الاقتصاد
حفاظ على البيئة
كيف ستصبح النفايات طاقة الأجيال المقبلة؟
لا يوجد فرق كبير عند بعض الدول حول العالم بين النفايات المنزلية والفحم الحجري أو البترول، فكلاهما قادر على توليد الطاقة الكهربائية، بينما هناك دول كثيرة ومنها عربية لم تحاول حتى الآن الاستفادة من النفايات والسير قدما نحو إنتاج طاقة نظيفة بالاعتماد على موارد محلية بحتة.
التطور في العلم وتسخير التقنية جعل النفايات بديلًا حقيقيًا عن استيراد الغاز أو النفط من الخارج اللازم لتوليد الطاقة، وفي إطار الكلام عن الاقتصاد الجديد، فإن النفايات ستلعب دورًا كبيرًا في المستقبل لصالح الاكتفاء الذاتي من الطاقة في أي دولة تعاني من قصور في الموارد الطاقوية.
إنتاج للطاقة وحفاظ على البيئة
هناك تجارب رائدة حول العالم في إنتاج الغاز من النفايات، التي يؤكد خبراء أن النفايات لها قيمة حرارية تكاد توازي "الفحم البُني" وهو الفحم المستخرج من الأرض، والأكثر إثارة في الموضوع أن دولا نامية تنبهت لهذا الجانب من الطاقة في السنوات الماضية، وحاولت التخلص من مشكلة الندرة في الموارد الطبيعية لديها بالشكل الذي جلعها تستورد الطاقة بنسب كبيرة من الخارج، فالتطور في هذا الجانب أعطاها أمل كبير للتخلص من التبعية والاعتماد أكثر على الذات، فبينما تغرق لبنان بالنفايات ولا تجد لها سبيل لاستغلالها هناك دول مثل السويد المتقدمة اقتصاديًا وألمانيا تستورد النفايات كي تنتج منها الطاقة.
انتشرت مشاريع كثيرة في الآونة الأخيرة بتركيا لإنتاج الغاز من النفايات ففي المكب الموجود في اسطنبول لديه استطاعة على إنتاج 58 ميجاواط من الكهرباء وبالتالي تزويد أكثر من 266 ألف منزل تركي بالكهرباء.
النفايات لها قيمة حرارية تكاد توازي "الفحم البُني" وهو الفحم المستخرج من الأرض
وفي بلدية "إلازيغ" شرقي تركيا، تمكنت البلدية من إنتاج حوالي 15 مليون كيلوواط من الطاقة الكهربائية خلال العام 2016 في مكب النفايات الصلبة عبر تحويل نفايات المواطنين في الولاية، واستنادًا إلى معطيات مؤسسة الاحصاء التركية، أكّد يانلماز رئيس بلدية إلازيغ أن حجم النفايات التي جمعتها البلديات في عموم البلاد بلغ حوالي 28 مليون طن خلال العام، وهو يكفي لإمداد حوالي مليوني منزل بالطاقة الكهربائية.
إحدى محطات توليد الكهرباء من النفايات في تركيا
وتعمل البلدية في إطار جهودها الرامية لمنع انبعاث غاز الميثان والحفاظ على نظافة البيئة، على تحويل 400 طن من النفايات المنزلية يوميًا إلى طاقة كهربائية تزود حوالي 10 آلاف منزل بالكهرباء. يتمتع المكب الموجود في الولاية منذ العام 2014 بقدرة على إنتاج 2.8 ميغا واط من خلال استخدام 400 طن من النفايات لإنتاج الغاز الحيوي.
استغلال النفايات على هذه الشاكلة يضيف قيمة كبيرة للاقتصاد والإنتاج المحلي، إذ يقلل من استيراد الطاقة من الخارج بالاعتماد على موارد محلية للإنتاج الكهرباء للبيوت المنشآت والمصانع وغيرها، ففي تركيا التي تستورد قرابة 90% من حاجتها للطاقة من روسيا وبلدان أخرى يعد استغلال النفايات وموارد نظيفة في البلاد كتوليد الكهرباء من الرياح والمياه..توفير في ميزانية الحكومة، ومن جهة أخرى التحول نحو الاكتفاء الذاتي.
بعيدًا عن النتيجة المتحصلة عليها من النفايات وهي الكهرباء فإن حرق غاز الميثان المستخرج من النفايات في المكبات يمنع انبعاث الغازات الكربونية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وحسب رئيس بلدية "إلازيغ" فيعتقد أن "حماية البيئة والحصول على الدخل عبر إنتاج الطاقة الكهربائية، وخاصة من النفايات، أمر مهم للغاية". فغاز الميثان الذي يصدر عن طمر النفايات بشكل غير صحي يمكن أن يكون له أضرارًا وخيمة على البيئة، وهو أشد بـ 25 ضعفًا من ضرر ثاني أكسيد الكربون.
