بحوث ودراسات
"انتشار البعوض مرتبط ببيئة ملوثة"..
تفشي الحميات الفيروسية في عدن ولحج.. دراسة تحليلية لانتشار البعوض في البريقة والحوطة وتبن وسط أزمة الحرب
الحالات المصابة بالحميات الفيروسية شهدت ارتفاعًا ملحوظًا
تشهد مدينة عدن (العاصمة) ومحافظة لحج – لا سيما مديريات البريقة والحوطة وتبن – انتشارًا واسعًا للبعوض، وهذا يمثل مشكلة صحية كبيرة، فهي مصحوبة بتزايد حالات الإصابة بأمراض الحميات الفيروسية كحمى الضنك (وحمى الشيكونغونيا (المكرفس) وهي حمى تسبب آلامًا شديدة في المفاصل والعضلات بسبب فيروس ينتقل عن طريق البعوض والملاريا، ويعود السبب للظروف المناخية مثل حرارة الصيف والرطوبة العالية التي تمثل بيئة ملائمة لتكاثر البعوض، حيث يُعدُّ البعوض الناقل الرئيس للفيروسات، فضلًا عن ذلك، تسهم الممارسات البيئية السلبية مثل تراكم المياه الراكدة والنفايات في زيادة عدد مواقع التكاثر البعوض، ومن ثم تفشي هذه الأمراض.
وتشير التقارير إلى أن الحالات المصابة بالحميات الفيروسية شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، مما أدى إلى ضغوط على الخدمات الصحية، ولذلك فإن الجهود المبذولة تحتاج إلى تكاثف للتوعية المجتمعية حول طرق الوقاية، بالإضافة إلى تنفيذ حملات رش مبيدات الحشرات والسيطرة على تجمعات المياه. وبشكل عام، يُعدُّ التنسيق بين الجهات الصحية المحلية والمجتمع ضروريًا للحد من تفشي هذه الأمراض والحفاظ على الصحة العامة.
ولذلك تهدف هذه الورقة البحثية إلى تحليل الظاهرة من جوانبها البيئية والصحية، ورصد أوجه القصور في الاستجابة الرسمية، واستعراض آراء وتصريحات مسؤولين من قطاعات الصحة والبيئة والنظافة والسكان المحليين، واقتراح حلول واقعية لمواجهة الأزمة المتكررة.
Mosquito prevalence and viral fever outbreaks in Aden and Lahj governorates: an analytical study in Al-Buraiqah, Al-Hawtah, and Tuban districts.
Dr. Shura Fadl Ahmed Salem Mahjaf
Abstract
Aden and Lahj governorates—particularly the districts of Al-Buraiqah, Al-Hawtah, and Tuban—are experiencing a widespread mosquito population. This poses a major health problem, coupled with an increase in viral fevers such as dengue fever (and chikungunya fever, a fever that causes severe joint and muscle pain caused by a virus transmitted by mosquitoes) and malaria. This is due to the prevailing Climate conditions such as summer heat and high humidity create favorable breeding grounds for mosquitoes, which are the primary vectors of viruses. Additionally, negative environmental practices such as the accumulation of stagnant water and waste contribute to an increase in the number of breeding sites.
Reports indicate that cases of viral fever have increased significantly, putting pressure on health services. Therefore, efforts to raise community awareness about preventive methods are required, in addition to implementing insecticide spraying campaigns and controlling water bodies. Overall, coordination between local health authorities and the community is essential to limit the spread of these diseases and maintain public health.
Therefore, this research paper aims to analyze the phenomenon from its environmental and health aspects, identify shortcomings in the official response, review the views of local residents, and propose realistic solutions to address the recurring crisis
مقدمة:
يتضاعف في هذه البلاد خطر حمى الضنك والملاريا على النساء والأطفال بسبب هشاشة النظام الصحي، ومحدودية الرعاية، وسوء التغذية الذي يضعف المناعة. وتُعدُّ النساء الحوامل والأطفال هم الأكثر عرضة للمضاعفات، كما أن العبء الاجتماعي والاقتصادي لرعاية المرضى يقع غالبًا على النساء. ويزيد انتشار الملاريا من هذا العبء ويتداخل مع تشخيص حمى الضنك، بينما يسهم النزوح في انتشار الأمراض، وتؤكد الدراسات على هذه المخاطر المتزايدة وتحت وطأة أزمة إنسانية مُعقدة، تواجه البلاد تحديًا صحيًا مُتصاعدًا يتمثل في تفاقم انتشار الأمراض المنقولة بالنواقل، وعلى رأسها الملاريا وحمى الضنك. ([1])https://alyoum8.net/posts/95502
ويُعدُّ البعوض من أخطر نواقل الأمراض عالميًا، حيث يُعدُّ الناقل الأساسي للعديد من الحميات الفيروسية، مثل حمى الضنك وحمى الشيكونغونيا (المكرفس) والملاريا، مما يؤدي إلى ازدياد حالات الإصابة لاسيما في فترات معينة من السنة، حيث تعاني هاتان المحافظتان(عدن ولحج) كغيرها من المناطق الاستوائية من انتشار واسع للبعوض الذي يُشكل تهديدًا لصحة السكان.
فحُمّى الضنك عدوى فيروسية تنتقل إلى البشر عند تعرضهم لقرص البعوض الحامل لعدوى المرض، ونصف سكان العالم تقريبًا معرّضون الآن لخطر الإصابة بحُمّى الضنك، وتشير التقديرات إلى حدوث حالات عدوى تتراوح بين 100 و400 مليون حالة سنويًا.
وتظهر حُمّى الضنك في المناخات المدارية وشبه المدارية في العالم، لاسيما في المناطق الحضرية وشبه الحضرية.
رغم أن كثير من حالات العدوى بحُمّى الضنك غير مصحوبة بأعراض أو لا تسبّب إلا اعتلالات خفيفة، فإن فيروس المرض يمكن أن يسبّب أحيانًا حالات أكثر وخامة، بل قد يسبب الوفاة. ([2]) https://www.who.int/ar
وقد شهدت محافظتا عدن ولحج، بمديرياتها كافة، انتشارًا كثيفًا للبعوض فيما يُعرف بـ "موسم البعوض"، مما أسفر عن تزايد الإصابات بأمراض الحميات الفيروسية المنقولة بوساطته، ويأتي هذا الانتشار في ظل تدهور الخدمات الصحية وارتفاع أسعار الأدوية، ما يؤدي أحيانًا إلى حالات وفاة، كما حدث خلال مواسم سابقة شهدت موجات قاتلة من الحميات، إلا أن الموسم الحالي فاق سابقاته، حيث يتساءل المواطنون: متى ستصل حملات الرش الضبابي إلى أحيائنا؟ أم أنه لا تحرّك إلا بعد أن تتحول الأزمة إلى كارثة صحية وبيئية؟([3])البيئة الموبوءة لا تنتج سوى الأوبئة".2025م.
