الأدب والفن
خلق واقع ثقافي جديد..
هل من جديد في معرض الرياض؟
معرض الرياض واجه منطق الركود الثقافي نفسه
ربما من الجيد التأكيد -ونحن في معرض الرياض الدولي للكتاب- على أن الصراع بين تيار الصحوة والتيار الليبرالي في السعودية كان هامشياً، بمعنى أن القطبين المتناحرين الكبيرين كانا تحت مظلة اجتماعية وثقافية واحدة، غير أن طرق حياتهما هي المختلفة فقط، فقد اختار الأول أن يضيّق على نفسه سبل الحياة، بينما اختار الثاني التوسّع فيها. ولكن كيف يمكن فهم المسافة ما بين الضيق والسعة؟ وهل كانت قضاياهم بالفعل تقف على مفترق طريق أم أن كلاهما يقف في الطريق نفسه؟
بدأت فعاليات المعرض الأسبوع الماضي منشغلة بالعديد من الفعاليات والندوات والورش والمسرحيات وعرض الأفلام، وكأن المنصة في حالة جوع ثقافي كبير إلى الحد الذي يمكن إشراك ودفع جميع الفعاليات الأدبية والأدائية والفنية تحت أروقة المعرض خلال عشرة أيام. وهذا الجوع مبرر ومفهوم، فهو ينطلق من الحرمان الذي طال المجتمع طيلة أربعين سنة مضت، فلا موسيقى ولا غناء ولا اختلاط ولا حرية شخصية تمارس؛ لا على الجسد ولا على العقل والروح.
بالفعل، لقد استطاع التيار الديني المتشدد أن يسرق الحياة من جيلين متتاليين؛ جيل بدأ يهرم، وجيل للتو تفلت من يده أواخر أيام الشباب، جيلين مورست عليهما أعتى أنواع الحرمان والتخويف والتسلط الأبوي على حق القراءة والاطلاع والمعرفة، فكان من المتوقع بعد تحجيم دورهم الاجتماعي والثقافي تحت توجه رسمي أطلقه الأمير محمد بن سلمان في عبارته الشهيرة “سوف ندمرهم اليوم، وفوراً” أن تكون ردود الفعل الثقافية، لاسيما من الخصوم الليبراليين التقليديين شرسة؛ فعلى قدر الصراخ يكون الألم. ولكن يبدو أن القراءات الافتراضية للواقع الثقافي لم تكن مجانبةً للصواب، فعلى قدر شراستها كانت بساطتها وسطحيتها.
معرض الرياض الذي يعدّ المرايا السنوية الكاشفة لحقيقة الفعل الثقافي السعودي الشامل واجه منطق الركود الثقافي نفسه، فلم يتجاوز المثقفون في فعالياتهم ومحاضراتهم وأمسياتهم الحالة الكلاسيكية التي كان يفترض أن تكون ضربا من ضروب الماضي.
وبدل أن تعمّق القضايا الإنسانية وأسئلتها الفلسفية المتعلقة بالقراءة والحرية ونقد الفكري الديني بشكل حر ومدروس، بدل ذلك كله، عادت الأسطوانة القديمة المسكونة بالهاجس الديني للصف الأول تاركةً الحالة الثقافية على ما هي عليه. الأمر الذي يجعل السؤال قائما حول حقيقة انحسار التشدد من المشهد الثقافي، وحول إذا ما كان قد سكن لاوعي الثقافة السعودية دون أن تشعر بأنها -وإن حاربت التشدد شكلياً – فهي مسكونة به في هواجسها ومناطق اشتغالها التي لا تستطيع أن تتجاوز مكانها الأول.
الأفلام والمسرح كان لهما نصيب الأسد في الفعاليات اليومية التي لا يمكن أن أعتبرها كلاسيكية بالطبع، ولكنني يمكن أن أشير إلى أن المواضيع التي تناولتها هي رسائل نقد واضحة لزمن الصحوة ومخلفاته، وهذا ما يمكن أن ينتقده ببساطة فيلم “300 كيلو” وفيلم “فضيلة أن تكون لا أحد” وفيلم “ثوب العرس” وغيره. فهي أفلام موجهة ورائعة، لكنها تعرض في زمن ما بعد الحدث، كنوع من الأرشفة الفنية لزمن لن يعود.
من المؤسف القول إن منظمي المعرض مازالوا مسكونين بالماضي في معظم خياراتهم الثقافية، وأنهم لم يستغلوا الموقف السياسي في خلق واقع ثقافي جديد، وإن الذي غاب عن الحضور هذه السنة هو –فقط – صراع “المطاوعة” مع “الليبراليين” في الأروقة، والأكشن الذي يمكن أن يتسلّى به الإعلام، ويصنع من خلاله المادة الصحفية.
معرض الرياض الذي يعدّ المرايا السنوية الكاشفة لحقيقة الفعل الثقافي السعودي الشامل واجه منطق الركود الثقافي نفسه