الأدب والفن
فن وموسيقى ومسرح..
السعودية تحيي عيدها الوطني الـ89 خارج إطار الصحوة
صورة السعودية اليوم عكست الصفاء
شارك محرك البحث غوغل الاثنين 23 سبتمبر السعوديين احتفالاتهم بالعيد الوطني الـ89 للمملكة العربية السعودية. واختار غوغل لهذه المناسبة شعارا يظهر فيه العلم السعودي يرفرف داخل نصف دائرة خضراء وفي الخلفية تظهر سماء صافية. حمل هذا الشعار الكثير من الدلالات الإيجابية بالنسبة للسعوديين الذين رأوا في الخلفية التي تظهر فيها السماء الصافية حالة الهدوء التي تعيشها السعودية رغم قوة الإصلاحات التي شهدتها والتي تعد بمثابة الرجة في مجتمع مثل المجتمع السعودي. كما عكست صورة السعودية اليوم ذلك الصفاء، وهي تحتفل بعيدها الوطني خارج إطار “الصحوة” وبعيدا عن سواد التشدد الذي يمنع حتى الاحتفال بهذا العيد الوطني.
احتفلت المملكة العربية السعودية الاثنين بعيدها الوطني، وهي أكثر حزما وعزما في مواجهة التحديات. واستقبلت السعودية عيدها الـ89 برؤية شابة تؤسس لمرحلة جديدة من تاريخها فيها الكثير من الإصرار على الانسجام مع متطلبات العصر وحاجيات المستقبل.
اختار السعوديون أن يحوّلوا العيد الوطني هذه السنة إلى مناسبة للتأكيد على أن لا مجال للركود والجمود أو التمترس خلف قيود انتهت مدة صلاحيتها، فإما أن تتقدم وتقتحم وتصارع من أجل البقاء وإما أن تتراجع وتتنازل وتضمحلّ.
تحول العيد إلى مناسبة للتأكيد على صحة الرؤية التي تبشر بها القيادة السعودية التي أضحت أكثر جرأة على اتخاذ المبادرة، سواء داخليا أو خارجيا. احتفل السعوديون الاثنين بعيد بلادهم الوطني، واحتفلوا أيضا بما أنجز من إصلاحات اجتماعية واقتصادية وثقافية، وبما سيأتي من إصلاحات في إطار عملية تغيير يومي.
المرأة تحصل ليس على قرارات على ورق الحكومة تتضمن حقوقها، ولكن على إجراءات لبلورة تلك الحقوق إلى ممارسة فعلية. الشباب الذي يمثل 70 بالمئة من عموم السكان، بات أكثر رضا على الواقع وتفاؤلا بالمستقبل. التشدد ينزاح بعيدا. والانفتاح يأخذ طريقه إلى حياة الناس. والمشاريع الاستراتيجية العملاقة تتوزع على خارطة شاسعة هي مساحة تلك الدولة التي انتهى الملك عبدالعزيز آل سعود من توحيدها قبل 87 عاما.
تحريم العيد الوطني
إلى وقت قريب، كان في داخل السعودية من المتشددين من يحرّمون حتى الاحتفال بعيدها الوطني. ولا يريدون للحياة أن تكون لها بهجة. فالفن والموسيقى والمسرح والسينما والتصوير رجس من عمل الشيطان، ارتفعت وتيرة هذا التشدد مع ظهور ما سميت بـ”الصحوة” التي تزاوج فيها الفكر السلفي مع الفكر الإخواني القطبي من خلال التيار السروري الذي تأسس في الداخل السعودي لتتشكل ظاهرة السلفية الجهادية.
وقد وجدت هذه الظاهرة من ينشرها في العالم العربي والإسلامي اعتمادا على سلطة المال والإعلام، ومن خلال خلايا طالما تحركت بذريعة الدعوة ليتناسل منها إرهابيون اعتقدوا أنهم يحتكرون الدين فأباحوا الذبح والتفجير وتدمير الدول وتكفير المجتمعات ونشر الخراب وبذر الفتن الطائفية والمذهبية بشكل غير مسبوق على الأقل في العصر الحديث.