وقد تفاقم انتشاره في محافظتي عدن ولحج خلال السنوات الأخيرة، وهذا يمثل تحديًا صحيًا وبيئيًا متصاعدًا. وتزامن ذلك مع التدهور البيئي والنقص في الخدمات الصحية وتغيرات مناخية مثل الحرارة والرطوبة أفرزت بيئات خصبة لتكاثره، ما أسفر عن موجات تفشي متكررة للأمراض الفيروسية كالحميات، وتفشيها بشكل متزايد، مما شكلت عبئًا مضاعفًا على السكان والقطاع الصحي على حد سواء، وهذا التحدي يتطلب مواجهة من خلال زيادة الوعي لدى المجتمع حول ضرورة اتخاذ تدابير وقائية.
وكذلك تضافر الجهود بين الجهات الصحية والمواطنين، من خلال توعية المجتمع بطرق الوقاية ومكافحة البعوض، فضلًا عن تحسين البيئة المحيطة للقضاء على مواقع التكاثر، وتُعد هذه الخطوات ضرورية للحد من انتشار الأمراض والحفاظ على صحة السكان في محافظتي عدن ولحج.
مشكلة البحث: -
تتمثل المشكلة الأساسية في التزايد المستمر لأعداد البعوض في محافظتي عدن ولحج، وتراجع قدرة الجهات المختصة على مكافحته، مما أدى إلى تفشي الحميات الفيروسية على نطاق واسع. وتُثار هنا تساؤلات حول الأسباب البيئية والمؤسسية الكامنة وراء هذه الظاهرة، ومدى كفاءة التدخلات الصحية والوقائية.
إن انتشار البعوض وتفشي الحميات الفيروسية في محافظتي عدن ولحج تتجلى في التزايد الملحوظ في أعداد المصابين بهذه الأمراض، فضلًا عن التأثيرات السلبية التي لها على الصحة العامة والاقتصاد المحلي، ومع تزايد الحالات، يبدو أن هناك قلقًا متزايدًا بين السكان بشأن كيفية السيطرة على هذه المشكلة.
وقد كان من أسباب انتشار البعوض العوامل البيئية والاجتماعية التي أسهمت في تكاثر البعوض، كتأثير تغير المناخ وكذلك المياه الراكدة والنفايات وعدم كفاية برامج الرش والمكافحة.
وقد شهدت عدن ولحج في السنوات الخمس الأخيرة تصاعدًا لافتًا في تكاثر البعوض وانتشاره، نتيجة للتغيرات المناخية، لاسيما الفيضانات التي خلّفت بركًا ومستنقعات شكلت بيئة خصبة لتكاثر البعوض. فضلًا عن تلوث الهواء بسبب ارتفاع معدلات الحرق، وتراجع التنوع البيئي نتيجة تدخلات بشرية غير مدروسة. كما أن تكدّس النفايات ومياه الصرف الصحي في الأماكن العامة أسهم في تفشي الحشرات والقوارض، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، ما جعل المحافظتين بيئة ملائمة لتكاثر البعوض وانتشاره.
إلى جانب ذلك، أدّى استقبال عدن ولحج لآلاف النازحين من مناطق الحرب كتعز والحديدة إلى ارتفاع خطر انتشار الأمراض المعدية، إذ ينقل البعوض الفيروسات من دم مصاب إلى آخر سليم.
أهمية البحث: -
تكمن أهمية البحث في الآتي: -
1. أهميته للصحة العامة، فهو يُعدُّ ضروريًا لفهم كيفية انتشار هذه الأمراض وتأثيرها على صحة الأفراد والمجتمعات، من خلال تقديم بيانات دقيقة وتوفير معلومات قيمة للجهات الصحية لتصميم حملات وقائية فعالة، مما يسهم في تقليل معدلات الإصابة والوفيات.
2. توجيه السياسات الصحية نحو المناطق الأكثر تأثرًا، من خلال تحديد العوامل البيئية والاجتماعية المرتبطة بانتشار البعوض، مما يمكن السلطات المحلية من اتخاذ قرارات مستندة إلى الأدلة لتحسين استراتيجيات المكافحة وتخصيص الموارد بشكل أكثر فعالية.
3. تعزيز الوعي المجتمعي حول المخاطر الصحية المرتبطة بانتشار البعوض والحميات الفيروسية، من خلال تقديم المعلومات والحقائق حول كيفية انتقال الأمراض، مما يساعد في تحفيز السكان على اتخاذ تدابير وقائية مثل تحسين النظافة الشخصية والبيئية ومكافحة البعوض.
4. الدراسات البيئية تساعد في فهم الأنظمة البيئية التي تؤدي إلى انتشار البعوض، من خلال دراسة العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة، فضلًا عن البيئة الحضرية مثل إدارة النفايات والمياه، كل هذه المعرفة يمكن أن تُستخدم لتطوير استراتيجيات مستدامة لمكافحة انتشار البعوض.
5. المساهمة في التنمية المستدامة من خلال تقليل انتشار الأمراض المنقولة بواسطة البعوض، وهو ما يساعد على تحسين جودة الحياة في المجتمع، فالعيش في بيئة صحية تعني المزيد من الإنتاجية وحياة أفضل، مما يُعزز من قدرة المجتمعات على التطور والنمو.
6. البحث هذا يُعدُّ مدخلا مهمًا لمزيد من الدراسات العلمية التي تتعلق بصحة المجتمع، من خلال جمع البيانات وتحليلها، مما يمكن الباحثين من الاستفادة من النتائج لتوسيع نطاق معرفتهم وفهمهم للتحديات الصحية التي يمكن أن تسهم أيضًا في تطوير الحلول المستقبلية.
أهداف الدراسة:
- تحليل أسباب انتشار البعوض في محافظتي عدن ولحج تشمل ما يلي:
أ _ دراسة العوامل البيئية التي تؤثر على تكاثر البعوض، مثل مصادر المياه الراكدة والحرارة والرطوبة.
ب _ تحليل تأثير الكثافة السكانية وتوزيعها على زيادة انتشار البعوض، وكذلك تأثير أنماط الحياة اليومية للسكان.
ج _ دراسة كيفية تأثير سلوكيات الأفراد، مثل طرق التعامل مع المياه وتخزينها، على تكاثر البعوض.
د _ تقييم تأثير التغيرات المناخية والمواسم على مستويات تكاثر البعوض.
هـ _ دراسة كيف يمكن أن تؤثر الأنشطة الزراعية أو الصناعية على انتشار البعوض والإصابات المرتبطة به.
