بحوث ودراسات
"بريم" تسلط الضوء على زيارة وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان إلى طهران..
التحرك السعودي نحو إيران.. موازنة نفوذ أم اصطفاف - قراءة في ديناميكيات الردع الإقليمي وتوازن القوى
وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان خلال لقائه الرئيس الإيراني في طهران - عن وسائل إعلام سعودية وإيرانية
سلّطت مجلة "بريم"، الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات في عددها الرابع عشر لشهر إبريل/نيسان 2025، الضوء على زيارة وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، إلى طهران يوم 17 أبريل/نيسان 2025، واصفة إياها بـ"لحظة مفصلية" في مسار العلاقات السعودية-الإيرانية. هذه الزيارة، التي تُعد تتويجًا لجهود دبلوماسية بدأت مع اتفاق بكين عام 2023، أثارت اهتمامًا واسعًا لما قد تحمله من إعادة تشكيل ديناميكيات التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط.
وجاءت الزيارة وسط توترات إقليمية متصاعدة، يبرز فيها الملف النووي الإيراني والصراعات بالوكالة في اليمن وسوريا ولبنان وغزة. ومع تهديدات أمريكية بتوجيه ضربات عسكرية ضد إيران في حال فشل المفاوضات النووية، تسعى السعودية إلى نزع فتيل أي تصعيد قد يهدد استقرار المنطقة. كما أن تنامي نفوذ قوى عالمية مثل الصين وروسيا دفع الرياض إلى تبني سياسة "حياد نشط"، تقلل الاعتماد على واشنطن وتوسّع خياراتها الاستراتيجية.
وخلال الزيارة، التقى الأمير خالد بن سلمان بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، حاملًا رسالة خطية من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز. كما أجرى مباحثات مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ورئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري، ركّزت على تعزيز العلاقات الثنائية، ضمان الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب.
وكشفت قراءة تحليلية نشرتها "بريم" أن الزيارة تعكس دوافع سعودية براغماتية تهدف إلى حماية المصالح الوطنية وتحقيق الاستقرار الإقليمي. وأوضح محللون أن الرياض تسعى لإيصال رسالة واضحة إلى واشنطن وتل أبيب بأنها لن تكون جزءًا من استراتيجية "الضغط الأقصى" أو أي مغامرة عسكرية ضد إيران. كما تسعى الزيارة إلى تعزيز استقلالية القرار السعودي، مستفيدة من الوساطة الصينية وصعود قوى مثل روسيا.
ملف اليمن تصدّر الأولويات، حيث رافق الوفد السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، مما يؤكد حرص الرياض على الاستفادة من نفوذ إيران لدى جماعة الحوثيين لتثبيت الهدنة ودفع مفاوضات سياسية شاملة. وتتماشى الزيارة مع رؤية السعودية 2030، التي تربط التنمية الاقتصادية بالاستقرار الإقليمي، عبر جذب الاستثمارات وتطوير التعاون في قطاع الطاقة.
ورحّبت إيران بالزيارة كدليل على قوتها الإقليمية، خاصة في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية. وأكد المرشد الأعلى، علي خامنئي، أن التعاون بين طهران والرياض "مفيد للبلدين" و"أفضل من الاتكاء على الآخرين"، مشيرًا إلى أهمية التكامل بين الدولتين. ويرى المسؤولون الإيرانيون أن الزيارة تعزز موقفهم التفاوضي في المحادثات النووية وتساهم في كسر العزلة الدولية.
ومع ذلك، تتمسك إيران باستراتيجية "الدفاع الأمامي" عبر دعم جماعات مثل الحوثيين وحزب الله، وهو ما قد يعيق التعاون العميق مع السعودية. ووصف السفير الإيراني لدى الرياض، علي عنايتي، الزيارة بأنها "مهمة للغاية"، مؤكدًا التزام البلدين بتفعيل العلاقات الثنائية وتعزيز استقرار المنطقة.
وتُعد الزيارة خطوة نحو نظام إقليمي أكثر توازنًا، يعتمد على التعاون بدلًا من الصدام. وفي اليمن، ساهمت الزيارة في تسريع الجهود الدبلوماسية، مع تقارير تشير إلى تقليص إيران لدعمها العسكري للحوثيين منذ مطلع 2024، ودعم السعودية لمفاوضات سياسية بدعم أممي وعماني. كما يُتوقع أن يفتح التعاون الاقتصادي المحتمل، خاصة في مجال النفط، آفاقًا لاستقرار الأسواق العالمية.
لكن التحديات لا تزال قائمة، أبرزها تمسك إيران بدعم الجماعات المسلحة، وحذر السعودية من العقوبات الغربية على طهران. كما تتطلب الخلافات التاريخية والإيديولوجية جهودًا مستمرة لبناء ثقة متبادلة.
وأكد المحلل السعودي علي الشهابي في تصريح لصحيفة "فايننشال تايمز" أن "السعودية تريد توضيح أنها لن تكون منصة للهجوم على إيران"، مشددًا على دعم الرياض لتسوية دبلوماسية للملف النووي. هذه الرسالة تؤكد تحول السياسة السعودية نحو البراغماتية، مع إعطاء الأولوية لاستقرار المنطقة بدلًا من الاصطفاف خلف السياسات الأمريكية.
وتشير الزيارة إلى انطلاق مرحلة جديدة من التعاون الحذر بين السعودية وإيران، مع إمكانية تحديث اتفاق التعاون الأمني لعام 2001 وتفعيل التبادل التجاري. ومع ذلك، يتوقف نجاح هذا المسار على قدرة الطرفين على تجاوز العقبات، خاصة في ملفات حساسة مثل اليمن والمفاوضات النووية. وكما أشارت "بريم"، فإن الزيارة ليست نهاية الخلافات، بل بداية لتحويل لغتها من الصدام إلى الحوار.
وتُمثل زيارة الأمير خالد بن سلمان إلى طهران خطوة استراتيجية قد تُرسي أسس نظام إقليمي متعدد الأقطاب، يعزز الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط. لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية قوية وتنازلات متبادلة لتجاوز إرث التنافس وفتح صفحة جديدة من التعاون.
- القراءة كاملة من هنا: التحرك السعودي نحو إيران.. موازنة نفوذ أم اصطفاف – قراءة في ديناميكيات الردع الإقليمي وتوازن القوى