وخلال ما لا يقل عن ثلاثة عقود، ظهر من داخل السعودية دعاة الفتنة ممن يفسرون بطريقتهم معاني الوطنية والنظريات الفكرية والسياسية والاستراتيجية والاكتشافات العلمية والاختراعات التقنية والحريات العامة والخاصة والقضايا الدولية وعقائد الشعوب والمجتمعات والإبداعات الفنية والثقافية، باعتبارهم الوحيدين الذين يمتلكون الحقيقة، من خلال كتب تراثية وقف فيها العقل عند تاريخ تحبيرها قبل أن يخترع الإنسان الكهرباء والمحرك، وقبل إن يثبت العقل الإنساني قدرته على أن يكون سيد نفسه بما يبدع وينجز ويستبطن من المعارف ويستنتج من النظريات ويخترق من آفاق الكون الرحب الفسيح
وليس خافيا أن أولئك الدعاة تسببوا في هدر دماء البشر في مساحات شاسعة من العالم. وكانوا وراء انتشار ظاهرة الإرهاب التي لا تزال إلى اليوم تضرب شرقا وغربا، وغرروا بالشباب الغافل ودفعوا به إلى محرقة القتال في أكثر من جبهة، وعلى أكثر من صعيد، ونفذوا جرائمهم حتى داخل المملكة نفسها، فكانت العمليات الإرهابية العنيفة التي استهدفت مؤسسات الدولة، وحاولت أن تدفع إلى التمرد. وكانت هذه العمليات للأسف تجد متعاطفين معها ممن تم شحنهم بأفكار معادية للوطن والوطنية والدولة ومفهومها وللمجتمع ككل، وهو ما لم يتم الانتباه إليه إلا بعد ما انطلق مدّ الفوضى تحت مسمى الربيع العربي الذي كان فيه لدعاة السعودية دور واضح، ومنهم على سبيل المثال سليمان العودة ومحمد العريفي وسعد البريك وناصر العمر ومحسن العواجي ويوسف الأحمد وعائض القرني وعلي العمري وغيرهم ممن كانوا يبدون ولاء ظاهرا للدولة يضمرون وراءه مشروعهم الانقلابي عليها مدفوعين بأجندات إقليمية ودولية مرتبطة بمشروع الإسلام السياسي.
الدولة المركزية
لكن، اليوم وعندما نتحدث عن السعودية فنحن نتحدث عن الدولة المركزية التي تمثل عماد العالم العربي بمكانتها الروحية والحضارية والاقتصادية والجغرافية، والتي بدأت منذ سنوات تمسك بصولجان الفعل السياسي والأمني والاستراتيجي في مواجهة المخاطر التي تتهدد المنطقة، لذلك تجد نفسها مستهدفة سواء من النظام الإيراني ومشروعه الطائفي المبني على تاريخ طويل من الأطماع التوسعية العنصرية الفارسية، أو من المشروع الطوراني الأردوغاني الملتحف بالعباءة الإخوانية والذي يجد في قطر وتابعيها من قوى الإسلام السياسي والتيارات الثورية الراديكالية لما بعد ما سمي بالربيع العربي حصان طروادة لاختراق الأمن القومي العربي عبر التعدي على محور الاعتدال العربي الذي تتزعمه السعودية.
باتت الرياض اليوم تدرك جيدا ما لها وما عليها، وتقرأ طبيعة ما يدور حولها بكثير من الوعي الاستشرافي، لذلك تتزعم تحالف دعم الشرعية في اليمن لقطع الطريق أمام المشروع الإيراني على حدودها الجنوبية، ولضمان الأمن القومي العربي في بحر العرب وخليج عدن وباب المندب والقرن الأفريقي من خلال نصرة الشعب اليمني في مواجهة الإرهاب بوجهيه الحوثي والإخواني المتشكلين في وجوه عدة، والمدعومين بآليات الإرهاب المتحركة على أكثر من صعيد، في محاولة لشلّ دور المملكة عبر استهدافها من الداخل، كما حدث مؤخرا في الاعتداء على منشأتين تابعتين لأرامكو؛ عملاق صناعة النفط في العالم، والذي تبين أن وراءه إيران تخطيطا وتسليحا وتمويلا
يبدو الهدف الإيراني واضحا وهو الضغط على العالم من خلال تهديد المملكة ذات الدور الكبير في ضمان سلاسة تزويد الأسواق الدولية بالنفط، لكنه يرتبط كذلك بمشروع إقليمي تقوده إيران ضد الدول العربية بغاية الاختراق السياسي والثقافي، والتلاعب بمصالحها عبر الترويج لثقافة الفوضى والتمرد والانقضاض على سيادة الدولة ومؤسساتها كما حدث في اليمن والعراق ويحدث في لبنان وفشل في البحرين.