و _ استخدام النتائج لتطوير برامج وقائية موجهة تعمل على تقليل مخاطر انتشار البعوض، بناءً على البيانات والأنماط المكتشفة.
ز _ تزويد المعنيين بالبيانات اللازمة التي تدعم وضع سياسات صحية وإجراءات للتقليل من انتشار البعوض والأمراض المرتبطة به.
- تحديد الأمراض المرتبطة بوجود البعوض وتقييم مدى خطورتها تتركز في الآتي:
أ _ التعرف على الأمراض الفيروسية والبكتيرية المرتبطة بوجود البعوض، مثل حمى الضنك، والملاريا، وغيرها.
ب _ دراسة مدى انتشار هذه الأمراض في المجتمع وتأثيرها على الصحة العامة، بما في ذلك تحديد الفئات الأكثر عرضة للإصابة.
ج _ تحديد العوامل التي قد تزيد من خطورة هذه الأمراض، مثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والنظام الصحي المحلي، والتغيرات البيئية.
د _ تقييم التكلفة الاقتصادية المرتبطة بالأمراض الناتجة عن البعوض، بما في ذلك تكاليف العلاج، وفقدان الإنتاجية، والأثر على النظام الصحي.
هـ _ تطوير برامج وتدخلات صحية تهدف إلى تقليل انتشار الأمراض وزيادة فعالية العلاج والوقاية.
و _ تعزيز الوعي الصحي بين السكان حول مخاطر الأمراض المرتبطة بالبعوض وطرق الوقاية والتعامل معها.
ز _ توفير البيانات والمعلومات اللازمة للجهات المعنية لصياغة سياسات صحية فعالة تستهدف التقليل من الأمراض المرتبطة بالبعوض.
- دراسة واقع الاستجابة الصحية والمؤسسية يتركز على الآتي:
أ _ تحليل فعالية وقدرة المؤسسات الصحية على التعامل مع انتشار البعوض والأمراض المرتبطة به، بما في ذلك البنية التحتية والموارد البشرية المتاحة.
ب _ التعرف على نقاط القوة والضعف في الاستجابة الصحية، مما يساعد على تحسين العمليات والخدمات المقدمة.
ج _ دراسة الاستراتيجيات والتدخلات الحالية المتبعة في مواجهة انتشار البعوض والأمراض، وتقييم مدى فعاليتها وتأثيرها على الصحة العامة.
د _ تقديم توصيات عملية لتحسين استجابة النظام الصحي، سواء من خلال تعزيز القدرات المؤسسية أو تحسين التنسيق بين الجهات المختلفة.
هـ _ دراسة مدى تلبية الخدمات الصحية لاحتياجات السكان المتأثرة بانتشار البعوض، وتعزيز مشاركة المجتمع في تحديد هذه الاحتياجات.
و _ تعزيز التعاون بين مختلف القطاعات، مثل الصحة والبيئة والتنمية الاجتماعية، من أجل تحسين استجابة شاملة لمشكلة انتشار البعوض.
ز _ تقييم كيفية رفع مستوى الوعي بين السكان حول المخاطر الصحية المرتبطة بالبعوض، وضرورة المشاركة في التدابير الوقائية.
ح _ دراسة مدى استعداد المؤسسات الصحية لمواجهة تفشي الأمراض المفاجئة، وتقديم خطة استجابة فعالة.
- تقديم توصيات عملية قابلة للتنفيذ تشمل ما يلي:
أ _ اقتراح إجراءات ملموسة تستهدف تقليل تكاثر البعوض، مثل تحسين نظام إدارة المياه والتخلص من المياه الراكدة.
ب _ تقديم توصيات لإنشاء حملات توعية تهدف إلى تعليم المجتمع كيفية حماية أنفسهم من الأمراض المرتبطة بالبعوض، وأهمية اتخاذ احتياطات في البيئات المنزلية.
ج _ اقتراح تشكيل لجان أو فرق عمل مشتركة بين الجهات الصحية والبيئية والاجتماعية لتنسيق الجهود والتدخلات المختلفة.
د _ تقديم توصيات لتحسين مرافق الرعاية الصحية والموارد المتاحة للعاملين في المجال الصحي، بما في ذلك التدريب وتعزيز القدرات.
هـ _ توصية بإنشاء نظم واضحة لمراقبة انتشار البعوض والأمراض المرتبطة به، مما يساعد في الاستجابة السريعة والفعالة.
و _ الاقتراح بتوفير التمويل والدعم التقني من الجهات المعنية لدعم برامج مكافحة البعوض والأمراض، مما يسهم في تعزيز أي جهود قائمة.
ز _ توصية بإجراء أبحاث إضافية لضمان تحديث المعلومات والبيانات المتعلقة بأحدث أساليب المكافحة والتعامل مع الأمراض.
ح _ تقديم استراتيجيات لتشجيع المجتمع على المشاركة في الأنشطة التطوعية والمبادرات التي تستهدف مكافحة البعوض.
ط _ تطوير توصيات تجاه إنشاء خطط استجابة فعالة للطوارئ الصحية لضمان جاهزية المؤسسات في حال انتشار الأوبئة.
المنهجية:
- منهج البحث:
- منهج وصفي تحليلي يعتمد على جمع البيانات وتحليلها.
- أدوات البحث:
- مقابلات مع سكان محليين، وتصريحات مسؤولين من قطاعات الصحة والبيئة والنظافة.
- تحليل بيئي مبني على الملاحظة الميدانية في مناطق البريقة والحوطة وتبن.
- عينة البحث:
المجتمعات الطبية والمحلية في عدن ولحج.
المحور الأول: الإطار النظري والتعريف بالبعوض والحميات الفيروسية
- تعريف البعوض وأسبابه: -
البعوض ناقل للمرض وقاتل فهو ليس مجرد حشرة مزعجة، بل يُعدُّ من أخطر الناقلين للأمراض، حيث ينقل الطفيليات والفيروسات والديدان الخيطية من خلال حقن لعابه في جلد الإنسان، ومن أبرز الأمراض التي ينقلها: الملاريا، وحمى الضنك، والحمى الصفراء، وداء الفيل، وفيروس شيكونغونيا "المكرفس"، والتهاب الكبد الوبائي. وتشترك هذه الأمراض في أعراضها مثل الحمى، والصداع، والغثيان، وانخفاض المناعة، والالتهابات الحادة.
بعوضة "الأنوفيليس" والزاعجة المصرية الأخطر،بحسب دراسة أمريكية، فإن من أبرز الناقلين للأمراض الفيروسية في اليمن بعوضة "الأنوفيليس" القادمة من أفريقيا، والتي تنقل طفيل "البلازموديوم" المسبب للملاريا، وتُعدُّ من أخطر الأنواع. كما تنتشر بعوضة "الزاعجة المصرية"، الناقلة الرئيسية لحمى الضنك، وتتميز بنقاط بيضاء على أرجلها، وقد استوطنت المناطق الاستوائية ومنها عدن ولحج.
