوطن يخجل منهم ، وحدها القبور من تشعر بالخجل ، حتى الرفاق القدامى الذين استباحو كل شئ في زمن التيه ، غربان تنعق من المنفى ، بأن هذه الحرب لاتعنيننا ، ولكنهم يدفعون الثمن  بجثث الموتى الى المقابر  ..

 

 حضنت  أطفالها الصغار بأيديها ، وضمتهم الى صدرها ، وبحسرة مكتومه وهي وتتم بكلمات في جوفها ، من سيطعم هولاء الصغار، في مدينة اصبحت محروقة ، لم تعد قابلة للعطاء ، كل شئ فيها اصبح جاف ولم تعد تنبض ، لا وجود للمنطق فيها .. انتهى فيها زمن الحب للحب ، ومامعنى الحياة ان لم يكن الحب هدفها  ، مدت يدها  الى ثيابه المعلقة ، مازال طيفك لم يغادر الغرفة ، وريح جسدك لازال يحكى قصص  الحب ، تحت هذا النور الخافت ، قصة حب لم يمهلها القدر ان تكتمل ، حيث كنا قلبين في جسد واحد ، كما  كنا في اروع مدينة ، شعبين في في وطن واحد ، لكن المدن تتغير كما تتغير أصحابها، انها كالمرايا تعكس وجوه أصحابها،  هل يمكنني ان اقول لك أن كل شئ انتهى .. لا ادرى ولكن كل ذكريات الماضي ، باتت تتلمس الجراح ، كما تنهش الذئاب جسد الفريسه ، وهي خاضعة راضية لقدرها ..  لم يكن اختيارها ، ان تكون فريسة ذئب ينهش جسدها .. لم يعد لكل شئ معنى .. ولم يبقئ  لاحلامنا  معنى ، سوى الحنين الى الماضي بذكريات  مؤلمة نتوجع كلما لاحت لنا بين  لحظة واخرى   ..

 

 لاحت برأسها قرب النافذة ، لترى البحر القريب من بيتها ، هاجس الطفولة ، ومرساة احلامها ، مثل السفينة التى تتهيأ للابحار ، كانت تقول البحر موطني ، كان اغنيتها المفضلة بصوت فيروز ، حين كان البحر يتنفس  ، كانت تلعب فوق الرمال وتغتسل من طرشات موجاته البارده ، كما تغتسل العذارى عند نبع الغدير ، لماذا صوت البحر حزينا كئيبا ، هل يحزن البحر للثكالى ، والاطفال اليتامى ، وللتعساء الذين ورثوا العدم ..

ثم  نهضت من فراشها  ..

أطفأت ضوء المصباح ..

فساد الظلام في الغرفة .. فعم الصمت ..

 فلم يبقئ الا الظلام.. ولاشى  سوى الظلام .