قضايا وحريات

يكسر الثقة والأمان ويدفن الحب حيا

الاغتصاب الزوجي.. عنف مسكوت عنه عربيا

نساء قررن كسر التابوه بقولهن “نشعر أن أزواجنا يغتصبوننا”

شيرين الديداموني (القاهرة)

تشابهت الحكايات المسكوت عنها، والتي جمعتها مؤسسة قضايا المرأة بالتعاون مع مركز النديم في إطار حملة "بتحصل" لمناهضة الاغتصاب، وتضمنت الشهادات من تتعرّض للضرب والعنف والإجبار على المعاشرة الزوجية، ما أسفر عن مشاكل صحية كبيرة.

فهناك من يجبرها زوجها على المعاشرة وينهش جسدها، وأخرى دسّ لها زوجُها المخدر في المشروبات ليتمكن من معاشرتها بطريقة غير شرعية، حتى أدمنت المخدرات.

خروج سيدات على وسائل الإعلام ليتحدثن عن العلاقة الزوجية بتلك الطريقة أصاب المجتمع المحافظ بصدمة وذهول حيث نشأن على أن كل ما يتعلق بالعلاقة الحميمة للمرأة وفراش الزوجية "سر مقدس" لا يجوز أبدا خروجه من باب غرفة النوم، فهو حق زوجي مكتسب مسنود، ومبرر شرعا، مع انعدام وجود أيّ وسائل متاحة للنساء للتعبير عن رفضهن.

العنف المسكو عنه عربيا في غرف الملايين من النساء، لا يعتبر اغتصابا في مجتمعاتنا، فقد تؤخذ زوجات عنوة إلى الفراش، بحجة الحق الشرعي، وهن لا تمتلكن القدرة على قول "لا" حتى بينهن وبين أنفسهن وكيف تفعلن وهن من ترسخ في عقولهن على مدار عقود أنهن إذا رفضن ستلعنهن الملائكة طوال الليل، وثقافتهن الإسلامية والمجتمعية ونصائح الأمهات كل ذلك يشجع الزوجة على الطاعة التامة للزوج لأنها بذلك تحميه كي لا ينحرف ويقع في الرذيلة، ويقودها إرضاؤه إلى الجنة وإن تطلّب ذلك المرور على طريق جهنم الزوج أولا.

الزوجة التي لا تساعدها ظروفها النفسية أو الجسدية على ذلك التواصل كانت تحفظ دائما عن ظهر قلب ما يردده الفقهاء من أحاديث عن اللقاء الجنسي "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبانا عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح"، وترضخ الزوجة مجبرة ومكرهة لعلاقة أحادية الجانب تشعر فيها أنها مجرد وسيلة لحصول الرجل على ملذاته دون أن يكون لها اختيار، ما يترك آثارا سلبية عليها.

يساهم في تلك المعاناة رجال تمسكوا بحقهم الشرعي ووضعوا متعتهم الجسدية قبل أيّ اعتبار آخر، دون قيد أو شرط على أساس أنها جزئية مهمة من الدين، مع أنهم لا يلتزمون بأيّ من توجيهات الإسلام، فلا يقيمون الفرائض ولا يخرجون زكاة وليس لديهم أيّ قيمة لبرّ الوالدين، لكن عندما يتعلق الأمر بالعلاقة الزوجية تجدهم انتفضوا للدفاع عن حقوقهم، متسلحين بالأحاديث والفتاوى في حقهم بالمتعة.

ثوب الاعتياد

المجتمعات العربية تبرر دائما الانتهاك الجنسي من قبل الزوج على أنه مجرد حادثة عادية، وتلبسه ثوب الاعتياد، في تجاهل تام بأن العلاقة الجنسية تقوم على عقد قران قانوني بموافقة الطرفين، والعلاقة الخاصة هي التزامات مترتبة على هذا العقد كغيرها من الالتزامات الأخرى، كالشبكة والمهر والمؤخر، وما ينطبق عليهم يجب أن ينطبق عليها، لأن جميعها آثار مترتبة على عقد زواج واحد لا غير، فهل يجوز تهديد الزوج وإجباره بالعنف على الإنفاق على شريكة حياته؟ وكيف نجيز للمرأة ملاحقة الزوج قضائيا إن تسبب لها بكدمات أو خدوش سطحية ولا تلاحقه إن أقدم على اغتصابها دون إرادتها، كأنه اعتراف ضمني بأن ضرب الزوجة أشد على الزوجة وأقسى من اغتصابها؟

في الوقت الذي تعتبر فيه المجتمعات الغربية ذلك الأمر جريمة يعاقب عليها القانون، تتغافل بعض القوانين العربية عن وقائع كثيرة تمعن في إذلال الزوجة أو استغلالها أو إشعارها بأنها الطرف الأضعف في المعادلة، وأنها مُستباحة طوال الوقت للزوج.

وشرعن انعدام وجود قوانين رادعة تحافظ على إنسانية المرأة وكرامتها وسلامتها بالدرجة الأولى، عملية العنف، كما أن الخطاب الديني السلبي تجاه النساء وقضاياهن بشكل عام في بعض البلدان العربية، ضاعف من الأزمة.