أولا: العوامل المسببة لانتشار البعوض.
انتشار البعوض وتفشي الحميات الفيروسية في محافظتي عدن ولحج يرجع إلى مجموعة من العوامل الرئيسة، التي يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
- العوامل البيئية:
تشكل المستنقعات الراكدة، الناتجة عن السيول وضعف التصريف، بيئة مثالية لتكاثر البعوض. كما أن تكدس النفايات ومياه الصرف الصحي في الأحياء السكنية، وتراجع أعمال الشفط والردم، كلها أسهمت في توفير حواضن دائمة للبعوض.
2. العوامل المناخية:
أدَّى التغيّر المناخي إلى زيادة معدل الحرارة والرطوبة في لحج، مما ساعد على توسيع نطاق وجود البعوض، وقد تم تسجيل فترات ازدياد حاد في كثافة البعوض خلال أشهر الصيف والخريف، تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة.
3. الأنواع الخطرة من البعوض:
أكدت مصادر طبية وجود نوعين رئيسيين في عدن ولحج:
بعوضة الزاعجة المصرية: الناقل الرئيس لحمى الضنك.
بعوضة الأنوفيليس: الناقل الطفيلي المسؤول عن الملاريا.
وقد تم رصد هذه الأنواع بشكل مكثف في المناطق المنخفضة والمجاورة للمجاري والمزارع المهملة.
2- تعريف الحميات الفيروسية وأسبابها: -
إن الحمى الفيروسية ببساطة هي عبارة عن ارتفاع درجة حرارة الجسم نتيجة الإصابة بعدوى فيروسية، وتُعدُّ الحمى منخفضة الدرجة أي الأعلى من 37 درجة مئوية بقليل هي أحد أعراض العديد من الالتهابات الفيروسية، لكن يوجد بعض الالتهابات الفيروسية مثل حمى الضنك، التي يمكن أن تسبب ارتفاع أكبر في درجة الحرارة.
والحمى الفيروسية هي حالة صحية شائعة تصيب الأشخاص من جميع الأعمار، وتنجم عن عدوى فيروسية مختلفة. وتتجلى في ارتفاع درجة حرارة الجسم، مما يشير إلى استجابة الجهاز المناعي للفيروس الغازي. وعلى الرغم من أن الحمى الفيروسية لا تهدد الحياة عادةً، إلا أن أعراضها، مثل التعب وآلام الجسم والحمى المرتفعة، يمكن أن تكون منهكة وتؤثر على الحياة اليومية. وفي الحالات الشديدة، يمكن أن تحدث مضاعفات، خاصة في الفئات السكانية المعرضة للخطر مثل الأطفال وكبار السن وأولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة.
الفيروسات التي ينقلها البعوض:
* فيروس حمى الضنك: ينتقل عن طريق بعوضة الزاعجة ويسبب ارتفاع درجة الحرارة والطفح الجلدي والآم المفاصل.
* زيكا الفيروسات: يعرف بالحمى وارتباطها بالعيوب الخلقية عند النساء الحوامل.
*فيروس الشيكونغونيا (المكرفس): تتميز بالحمى وألم شديد في المفاصل.([4])
https://www.apollohospitals.com/ar/health-library/viral-fever
ثانيًا: الوضع الصحي في ظل تفشي الحميات
1. واقع المرافق الصحية:
تعاني المرافق الصحية من نقص حاد في الأدوية، والمحاليل الوريدية، ومستلزمات التشخيص مثل فحص الدم الكامل وفحص الضنك والملاريا. وتكلفة هذه الفحوصات باتت عبئًا لا يستطيع الكثير من السكان تحمله، ما يدفعهم للجوء إلى علاجات شعبية غير مضمونة.
2. أبرز الأعراض والحالات:
وتشمل أعراض الحميات: صداع شديد، وحمى، وألم في المفاصل والبطن، وغثيان، وضعف عام ويمكن أن تتطور حمى الضنك إلى حالات أشد، مثل حمى الضنك النزفية، التي يمكن أن تؤدي إلى نزيف داخلي وصدمة. وقد تم تسجيل حالات وفاة مرتبطة بتأخر التشخيص وعدم توفر الرعاية العاجلة، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن.
دور العلاجات المنزلية:
عند الاصابة بالحُمّى (بأي نوع من الحُمّيات الفيروسية أو البكتيرية مثل الضنك، والتيفوئيد، والملاريا، أو حتى حمى فيروسية بسيطة) يستعين السكان بمنقوع التمر الهندي، والليمون، وعصير البرتقال، والجوافة، والتفاح؛ لأنها تحتوي على فيتامين C، وتُساعد في دعم المناعة والمسكنات العامة، وشرب كميات وفيرة من المياه الصحية (2 – 3 لترات يوميًا)، كما يقومون بتحضير محلول منزلي (كوب ماء + نصف ملعقة ملح + 6 ملاعق سكر)، لتعويض الأملاح والمعادن المفقودة، وكذلك يشربون مغلي الأعشاب الخفيفة مثل الزنجبيل، والنعناع، والبابونج التي تساعدهم في تهدئة المعدة والحد من الغثيان كما يستخدمون اللبن الرائب أو الزبادي المخفوق بالماء (اللبن المُملح) الذي يعمل على تهدئة المعدة ويُعزز التوازن البكتيري نتيجة لضعف إمكاناتهم وغياب الرعاية المجانية في المشافي الحكومية.
ثالثًا: قصور الاستجابة المؤسسية
1. القصور في حملات المكافحة:
إن حملات الرش السابقة كانت محدودة ولم تشمل كل المناطق الموبوءة، وأدى ذلك إلى اتساع رقعة انتشار البعوض، وارتفاع أعداد الإصابات، وقد أقرت الجهات الصحية بوجود خطة رش مؤجلة وذلك للأسباب الآتية:
- تعاني الهيئات الصحية المحلية من نقص في التمويل اللازم لدعم الحملات الوقائية والعلاجية، مما يؤدي إلى تقليل نطاق الأنشطة والمبادرات.
- تفتقر بعض الحملات إلى استراتيجيات توعية فعالة تستهدف المجتمع. وعدم فهم أفراد المجتمع لطرق انتقال الأمراض وأهمية الوقاية يؤثر سلبًا على استجابة السكان.
- نقص التقييم والتخطيط وذلك بسبب عدم وجود دراسات شاملة لتحديد مناطق انتشار البعوض العشوائية ونقاط التكاثر يؤدي إلى عدم فعالية الجهود المبذولة في المكافحة.
