الأدب والفن
ساعة مع كاتب..
إلياس خوري: فشلنا في الثورات فهل سنفشل في الكتابة؟
أنا تلميذ شهرزاد والمتنبي
حل الكاتب اللبناني إلياس خوري ضيفا على فقرة “ساعة مع كاتب”، ضمن البرنامج الثقافي للمعرض الدولي للنشر والكتاب. وأكد ضيف الدورة أنه لم يزر المغرب منذ ثلاثين سنة، وأن أول زيارة له كانت سنة 1977. وكان قادما من برشلونة حين اتصل بالمناضلة الفلسطينية ليلى شهيد، فأشارت عليه
بزيارة الروائي المغربي محمد برادة، قبل زواجها به.
وقال إلياس خوري إنه تعلم درسا مهمّا في هذه الرحلة إلى المغرب، متابعا “قضيت 3 أيام، وأنا أجالس الناس في المقاهي وألتقي بهم في الشارع، دون أن أعرف معنى كلمة واحدة. وفي اليوم الرابع استطعت أن أفهم كل شيء. ومن هنا، تعلمت أن اللغة العربية إنما هي لغة واحدة، ولكن بلهجات متعددة”.
ومن هنا، بدا الروائي اللبناني منتصرا لاستعمال الدارجة في الرواية، وهو يذكرنا هنا بنصوص مارون عبود، الذي كان رائدا في هذا الباب، وكتب بلغة تكاد تجمع بين العربية الفصحى واللهجة اللبنانية في الآن نفسه. وانتهى المتحدث في هذا الباب إلى أن “التعدد اللغوي طبع عربي”، ولذلك من الطبيعي أن يحضر في أمشاج اللغة الروائية.
وعن دراسته للتاريخ وعلم الاجتماع، لا يرى الأستاذ السابق في جامعة كولومبيا والجامعة الأميركية في لبنان أنه استفاد من التاريخ وعلم الاجتماع في كتابة الرواية، “بل إن الرواية هي التي قادتني إلى دراسة الفلسفة وعلم الاجتماع. كما أنني حين كنت أحضّر لأطروحتي انفجرت الحرب الأهلية اللبنانية، فوجدتني في مأزق وجودي، إذ في الوقت الذي تريد أن تبحث في التاريخ، تجد هذا التاريخ وهو ينفجر بين يديك”. مفارقة لن يتخلص منها الكاتب إلا بالعودة إلى الرواية، “والعودة إلى ما كنت أحلم به منذ صغري، وهو كتابة حياة على نسق ألف ليلة وليلة”.
وعن علاقته كروائي بحقول التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع، يذهب إلياس خوري إلى أن الصحافة ربما أفادته أكثر في مختبر كتابة الرواية، وخاصة كتابة الربورطاج، وهو ما يتيح للإنسان التعرف على قعر المجتمع.
عشق روائي
يرى إلياس خوري أن القراءة عادة وتَعَوُّد، وأن الناس يألفون مع الوقت تجربة كل كاتب وما عليه سوى المواصلة، بأن يكتب تجربته الخاصة من منظور جديد، لا أن يحاكي التجارب الأخرى إطلاقا. وهذا ما حدث لصاحبنا مع روايته “الجبل الصغير”، والروايات التي تلتها، مثل “الوجوه البيضاء” و”مملكة الغرباء” و”مجمع الأسرار” و”اسمي آدم”… إلى أن تعود الناس على قراءة تجربته الخاصة، وبلغته الخاصة، حيث لم يكن ممكنا له أن يعيد كتابة ما كتبه الآخرون من قبل. ذلك أن “الهدف هو تغيير المنظور، وتغيير طريقة الكتابة، والقارئ يفهم، مع الوقت، ويتواصل مع الكاتب في تجربته المتفردة الخاصة به”. هذا مع أن “الكتابة تظل غامضة حتى على صاحبها”، يؤكد خوري، على أساس أن القارئ ليس مطالبا، وهو يقرأ الرواية، بأن يفهم كل شيء.
واستحضر الكاتب اللبناني، في هذا السياق، ما أسماه “معضلة القراءة في العالم العربي”. ويرى المتحدث أن “المطلوب هو أن نعرف كيف نقرأ، مثلما نحاول نحن الكتاب أن نعرف كيف نكتب، باستمرار، لأن أسوأ الكتاب هم الذين يدعون أنهم يعرفون كيف يكتبون”.
