تحليلات
تستعد لذكرى 25 يناير
مصر : الإخوان.. مبادرات في اتجاهات متناقضة
تزامنا مع الخطوة المفاجئة بإعلان جبهة الشباب داخل جماعة الإخوان، عزل قيادات تيار الحرس القديم بزعامة محمود عزت القائم بأعمال المرشد، من إدارة الجماعة، يرى محللون، أنه مع اقتراب الذكرى السادسة لثورة 25 يناير في مصر، فإن الجماعة باتت في حاجة إلى إعادة إنتاج نفسها ولفت الأنظار إليها من جديد.
ومع فقدان الجماعة لأوراق الضغط، التي ظلت تناور بها النظام طوال السنوات الماضية، تلجأ الجماعة لانقساماتها الداخلية، وتنظر إليها من زاوية إمكانية توظيفها بشكل يحقق مصالحها والضغط على الدولة ومساومتها، ومغازلة التيار الشبابي والكيانات الثورية الأخرى، التي تربطها علاقات جيدة مع شباب الجماعة وتؤيدهم في مواجهة الحرس القديم.
تسعى الجماعة لإنجاح فعاليات ذكرى 25 يناير المقبل، وتؤمن بأن من بين أسباب فشل فعاليات ما أطلق عليه “ثورة الغلابة”، في 11 نوفمبر الماضي، سوء العلاقة بين التيارات الثورية والحرس القديم للجماعة بقيادة محمود عزت.
ويرجح ماهر فرغلي، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، فرضية أن يكون ما حدث مجرد مناورة من قبل جماعة الإخوان التي تستغل “فزاعة” تيار العنف وجبهة الشباب الثوري بداخلها، لتجبر الدولة على التسوية المتوازنة، والتعاون مع التيار التوافقي المسيطر عليها بقيادة محمود عزت.
وهناك من يرى أن ما يجري الآن ليس سوى تبادل للأدوار، وأن الحديث عن “جبهتين” داخل الإخوان، ليس إلا مناورة محسوبة، ويؤكد على هذه الرؤية سياسيون لا يفرقون بين جبهة وأخرى داخل الإخوان، أو بين الإخوان وباقي حلفائهم، فكلهم متفقون على مواجهة الدولة وإسقاطها وإن اختلفت وسائلهم. ووفق مصادر أمنية، فإن جماعة الإخوان يهمها الحرص على الظهور أمام الرأي العام الدولي بمظهر التيار السلمي الذي ينبذ العنف، ومن مصلحة الجماعة -خاصة بعد اتهامها بالضلوع في حادث تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة مؤخرًا- إظهار نفوذ تيارات منشقة بداخلها غير معترف بنشاطاتها من الجماعة، لتحميلها مسؤولية ما يقع من عمليات إرهابية.
ويصف مراقبون مناورة الجماعة الأخيرة بالمغامرة، حيث لم يعد لدى هذه الجماعة ما تخسره، وهي ترى أن كل ما تقوم به خارج مصر ليس له أي قيمة ما دامت قد فقدت الحضور والتأثير في المشهد المصري.
على الجانب الآخر أطلق النقابي المصري البارز، منتصر الزيات، مبادرة جديدة تستهدف ما سماه “التعايش السلمي بين النظام والإخوان بعيدًا عن روح العداء أو الإقصاء”.
مبادرة الزيات جاءت في سياق هرولة الجماعة نحو البحث عن مخرج لأزماتها، بسبب الانقسامات الداخلية التي تعصف بها، واعتبر مراقبون أن مبادرة العفو الرئاسي عن محبوسين، أظهرت للإخوان أن النظام المصري بدأ يتعاطى مع دعوات المصالحة المجتمعية الشاملة، ما جعلهم يتسللون ويستغلون هذه الانفراجة السياسية.
الزيات تحدث في مبادرته عن إشكاليات الحالة المصرية، المرتبط بعضها بعدم توقف العنف، وطالب بضرورة إيجاد مخرج لتوصيف الإخوان كـ“جماعة إرهابية”، وقال “ليس من المعقول إجراء مصالحة مع جماعة موصوفة بالإرهاب”، واقترح عدة إجراءات أولية، مثل اختيار فريق من الخبراء القانونيين والساسة، لصياغة مشروع “مصالحة وطنية مصرية”، يشتمل على اتفاق المصالحة الشاملة.
أحمد بهاءالدين شعبان، أمين عام الحزب الاشتراكي المصري، رفض مبادرة الزيات، وقال” إن إعادة طرح المصالحة ما هي إلا محاولة لإنقاذ الجماعة من مصير مجهول”.
وقبل نحو شهر عرض إبراهيم منير، نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، مبادرة لإتمام “مصالحة” في مصر، لكن الجماعة سارعت إلى حفظ ماء الوجه ونفت أن تكون لديها نيّة للتصالح مع النظام.
وقال جورج إسحاق، الناشط السياسي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، في تصريح لـ“العرب”، “إن مبادرة الزيات محكوم عليها بالفشل، وحتى النظام سيرفض لأن الجو العام محتقن، وهو يخشى المواجهة مع الشعب، لا سيما الأقباط الذين يدعمونه بشدة”.
ويشير داعمون لفكرة المصالحة، إلى أن هذا الصمت لا يعني الرفض، لكنه يوحي بالرضى، أو على الأقل هو علامة انفتاح أولية على الفكرة.
ومن هؤلاء ناجح إبراهيم، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، إذ قال لـ“العرب” إنه لا بديل عن تسوية سياسية ومصالحة تشمل جماعة الإخوان، مثلما حدث في الكثير من الدول، لأن الصراع بين النظام والجماعة لا بد أن ينتهي، لأن كليهما لن يستطيع حسم المعركة لصالحه.
وأكد عبدالجليل الشرنوبي، الباحث في شؤون الإسلام السياسي، أن مأزق النظام الحقيقي هو أنه يلمـح من حين لآخر إلى مصالحة مع “من لم تتلوّث أيديهم بالدماء، رغم أنه أمام تنظيم تلوثت غالبية قياداته بالدماء”، مضيفا أن النظام في صورة اتجاهه إلى عقد مصالحة دون وضع ضوابط حاكمة لمستقبل تنظيم الإخوان ومحاسبة مجرميهم، “سوف يدفع فاتورة باهظة”.
في كل الأحوال، ورغم تواتر الحديث عن المبادرات أو المناورات أو الوساطات من جانب الإخوان أو من يدافع عنهم، فإن تحقيق مصالحة حقيقية وواقعية يبقى مرتهنا بتحقق الشرط الذي يشترطه النظام المصري دائمًا، وهو أن يكف الإخوان عن ممارسة العنف والتدمير، ودون ذلك لا يمكن توقع أي مصالحة بين الجانبين في المستقبل القريب.