- تفتقر بعض الحملات إلى استراتيجيات طويلة الأمد تعالج الأسباب الجذرية لانتشار البعوض.
- تعاني الحملات من عدم التنسيق الجيد بين القطاعات الصحية، والبيئية، والإدارية، مما يقلل من فعالية الجهود المشتركة.
- تأثير التغيرات المناخية على دورة حياة البعوض يعقد الجهود الرامية إلى مكافحة انتشاره. كما أن الظروف البيئية مثل ركود المياه وتدهور البيئة يسهمان في زيادة تكاثر البعوض.
- الحاجات الملحة إلى كوادر مدربة في مجال مكافحة البعوض والأوبئة كما يمكن أن تؤثر قلة التدريب والخبرة على فعالية عمليات المكافحة.
- السكان قد يكون لديهم تردد في المشاركة في الفعاليات الصحية أو قبول بعض التدخلات، الأمر الذي يؤثر على جهود المكافحة.
- يعتمد كثير من الحملات على أساليب لم تعد فعالة، ويحتاج الأمر إلى اعتماد أساليب جديدة ومبتكرة تتضمن التكنولوجيا وممارسات جديدة في مكافحة البعوض.
- تفتقر العديد من الحملات إلى نظام فعال لمراقبة وتقييم النتائج، مما يصعب توجيه الجهود وتحديد ما إذا كانت الاستراتيجيات تعمل بشكل جيد.
2. غياب التنسيق بين القطاعات:
غياب التنسيق بين القطاعات المختلفة مثل سلطات البيئة والصحة وصندوق النظافة في محافظتي عدن ولحج، يجعل الاستجابة جزئية وموسمية، وغير قادرة على احتواء الموجة الوبائية.
وهذا أدى إلى عدة نتائج سلبية ترتبط بانتشار البعوض وتفشي الحميات الفيروسية. فيما يلي أبرز هذه النتائج:
- عدم التنسيق يؤدي إلى عدم معالجة أو مراقبة النقاط الساخنة للمياه الراكدة، مما يسهم في زيادة أماكن تكاثر البعوض.
- تفشي الحميات الفيروسية مثل الحمى الضنك والملاريا يزداد نتيجة عدم اتخاذ تدابير كافية للوقاية من البعوض وغياب الإشراف الصحي.
- عدم وجود نظام فعّال للتعاون بين هذه القطاعات يعني أن الاستجابة في حالات تفشي الأمراض تكون بطيئة وغير فعالة.
- غياب التنسيق غالبًا ما يؤدي إلى توزيع غير متوازن للموارد والجهود، مما يهدر الوقت والجهود التي كانت يمكن أن تُستثمر بشكل أفضل لو كان هناك تعاون متكامل.
- غياب التنسيق بين القطاعات قد يُسفر عن عدم القدرة على تلبية الاحتياجات المحددة للمجتمعات المحلية في مجال الصحة والنظافة.
- ضعف التنسيق بين صندوق النظافة والجهات الصحية يزيد من تراكم النفايات، مما يوفر بيئة ملائمة لتكاثر البعوض.
- غياب التعاون بين القطاعات يزيد من عدم فهم السكان لطرق الوقاية ومخاطر الأمراض، مما يضعف جهود التوعية الصحية.
- نقص التنسيق قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين السكان والسلطات، حيث يرون أن الخدمات غير فعالة أو متأخرة.
- كل قطاع قد يعمل في اتجاه مخالف للآخر، مما يؤدي إلى عدم فعالية الجهود الكلية لمواجهة المشكلة.
3. مساهمة المجتمع المحلي:
رغم الجهود الذاتية لبعض السكان في استخدام الوسائل الوقائية (بخور، ناموسيات، مبيدات)، إلا أن تأثير مساهمة المجتمع المحلي في عدم انتشار البعوض وتفشي الحميات الفيروسية في محافظتي عدن ولحج يظل محدودا في ظل كثافة الحشرة وانتشارها الواسع، وذلك يتجلى في عدة جوانب، ومنها:
1. قلة الوعي بين أفراد المجتمع حول كيفية مكافحة البعوض وتجنب الأمراض قد يؤدي إلى تفشي الفيروسات. وعدم معرفة أهمية استخدام الناموسيات أو المبيدات الحشرية يمكن أن يسهم في تضاعف المشكلة.
2. أساليب التخلص غير السليمة من النفايات، مثل تركها مكشوفة أو تجمع المياه في العلب والزجاجات، تعزز من بؤر تكاثر البعوض.
4. ضعف البنية التحتية في بعض المناطق، مثل قنوات الصرف الصحي، يمكن أن يسهل تشكل برك مياه راكدة توفر بيئة ملائمة لتكاثر البعوض.
5. عدم المشاركة الفعالة من المجتمع في الحملات التوعوية أو رش المبيدات قد يؤدي إلى استمرار تفشي الأمراض.
6. نقص التعاون بين المجتمع والجهات الصحية يؤدي إلى عدم التنفيذ الجيد للبرامج الوقائية.
رابعًا: الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية
أشار مواطنون إلى أن انتشار البعوض بات يؤثر على نمط الحياة اليومية، ويمنعهم من النوم نتيجة انقطاع الكهرباء ليلًا، وغياب وسائل الحماية الفعالة. كما زادت معدلات القلق من إصابة الأطفال بأحد أمراض الحميات، خاصةً مع وجود حالات سابقة انتهت بالوفاة.
الاثار النفسية:
1. يزداد شعور القلق والخوف لدى الأفراد من الإصابة بالأمراض بسبب انتشار الحميات الفيروسية، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية.
2. يؤدي القلق المزمن بشأن الصحة إلى مشاعر الاكتئاب وفقدان الأمل في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة أو السيطرة على المشاكل الصحية.
3. تفشي الأمراض يولد لدى الأفراد شعور بعدم الأمان وفقدان السيطرة على صحتهم وحياتهم، مما يعزز حالة من الهلع العام.
4. القلق المستمر بشأن الأمراض يمكن أن يؤدي إلى توتر العلاقات الاجتماعية، حيث قد يتجنب الناس التفاعل مع بعضهم خوفًا من العدوى.
الآثار الاجتماعية:
1. ضعف الاستجابة من الجهات المعنية، يؤدي الى تزايد المشاعر السلبية تجاه الحكومة والجهات الصحية، مما يؤدي إلى تآكل الثقة فيها.
2. يؤثر انتشار الأمراض على نمط الحياة اليومي للناس، حيث يضطر الكثيرون إلى تجنب الأنشطة الاجتماعية والخروج من منازلهم، مما يعزلهم عن المجتمع.