ولا توجد في القانون المصري تشريعات لإدانة الاغتصاب الزوجي بالرغم من أن أرقام سجلات محاكم الأسرة في مصر أكدت على أن 60 بالمئة من الزوجات يتعرضن للاغتصاب الزوجي، حيث سجلت الدفاتر 10 آلاف شكوى لزوجات وقعن تحت قبضة العنف الجنسي و7 آلاف شكوى سجلت إصابة الزوجة بعاهات خلال الـ5 سنوات الأخيرة.

واعتبر قانون العقوبات السوري اغتصاب الزوج لزوجته، فعلا مباحا ومشروعا وغير مجرّم وغير معاقب عليه، أي أن المشرع استثنى الزوجة صراحة من دائرة جريمة الاغتصاب، وأباح القانون حالة الإكراه الجنسي بين الزوجين ولم يعاقب عليها.

في الفترة الأخيرة ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أنه يجب على البرلمان اللبناني التصدي لما أسمته بـ”الاغتصاب الزوجي” وسن تشريعات تغلظ العقوبة على الأزواج الذين يقومون باغتصاب زوجاتهم بذات الطريقة نفسها التي تتم في إطار ارتكاب جريمة الاغتصاب خارج إطار الزواج.

ألم نفسي

سلطت المراكز المعنية بشؤون المرأة مؤخرا الضوء على تلك المسألة ليكون سببا في لفت أنظار الحكومة والرجال بضرورة تغيير هذا الوضع، بعد أن جاءت شكاوى من سيدات تحولت حياتهن الجنسية إلى جحيم ودخلن في مراحل اكتئاب شديدة واضطراب ما بعد الصدمة اتسمت بمحاولات عديدة للانتحار بسبب عدم سعادتهن.

وأوضحت هايدي إسماعيل الباحثة بمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، لـ"العرب" أن الاغتصاب الزوجي يتواجد أكثر في الفئات غير المتعلمة، لأن لديهم جهلا بأسلوب التربية، حيث أن تفشي الظاهرة مرتبط بثقافة تكرِّس لدى الرجال منذ الطفولة، بأن العنف من شروط الرجولة وأن الزوجة بضاعة خاصة للرجل يتصرف فيها كما يشاء.

واستهجنت الباحثة إجبار زوجة مكتئبة على العلاقة متجاهلة سلامها النفسي، أو أخرى من الممكن أن تصاب بالضرر جسديا مثل فترات معينة من الحمل، وتساءلت هل من المنطقي أن يجبر الرجل زوجته على فعل يحتاج لأحاسيس ورغبة وقبول، لمجرد إرضاء رغباته؟

وأكد حامد عبدالواحد أستاذ الطب النفسي أن العقلية الذكورية أسست للاختلاف الجنسي بين الرجل والمرأة، رغم مساواتهما في الرغبة، وسعت بكل الوسائل إلى كبحها.

60 بالمئة من الزوجات المصريات يتعرضن للاغتصاب الزوجي، حيث سجلت الدفاتر 10 آلاف شكوى لزوجات وقعن تحت قبضة العنف الجنسي

وإرغام الزوجة على العلاقة الحميمة يعتبر من الناحية السيكولوجية إذلالا لـ”الأنا الأنثوية”، كي يجعلها تشعر بالإهانة والاستعباد والدونية، متجاهلا ما تتعرض له من أمراض نفسية تؤثر على النوم وعدم القدرة على القيام بالمهام اليومية، ما يؤثر على علاقتها بأطفالها، لأنها تكون أكثر عصبية وحزنا.

وأضاف عبدالواحد لـ"العرب" أن الاغتصاب الزوجي يكسر الثقة والأمان ويدفن الحب حيا إن وجد في العلاقة بين الزوجين بسبب ما تحمله الزوجة من ذكريات مؤلمة ومشاعر سلبية ناحية زوجها.

الأمر برمته يتطلب ثورة أخلاقية، تعزّز مسألة أنسنة الرجل أكثر في تعامله مع الزوجة، مع تعريفها هي أيضا بالوسائل القانونية والاجتماعية التي تساعدها على حماية نفسها، وفي معرفة أنواع العنف السيء الذي من حقها كمعنفة أن تقول له بصوت مسموع وبلا خوف “لا أريد".

في النهاية تبقى القضية شائكة ومعقدة، فلا يمكن وصف ما يحدث في غرف نوم الزوجية بأنه غير شرعي، فالعصمة من الزنا هي الجوهر، لكن أيضا الرضا في العلاقات الحميمة هو الأصل، والعلاقة الخاصة للزوجين ليست مونولوجا لطرف دون آخر، ولا يمكن أن تكون اغتصابا مقننا.

والحق أن هذه الرؤية التي تتبناها المراكز الخاصة بالمرأة ضد الرجل العربي، تعد بمثابة تشهير غير منصف له، حيث تعكس صورة بهيمية لا تليق أبدا بإنسانيته، وتظهره عديم الحساسية بدون مشاعر متنازلا عن كرامته وليس لديه كوابح لغرائزه، ولا يمكن أن نتجاهل المقولة السائدة "الحسنة تخص والسيئة تعم".

كاتبة من مصر

إخفاقات النساء الأمريكيات في الوصول إلى الرئاسة الأمريكية “قراءة تحليلية”


إيران ترفض المفاوضات النووية تحت الضغط والترهيب عقب لقاء عراقجي وغروسي


زيارة أمير قطر إلى تركيا وسط تصعيد أردوغان: هل تبحث الدوحة عن حماية جديدة؟


الحوثيون يصعّدون هجماتهم البحرية بدعم محور المقاومة.. تقرير أممي يحذّر