انقضت في الثالث عشر من أبريل الجاري أربعة أشهر على إبرام اتفاق ستوكهولم بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي المتمرّدة المدعومة من إيران برعاية الأمم المتحدة دون التقدّم خطوة واحدة في تنفيذ الاتفاق عدا عن هدنة هشة قائمة في مدينة الحديدة بغربي اليمن وتهدّدها الخروقات المتعدّدة باستمرار.
وما يزال المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث منذ ذلك الحين يحاول الإبقاء على جذوة الأمل بتنفيذ الاتفاق بالإعلان بين الحين والآخر عن تقدّم باتجاه التنفيذ دون أن يُلمس أي أثر لذلك على الأرض.
ويعني عدم التقدّم في تنفيذ الاتفاق انسداد آفاق الحلّ السلمي في اليمن، وتواصل معاناة اليمنيين من الحرب وتبعاتها الثقيلة على الأوضاع الإنسانية في البلد.
وفي 13 ديسمبر الماضي، اتفقت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا مع جماعة أنصارالله الحوثية، في العاصمة السويدية ستوكهولم، على حل الوضع في محافظة الحديدة الساحلية، غربي البلاد، وذلك عن طريق انسحاب جميع القوات وإعادة انتشار قوات بديلة، ووقف إطلاق النار بشكل كامل، إضافة إلى الاتفاق على تبادل الأسرى والمعتقلين من الجانبين الذين تجاوز عددهم 16 ألفا، مع تفاهمات حول حل الوضع الإنساني وإنهاء الحصار المفروض على مدينة تعز جنوب غربي البلاد.
وأثمر اتفاق ستوكهولم عن هدنة في محافظة الحديدة، التي بدأ سريانها بعد خمسة أيام فقط من الاتفاق، وواصلت صمودها مع خروقات متكررة من الطرفين.
وبالنظر إلى الملفات التي تم الاتفاق عليها في ستوكهولم، نجد أنه لم يتم حتى اليوم تنفيذ أي خطوات فعلية، سواء في ما يتصل بانسحاب القوات وإعادة الانتشار في مدينة وموانئ الحديدة، أو بخصوص تبادل الأسرى والمعتقلين، الذي اتفق عليه الجميع بأنه ملف إنساني يفترض تطبيقه الفوري.
ويواجه اتفاق ستوكهولم تعقيدات كبيرة تعرقل تنفيذه خصوصا في ظل إصرار الطرفين على عدم تسليم مدينة وموانئ الحديدة إلى أي طرف منهما، حيث يتمسك الحوثيون بعدم الانسحاب ووجود قوات من الشرعية بدلا من قواتهم، في حين تصر الأخيرة على ضرورة انسحاب الحوثيين من أجل حل ملف الحديدة وتسليم المدينة وموانئها إلى قوات محلية موالية للحكومة المعترف بها دوليا.
وفيما يتصل باتفاق تبادل الأسرى، تبادل الطرفان الاتهامات بشكل متكرر بخصوص إخفاء عدد كبير من أسماء الأسرى والمعتقلين وعدم الالتزام بتقديم جميع الأسماء. وقبل أيام، أشارت الحكومة اليمنية عبر وزير خارجيتها خالد اليماني، إلى أن خيار فشل اتفاق ستوكهولم أصبح واردا بسبب تعنت الحوثيين وإصرارهم على عدم تنفيذ الاتفاق.
وطالب اليماني الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالضغط على الحوثيين وتحميلهم مسؤولية تأخير تنفيذ الاتفاق.
بدورهم، صرح الحوثيون عبر مسؤوليهم بشكل متكرر، بأنهم ملتزمون بتنفيذ الاتفاق، متهمين الطرف الآخر بأنه هو من يضع العراقيل ويماطل في تنفيذ الاتفاق.
وأمام هذا الوضع المعقد، أصبح الشارع اليمني ينظر إلى الاتفاق على أنه بات قاب قوسين أو أدنى من الفشل، لطول فترته وعدم قدرة الأمم المتحدة على إقناع الأطراف بالتنفيذ.