3. تؤثر الأمراض على التعليم بسبب عدم قدرة الأطفال الذهاب إلى المدرسة، مما يعيق التعليم ويفقد الأطفال فرصة التعلم، مما له تأثيرات طويلة الأجل.
4. تفشي الحميات الفيروسية يمكن أن يؤدي إلى تدهور الصحة العامة، مما ينعكس على الإنتاجية ويدخل الأسر في دوامة الفقر، حيث يعاني المريض من تكاليف العلاج وعدم القدرة على العمل.
3. التأثيرات الاقتصادية:
1. زيادة حالات الإصابة تعني تكاليف أكبر للرعاية الصحية، مما يشكل ضغطًا ماليًا على الأسر ويؤثر على ميزانياتهم.
2. التأثير المباشر على القوى العاملة يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية نتيجة غياب الموظفين بسبب المرض، مما ينعكس سلبًا على الاقتصاد المحلي.
المحور الثاني: تصريحات مسؤولين من قطاعات الصحة والبيئة والنظافة والسكان المحليين.
تشهد العاصمة المؤقتة عدن ارتفاعًا حادًا في عدد الحالات المصابة بالحمى التي تغزو المدينة هذه الأيام؛ إذ تعجّ العديد من المشافي بالمرضى إثر إصابتهم بأحد أنواع الحمى، حيث بلغت حالات الاشتباه آلاف المواطنين، وتوفي نحو 12 شخصًا منهم.
وقد أكد الدكتور ياسر باهشم، المدير التنفيذي للبرنامج الوطني لمكافحة الملاريا وأمراض النواقل، على الأثر المدمر للنزاعات المسلحة التي بدأت عام 2015 على جهود مكافحة الملاريا، وأوضح أن تعطيل الخدمات الصحية الأساسية وبرامج المكافحة أسهم بشكل كبير في تفاقم انتشار المرض، مما يبرز العلاقة المباشرة بين النزاعات وتفشي الأمراض المعدية، وشدد على ضرورة دمج مكافحة الملاريا ضمن الاستجابات الإنسانية للنزاعات وأهمية التعاون الإقليمي والدولي للسيطرة على انتشار المرض، خاصة مع حركة السكان عبر الحدود،
وتحديد المناطق الأكثر تضررًا. وأشار الدكتور باهشم إلى أن المناطق الساحلية والوديان تُعدُّ الأكثر عرضة للملاريا، حيث تحتل محافظة عدن الصدارة، تليها الساحل الغربي، كما حدد مناطق أخرى تشهد ارتفاعًا في الإصابات مثل مديرية المسيمير في محافظة لحج.
ووصفت مصادر طبية، في حديثها لـ"إرم نيوز"، ([5]) الوضع الذي تشهده عدن من ارتفاع عدد الحالات المُصابة بالحُمّى بـ"الكارثي"، مشيرة إلى أن المشافي مليئة ومكتظة عن آخرها بالمرضى المُصابين بمرض الملاريا وحُمّى الضنك. وطالبت المصادر الجهات المختصة في الدولة بالقيام بواجبها المناط بها، وأداء مهامها على أكمل وجه، والتحرك العاجل لاحتواء الأزمة وتدارك تفشي انتشار الأمراض قبل تفاقمها إلى مراحل لا يُحمد عقباها، وتحولها من أمراض منتشرة بين أوساط الأهالي إلى وباء يجتاح كامل أرجاء المدينة".
ولفتت المصادر إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية والمحاليل الطبية "قسم ظهور المواطنين، لا سيما من يعانون فقرًا مدقعًا؛ إذ يعجز الكثيرون منهم عن شراء وتوفير العلاجات الطبية لذويهم المرضى.
وبلغ عجز البعض حدّ عدم تمكنهم من شراء جرعة (قِربة) واحدة فقط من محلول (باراسيتامول - Paracetamol)، وهو محلول طبي يعمل كمضاد للالتهابات، ومسكن للآلام، وخافض للحرارة، وتُستخدم طريقة إعطائه عبر التنقيط الوريدي".([6])
https://www.eremnews.com/entertainment/3bhssl6
في هذا الصدد، قدّم مدير الترصد الوبائي في مكتب الصحة العامة والسكان بعدن، الدكتور مجدي سيف الداعري لـ"إرم نيوز" توضيحًا شاملًا عن الوضع الصحي الراهن في عموم المحافظة.
وقال الداعري: "انتشار الحُمّيات (الملاريا، وحمى الضنك، والحميات النزفية) منتشر في عدن منذ عدة سنوات، كونها من الأمراض المستوطنة في عدن، ونشهد خلال هذه الفترة من كل عام زيادة موسمية، نظرًا لطبيعة نشاط البعوض الناقل للأمراض الحُمّية خلال فصل الشتاء وحتى بداية فصل الصيف".
وأفاد بأن "العام الحالي شهد ارتفاعًا كبيرًا وانتشارًا أوسع في المصابين بالحُمّيات، مقارنة بالسنوات الأخيرة"، عازيًا ذلك إلى "تدهور الخدمات وتراجع الوعي المجتمعي، بالإضافة إلى النمو السكاني الضخم نتيجة انتقال الكثيرين من أبناء المحافظات الأخرى للعيش في عدن؛ ما يجعل تفشي الأمراض وانتشارها في تزايد مستمر".
وأشار إلى أن "الوضع الوبائي مقلق للجميع، كون المحافظة باتت قبلة للناس من مختلف مناطق البلاد؛ ما أدى إلى كثافة سكانية عالية، بالإضافة إلى النزوح، والمخيمات، والعشوائيات، وتردي الخدمات الأساسية، وهو ما أسهم في زيادة الحالات".
وبحسب الداعري، فإنه "منذ بداية العام الجاري رُصدت العديد من الحالات، حيث وصل عدد حالات الاشتباه في الإصابة بالملاريا إلى قرابة 50 ألف حالة مُسجلة، بينما تم تسجيل ألف حالة إصابة مؤكدة بحمى الضنك، كما سُجّلت 12 حالة وفاة، منها 5 حالات من مديرية البريقة شمال غربي عدن وحدها.
وحول ارتفاع أسعار الأدوية وعجز الكثير من المواطنين عن توفيرها، أوضح أن الأدوية التي نحتاجها لمعالجة حالات الحُمّى هي السوائل الوريدية وخافضات الحرارة، بالإضافة إلى أدوية علاج الملاريا، وهذه الأدوية متوفرة تقريبًا في المستشفيات الحكومية وبأسعار رمزية.
وأضاف: يوجد نقص في المحاليل الخاصة بخافضات الحرارة الوريدية، لافتًا إلى أن المضادات الحيوية ليست ضمن بروتوكول علاج هذه الحُمّيات، لكنها قد تُستخدم في حال حدوث مضاعفات أخرى، وهي أيضًا تعاني من نقص في الصيدليات التابعة للمستشفيات الحكومية.