حجم النفايات التي جمعتها البلديات في عموم تركيا بلغ حوالي 28 مليون طن خلال 2016 وهو يكفي لإمداد حوالي مليوني منزل بالطاقة الكهربائية.
وفي ألمانيا هناك أكثر من 70 منشأة لمعالجة النفايات منتشرة في جميع أنحاء البلاد، إحدى تلك المنشآت موجودة في مقاطعة شتوتغارت التي تحتوي على مصنع سيارات "مرسيدس" تتنج الطاقة من حوالي 500 ألف طن من النفايات كل العام، بعضها يستغل لإنتاج الكهرباء والبعض الآخر للتدفئة. حيث تعمل المنشأة على معالجة حوالي ثلث النفايات الناتجة في جنوب غرب ألمانيا، لبتم تحويلها إلى طاقة كهربائية كافية لتزويد حوالي 35000 منزل بالكهرباء، هذا غير تزويد 25 ألف منزل و1300 شركة و300 مبنى حكومي بالطاقة الحرارية التي تستغل في التدفئة.
يُذكر أن هذه التقتية شهدت تطورات كبيرة على مدار العقود الماضية وهي موجودة منذ العام 1960 في ألمانيا بعدما بدأ الناس يستهلكون منتجات بشكل غير عادي في مرحلة الازدهار الاقتصادي التي شهدتها ألمانيا آنذاك.
في ألمانيا هناك أكثر من 70 منشأة لمعالجة النفايات منتشرة في جميع أنحاء البلاد
أما في العالم العربي، فلا يزال استخدام هذه الخاصية قليل نسبيًا وذلك يعود إلى وجود الوقود الأحفوي في كثير من البلدان العربية بكميات ضخمة، أما الواقع يقول أن استغلال النفايات لم يعد مجرد حاجة كمالية بقدر ما هي ضرورة ماسة للحفاظ على البيئة، والتخلص من النفايات بطريقة صحية.
منظر لمشكلة النفايات في لبنان
وتعد قطر إحدى الدول العربية الرائدة والطامحة على مستوى الشرق الأوسط لتحقيق مستقبل مستدام للتخلص من النفايات بطريقة صديقة للبيئة. فهناك منشأة لمعالجة حوالي 3200 طن من النفايات يوميًا، وقد وصلت إلى تدوير 23% من نفايتها كنفايات الورق والبلاستيك والمعادن بعد أن كانت 8% فقط، كما تم تقليص الكميات التي كانت تستقر في المكبات إلى 64% بعد أن كانت تشكل 92%. بالإضافة إلى مشاريع أخرى في الإمارات والأردن ودول عربية أخرى.
غاز الميثان
يعد غاز الميثان من المصادر المهمة لتوليد الطاقة لأنه أحد المكونات الرئيسية للغاز الطبيعي، إذ يتكون من أربع جزيئات من الهيدروجين وجزيء من الكربون، وكيميائيًا يرمز له CH4، وهو غاز آمن من حيث أنه لا يُنتج الدخان الذي يُلوّث البيئة، ويعرف بأنه اقتصادي وتكلفته معقولة. يستخرج غاز الميثان من الرواسب الجيولوجية، ويُمكن الحصول عليه أيضًا من قاع المستنقعات والبحار والمحيطات، ومن تحلّل المواد العضوية، ومن الفحم الحجري. يكون في حالته الخام عديم الرائحة لذا تتمّ إضافة الكبريت إليه عند تصنيعه لتسهيل الكشف عن تسرب الغاز.
غاز الميثان الذي يصدر عن طمر النفايات بشكل غير صحي يمكن أن يكون له أضرارًا وخيمة على البيئة، وهو أشد بـ 25 ضعفًا من ضرر ثاني أكسيد الكربون.
الفكرة الأساسية من إنتاجه هي أن توضع المواد التي تحتوي على غاز الميثان في جو منعزل لا هواء فيه مثل المطامر، مما يسمح للبكتيريا بتحليلها وتعفُّنها، وكذلك الحماية من خطر اختلاط الغاز بالأكسجين الذي يُسبّب اشتعاله.
ويستخدم هذا الغاز في معالجة النفايات العضوية وتخليص البيئة منها بشكل آمن، وكمصدر لإنتاج الطاقة الكهربائية، يُمكن استخدامه كبديل للبنزين لتشغيل السيارات، والآلات والمحركات، ويُستخدم أيضًا لأغراض التسخين مثل الطبخ، وينتج عن الميثان عند تعرّضه للشمس مادة الكلوروفورم، وتحضير مادة النيتروميثان منه - مادة تُستخدم في الأدوية الطبية - ويُستخدم في المبيدات الحشرية. وأخيرًا يعتبر غاز الميثان من مصادر الطاقة المتجدّدة والتي يصعب نفاذها بسهولة؛ حيث إنّ هناك ملايين الأطنان منه لا زالت في قيعان المحيط ممّا يعطي العالم كميّةً احتياطيّة للغاز للسنوات القادمة.