وقال الكاتب الصحافي حسين الفقيه إن اتفاق السويد إلى الآن أصبح في خبر كان بعد أربعة أشهر على إبرامه.
وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية أن الاتفاق كان لغزا منذ البداية، ثم حاولت الأمم المتحدة حلحلة وتفكيك هذا اللغز جزئيا ليسهل تنفيذه مرحليا، ثم تم تجزئته أكثر ووضع خطة معدلة كما هو الحال مع اتفاق الحديدة، لكن النتيجة كانت لا شيء.
ولفت إلى أن مصير الاتفاق هو الفشل، مشيرا إلى أنه لم ينفذ كونه جاء على عجل ولإسقاط الحرج عن الأمم المتحدة ووسيطها الأممي، وهو اتفاق وُقّع ليفشل.
وتابع الفقيه “كان الهدف منه هو وقف تقدم القوات الحكومية نحو الحديدة، ولذا ما يتعلق بمصير الهدنة فإنها مازالت صامدة رغم الخروقات، أي أن هذا ما كان يهم الأمم المتحدة ووسيطها إلى اليمن، لأنها لم تقم بممارسة أي ضغط حتى اللحظة”.
وتوقع أنه سيتم ترقيع الاتفاق وتعديل ما يلزم تعديله منه وستوافق الأطراف اليمنية على ذلك مبدئيا لكن الواقع في الأرض سيكون مغايرا.
وحول تأثير ذلك على الأزمة اليمنية، أفاد الفقيه بأن الأزمة ستظل في ذات المنحنى والاتجاه، في مرحلة اللاّحرب واللاّسلم، وهي مرحلة دخلت بها البلاد منذ سنوات ما لم يحدث أي تغييرات إقليمية أو دولية تلقي بظلالها على واقع الصراع في اليمن.
عدم تنفيذ اتفاق ستوكهولم حتى اليوم رغم مرور فترة زمنية فاقت التوقعات، جعل العديد من المراقبين يشيرون إلى أن ذلك سيعمل على تعقيد الوضع اليمني بشكل أكبر، ما يجعل المأساة الإنسانية في البلاد أشد مما سبق.
وفي هذا السياق، قالت الكاتبة والباحثة السياسية فاطمة أبوالأسرار إن فشل اتفاق ستوكهولم في تحقيق أي تقدم حقيقي نحو انسحاب القوات الحوثية من الحديدة والإفراج عن المعتقلين وتغيير الوضع في تعز هو مأساة حقيقية توضح صعوبة التوصل إلى حل سلمي قادر على أن يحمي الشعب اليمني من الظلم والاستبداد والقهر والمجاعة.
وأضافت أبوالأسرار، وهي محللة بارزة في المؤسسة العربية بواشنطن، أن فشل تطبيق ما تم الاتفاق عليه حتى الآن، هو بسبب خطأ جسيم من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، والذي مع الأسف ضغط على جميع الأطراف للقبول بخطة من تصميمه لم يكن لها وضوح أو واقعية.
وذكرت أن الوضع في اليمن يتعقد كل يوم بشكل أكبر من الذي قبله، مشيرة إلى أنه مع هذا الوضع المعلق بين اللاّسلم واللاّحرب تتعمق المأساة الإنسانية وتنتهك الحقوق والحريات في ظل تعمق انفراد الحوثيين بالسيطرة المسلحة على مناطق مدنية.
ولفتت إلى أن مشاكل الحكومة المعترف بها دوليا، تتفاقم في ظل وجود جهات تتعارض مع كيانها في المناطق المحررة من الحوثيين.
وأوضحت أبوالأسرار أن التردد الدولي في مساندة الشعب اليمني للتوصل لحل يضمن حقوق جميع الأفراد والجهات من دون الانحياز لجهة أو لأخرى هو جزء من المأساة التي يجب معالجتها.