وأرجع أسباب نقص المخزون الاستراتيجي من الأدوية إلى ارتفاع عدد الإصابات هذا العام وتقليص الدعم المقدم من المنظمات الدولية بعد توقف الكثير منها عن دعم المرافق بسبب توقف الدعم الأمريكي.
وأكد أن الحالات الحالية هي حالات حمى الضنك والملاريا، وتم تأكيدها بالفحوصات المخبرية، نافيًا وجود أي مرض أو فيروس جديد، موضحًا أن معظم الوفيات ناتجة عن حمى الضنك النزفية، نتيجة تأخر المرضى في الذهاب إلى المراكز والمستشفيات لتلقي العلاج؛ إذ يخضع علاجها لبروتوكول طبي داخل المستشفى وليس في المنزل.
وشدّد على ضرورة توجه أي شخص يعاني من الحمى إلى أقرب مركز طبي، محذرًا من تناول الأدوية المهدئة مباشرة من الصيدليات، كونها قد تُسبب أضرارًا صحية كبيرة، ومنبهًا إلى أن "الخلطات التي تُصرف في بعض الصيدليات تحتوي على مادة البروفين التي تسبب النزيف".
وأوضح أن العديد من المواطنين يلجؤون، عند إصابتهم بالحمى أو نزلات البرد، إلى ما يُعرف بـ "الخلطة"، وهي عبارة عن خلط أقراص فوارة من سولبادين وفيتامين C مع البروفين في نصف كوب ماء وشربها دفعة واحدة.
وللوقاية من الإصابة، شدد الداعري على أهمية تجنّب توفير بيئة مناسبة لتكاثر البعوض، مثل المياه الراكدة الناتجة عن أجهزة التكييف أو المتجمعة في الأوعية والخزانات المكشوفة، أو في مواقع البناء، حيث يتكاثر البعوض في المياه النظيفة.
وفيما يخص جهود مكتب الصحة، قال الداعري: فرقنا تعمل ميدانيا على مدار العام، ويجري إرسال فرق الترصد الوبائي إلى أماكن الحالات المُبلّغ عنها للبحث عن بؤر اليرقات والتدخل الفوري، فضلًا عن تنفيذ حملات توعية مستمرة لتعريف المواطنين بمخاطر التهاون مع مسببات هذه الأمراض.
واختتم حديثه بالقول: لا نزال في حالة تأهب دائم، لا سيما مع انتشار أوبئة أخرى مثل الحصبة، التي شهدت هي الأخرى ارتفاعًا مؤخرًا، نتيجة عزوف الأهالي عن تلقيح أطفالهم في الحملات الدورية. أشرف خليفة – إرم نيوز.
أما محافظة لحج فتشهد المرافق الصحية فيها توافد عشرات الحالات يوميًا بين مشتبه بها أو مؤكدة بإصابة بحمى الضنك أو الملاريا. وأفادت الدكتورة هالة محمد بأن المرضى يُخضعون لفحص "CBC"، وفحوصات خاصة بالضنك والملاريا، وفي معظم الحالات تُصرف لهم مضادات حيوية ومغذيات لعلاج أعراض الحمى والصداع وآلام البطن. وأضافت ل(اليوم الثامن) ([7]) أن غياب العلاج النوعي لحمى الضنك يدفع الأطباء لتوصية المرضى بالإكثار من شرب السوائل وتناول الحمضيات والخضروات، مع الراحة التامة. إلا أن تردي الأوضاع الاقتصادية يحول دون قدرة كثير من المرضى على دفع تكاليف العلاج، ما يدفعهم للجوء إلى علاجات منزلية متوارثة، كمنقوع التمر الهندي أو شراب الليمون، إضافة إلى المسكنات.
وقد سجلت في محافظة لحج 72حالة حمى ضنك في حوط لحج مؤكدةً مخبريًا للفترة فبراير –مارس – إبريل ٢٠٢٥ منها حالتان وفاة ([8]) مكتب الترصد الحوطة.
وأفاد المهندس فتحي الصعو، مدير هيئة حماية البيئة بلحج، أن تقلب درجات الحرارة يؤثر على كثافة البعوض من منطقة لأخرى، مؤكدًا على أهمية ردم مواقع المياه الراكدة، ونشر التوعية البيئية، إلى جانب تنفيذ حملات الرش الضبابي والذُبابي بوصفها أدوات رئيسة في مكافحة البعوض.
من جانبه، أشار العميد محمد الرجاعي، مدير صندوق النظافة بلحج، إلى تنفيذ حملات نظافة واسعة في عدد من المديريات، شملت إزالة النفايات ومخلفات البناء، بالتوازي مع حملات رش ميدانية بالتنسيق مع مكتب الصحة.
أما الدكتور عادل السيد، مدير برنامج مكافحة الملاريا والوبائيات بلحج، فأوضح أنهم قدّموا خططًا إلى السلطة المحلية وبانتظار التمويل لتنفيذ حملات الرش، وأشار إلى رصد حالات مؤكدة بالضنك والملاريا أدت إلى الوفاة في الحوطة وتبن، محذرًا من قدرة البعوض على الطيران لمسافة تصل إلى كيلومترين، حتى دون وجود مستنقعات قريبة.كما دعا السيد المواطنين إلى رش الغرف بمبيد "بف باف"، وإغلاقها لنصف ساعة قبل تهويتها، محذرًا من استخدام الأقراص الطاردة للبعوض في وجود الأطفال بسبب تأثيراتها التنفسية.
ويعزو المواطنون انتشار الأمراض إلى ضعف الخدمات الصحية، إذ بات المرضى يدفعون مقابل الفحص والعلاج حتى في المستشفيات الحكومية. كما عبّروا عن خشيتهم من تكرار سيناريو المواسم السابقة، حين أودت الحميات بحياة العشرات من مختلف الأعمار؛ ولهذا فهم يستخدمون وسائل تقليدية مثل تبخير المنازل بـ"لبان الذكر" لطرد البعوض، واستخدام الناموسيات، والشبكات في النوافذ، ودهن الجسم بالزيوت الطبيعية، بوصفها وسائل فعالة وآمنة.
ويقول المواطن يسلم صالح من منطقة صبر إن تردي الخدمات، وخاصة الصحية، يضاعف معاناة السكان، خصوصًا في ظل انقطاع الكهرباء، إذ لا تكفي البطاريات والألواح الشمسية لتشغيل المراوح طوال الليل، ما يؤدي إلى أرق الأطفال والبالغين بسبب الحر والبعوض.