من الحكايات الطريفة التي لم يروها إلياس خوري في رواياته، وتحدث عنها في معرض البيضاء حكاية عشقه لبطلات رواياته، رغم أنهن متخيلات، وذلك كما يقول “إلى درجة أنني أغرمت مرة ببطلة إحدى رواياتي، حتى صارت مشكلة في البيت”. وفي هذا السياق يحكي “تلميذ شهرزاد”، كما يسمي نفسه، أنه ذات لقاء روائي تدخلت سيدة وقالت له إن نهيلة في رواية “باب الشمس” هي شخصية حقيقية، وأنه يعرفها، لكنه شرح لها أن الروائي إنما يختلق شخصيات متخيلة، تبدو أحيانا واقعية، بحيث يمكن العثور على نماذجها في الواقع، وقد تتشابه على بعض القراء، فتبدو مماثلة لشخصية يعرفونها، إلى غير ذلك من الإجابات التي يمكن أن يكون الكاتب قد أدلى بها. لكن، بعدما انفض الحفل توجهت تلك السيدة إلى إلياس خوري، وقالت له “دعنا من الكلام الذي كنت تتحدث عنه أمام الجمهور. أنا متأكدة أن نهيلة شخصية حقيقية”. فلما نفى إلياس خوري ذلك أجابته “أنت كاذب”، وذهبت. فلحق بها إلياس خوري وقال لها “والله يا سيدتي إن هذه أفضل تهمة بالنسبة إلى الكاتب، وهو أن تصدقي الكتاب وتعتبري الكاتب كاذبا”.
ثورة الكتابة
عن دور الكتابة في تغيير الواقع والتأثير فيه، يرى إلياس خوري أن “الرواية ليست بديلا عن أي شيء، وليست ثورة. أهمية الكتابة أنها تغير الكتابة ولا تغيّر الواقع”. وهذه هي الكتابة الحقيقية والعميقة، حسب الكاتب اللبناني، أي تلك “المعنية بتغيير المنظور، والذي له تأثير على تغيير تصورات ونظرات الناس إلى ذلك الواقع”، ليبقى هدف الكتابة بلغة التوحيدي هو “الإمتاع والمؤانسة”. واستحضر الكاتب الشاعر العربي المتنبي، معلنا محبته الكبيرة له، “لأن المتنبي قدم معرفة كبيرة، وليس هنالك كاتب كبير لا يحتضن أدبه معرفة إنسانية كبيرة”، على أساس أن “هذه المعرفة من شأنها أن تغير وعي القراء، وهذا هو الأهم”.
الكتابة الأدبية هي إعادة كتابة باستمرار، وعليها أن تتحاور مع كتاب سابقين، ففي الأدب يمكن أن تحاور الموتى
كما يرى خوري أن “الكتابة الأدبية هي إعادة كتابة باستمرار، وعليها أن تتحاور مع كتاب سابقين. والأدب هو المكان الذي تستطيع من خلاله أن تحاور الموتى، لأننا في حوار دائم مع أدب المتنبي وأمثاله من العظماء. وفي الأدب يخاطبنا الأموات أيضا، باعتبار هذا الأدب مكانا سحريا”. وأما أهم هدف في الكتابة، في نظره، فهو الحذف؛ “فأنا أكتب بالممحاة، وأمحو كثيرا”.
كما يحكي أن هناك تجربة أخرى مثيرة في كتابة الرواية، وهو يؤكد أنه كلما انتهى من كتابة رواية ظل يعيش حالة إحباط، “لأنني أحب أن تظل شخصيات الرواية معي، ولذلك أتردد في إرسال الرواية إلى المطبعة، وحين أبعثها إلى المطبعة أحس بأنني قد خنت تلك الشخصيات”.
وفي الختام، يرى إلياس خوري أنه “بعد استباحة الربيع العربي تم تدمير كل شيء، وفشلت الثورة. لكن الحمد لله أننا فشلنا في الثورة ولم نفشل في الكتابة أيضا”. كما نبه الكاتب إلى أن “تدمير حلم الربيع العربي أدى إلى تدمير فكرة المواطن في العالم العربي، حتى صرت أقول: تعالوا نناضل لكي نصبح مواطنين فقط”.