والمخططات الإيرانية ليست بعيدة عن المخططات الأردوغانية القطرية الإخوانية التي تخصص موازنات مالية ضخمة وتقنيات حديثة وجيوشا من الناشطين في عدد من العواصم العربية والأجنبية للتحريض على السعودية والتآمر على قيادتها والتشكيك في ريادتها والمساس بحلفائها الأساسيين الفاعلين مثل الإمارات والبحرين ومصر.
مع ذلك، تتحرك السعودية يوميا في اتجاه أهدافها المرسومة رؤيويا، معتمدة على عنصر الاقتحام السياسي والدبلوماسي. تخوض سباق القدرة نحو إعادة رسم الأولويات في المنطقة العربية والإسلامية. وتتحرر من تاريخ طويل من سياسات التموقع في قراءة وجهة النظر الواحدة للعالم.
اليوم هناك تحرك على أكثر من صعيد. وهناك تحالفات لافتة مع مختلف الأقطاب الدولية ومع الدول الصاعدة. وهناك التزام واضح بالأمن القومي العربي عبر التوجه نحو تشكيل ثوابت جديدة للعمل المشترك مع الأشقاء سيكون له أثر على مستقبل المنطقة. فالعروبة لم تعد في رؤية القيادة السعودية مجرد صفة ثقافية وحضارية ملحقة بالاسم الرسمي للمملكة، وإنما هي بالأساس مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي واستراتيجي بعناوين التكامل والتضامن وتوحيد الصفوف لخوض المعركة المشتركة ضد التحديات.
تدرك السعودية أن العرب يخوضون اليوم صراعا حقيقيا بين قواهم التقدمية الحداثية المدنية وبين القوى الفوضوية الظلامية المتشددة والمشدودة إلى مشاريع إسلاموية ذات أهداف انقلابية على المجتمعات وفق ما يخدم أهداف الجماعات المنقسمة في ولاءاتها بين المرشد الإيراني والخليفة العثماني والتي يمكن أن تتحد تحت مظلة العداء للدولة الوطنية وللقوة المركزية للعرب، ما يجعل دورها ملحّا وأساسيا في التصدي للمؤامرات التي حيكت أو تحاك ضد المنطقة ككل، حيث لم يعد هناك مجال للمهادنة مع الأعداء، وهي التي لديها القدرة على المبادرة وتفعيلها انطلاقا من أهمية ما تحتكم عليه من قيمة الموقع والمقدرات والموقف والرؤية والقرار.
السعودية اليوم، هي القوة الإقليمية التي تسير على منهج ترسيخ موقعها المدعوم من حلفائها كصاحبة قرار دولي فاعل ومؤثر بما يعطيها الحق في امتلاك كل مقومات الردع الاستراتيجي للأطماع الإقليمية، ليس فقط لتحصين نفسها ولكن كذلك لحماية الاقتصاد العالمي التي تمثل أهم شرايين الطاقة فيه، وللدفاع عن المنطقة العربية التي استباح الإيراني والتركي بعض أجزائها بواسطة التدخل المباشر في دول كالعراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، إلى جانب التصدي لعنف التكنولوجيا وفوضى الاتصال وتوحش الأيديولوجيا وانتشار الإرهاب.
تحتفل السعودية بعيدها الوطني، وهي في قلب المواجهة الشاملة التي تمتد على مساحة واسعة من الإقليم، لكن ما يبعث الطمأنينة في النفس أن السعودية اليوم تستطيع بالحزم والعزم والإصلاح أن تقود معركتها وهي متماسكة ومتراصة الصفوف من الداخل ومدركة لطبيعة دورها كقوة فعل وتأثير بالغي الأهمية إقليميا ودوليا.