ودعا يسلم إلى الإسراع في تنفيذ حملات الرش، وتغطية خزانات المياه، والحفاظ على نظافة المنازل، وعدم التهاون مع أي أعراض حُميات، مشددًا على ضرورة ردم المستنقعات بعدّها بؤرًا خطيرة لتكاثر البعوض .https://alyoum8.net/posts/95492([9])
وصرح الدكتور شلال حاصل مدير إدارة الترصد ومنسق برنامج الإنذار المبكر (الإيديوز) في محافظة لحج ([10]) أن البلاغات من المرافق الحكومية والخاصة أفادت أن عدد الحالات المصابة بالملاريا بلغت 2700 من بداية العام إلى اليوم أما حمى الضنك فقد بلغت عدد الحالات 362 حالة وعدد الوفيات 10.
والجدول التالي يوضح عدد الحالات المصابة والوفيات بالحميات الفيروسية لعام 2024-2025م في محافظتي عدن ولحج المرصودة في المختبرات الحكومية والخاصة.
عدد الحالات المصابة والوفيات بالحميات الفيروسية لعام 2024-2025م في محافظتي عدن ولحج المرصودة في المختبرات الحكومية والخاصة
المحافظة | اجمالي التسجيل | حمى الضنك (المبلغ عنها) | الملاريا (المبلغ عنها) | الوفيات (المبلغ عنها) |
عدن | 5000 | 1000 | لم يبلغ | 12 |
لحج | 3062 | 362 | 2700 | 10 |
وقد انتشرت الحميات منذ عام 2015 إلى عام 2025م لكن لم يتم رصدها وتسجيلها رسميا وذلك حتى لا يظهر عجز الجهات الحكومية والسلطات المحلية في عدم تحمل المسؤولية والحد من تفاقم الوضع.
النتائج:
1-انتشار البعوض في عدن ولحج مرتبط ببيئة ملوثة، وتغيرات مناخية، وضعف حملات المكافحة ولهذا فالبحث يُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في تكاثر البعوض وانتشاره بسبب الظروف البيئية السائدة، مثل وجود مياه راكدة وارتفاع درجات الحرارة.
2- القصور واضح في البنية الصحية، حيث يُظهر البحث أن قلة الوعي الصحي وعدم الالتزام بممارسات النظافة الشخصية والمجتمعية تعزز من انتشار البعوض، مما يسهم في تفشي الأمراض.
3- الاعتماد على حلول شعبية يعكس الفجوة بين المواطن والنظام الصحي.
4- الظروف المناخية مثل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة أسهمت في خلق بيئة ملائمة لتكاثر البعوض.
5- النقص في الخدمات الصحية والرعاية الطبية، يجعل السيطرة على تفشي الحميات أكثر صعوبة.
6- التوعية المجتمعية بين السكان حول طرق الوقاية من البعوض، مثل استخدام الناموسيات وتجنب المياه الراكدة.
7- مكافحة البعوض يتطلب تنفيذ استراتيجيات فعالة، بما في ذلك رش المبيدات وإزالة مصادر المياه الراكدة.
8- التعاون بين الجهات المحلية والدولية ينبغي تعزيزه لتوفير الموارد الضرورية ومساعدة المجتمعات على مواجهه هذه التحديات.
9- الأزمة قابلة للتكرار سنويًا ما لم يتم تنفيذ خطط وقائية شاملة ومستدامة.
التوصيات:
1. توفير دعم مالي عاجل لتنفيذ حملات رش متكاملة في لحج.
2. تحسين شبكات الصرف والنظافة وردم المستنقعات.
3. توسيع التوعية المجتمعية بوسائل الوقاية والتعامل مع أعراض الحمى.
4. تجهيز المرافق الصحية بالأدوية والمحاليل ومستلزمات الفحص المجاني.
5. تشكيل لجنة طوارئ بيئية وصحية لتنسيق الجهود ومتابعة الانتشار بشكل دوري.
6. تنفيذ برامج توعية للسكان حول كيفية تقليل انتشار البعوض، مثل إزالة المياه الراكدة وتنظيف المحيطات.
7- إنشاء نظام لرصد الأمراض المرتبطة بالبعوض، مثل حمى الضنك وزيكا، من أجل اتخاذ إجراءات سريعة.
8- استخدام طرق مستدامة للتحكم في البعوض، بما في ذلك المبيدات الحشرية الحاصلة على موافقة صحية ووسائل مكافحة بيئية.
9- تعزيز التعاون مع وزارة الصحة والجهات المحلية؛ لضمان توزيع اللقاحات اللازمة وتوفير الرعاية الصحية للمتأثرين.
10- دعم البحوث الأكاديمية حول تأثير تغير المناخ على انتشار البعوض والحميات الفيروسية.
الخاتمة:
في ختام هذا البحث، نستنتج أن انتشار البعوض في عدن ولحج يمثل تهديدًا صحيًا حقيقيًا، حيث يرتبط بشكل مباشر بتفشي الحميات الفيروسية مثل حمى الضنك والملاريا. وتسهم العديد من العوامل، بما في ذلك الظروف البيئية، والتغيرات المناخية، والسلوك المجتمعي، في زيادة خطر انتشار هذه الأمراض.
وقد أظهر البحث أهمية تنفيذ استراتيجيات شاملة تتضمن التوعية المجتمعية، والرصد المستمر للبعوض، والتحكم الفعال في عملية رش المبيدات الحشرية، وتعزيز التعاون بين الجهات الصحية المحلية والدولية. ويُعدُّ تحسين قدرات الرصد والتدخل المبكر عنصرًا أساسيًا في تقليل تأثير هذه الأمراض على الصحة العامة.
حيث إن تفشي البعوض في عدن ولحج يشكل انعكاسًا لتدهور البنية البيئية والصحية، ويستوجب تحركًا عاجلًا من السلطات والجهات المعنية لتلافي تكرار السيناريو الوبائي. وتبقى الوقاية البيئية، والتأهب المؤسسي، والتنسيق المجتمعي، ركائز أساسية في الحد من هذا التهديد الصحي المتكرر.
وتشهد محافظتي عدن ولحج، انتشارٌ واسعٌ للبعوض وتزايدٌ في حالات الحميات مثل الملاريا وحمى الضنك، وسط ضعف الخدمات الصحية وغياب حملات المكافحة، والمواطنون يناشدون بسرعة التدخل عبر الرش والوقاية، لتجنب كارثة صحية متكررة كما في السنوات الماضية.
ولهذا نأمل أن يسهم هذا البحث في دعم السياسات الصحية المحلية وتوجيه الجهود نحو حماية المجتمع وزيادة الوعي بأهمية مكافحة الأمراض المرتبطة بالبعوض. ومن خلال التعاون المستمر بين جميع الجهات المعنية، يمكننا الحد من انتشار هذه الأمراض وخلق بيئة صحية أفضل لسكان محافظتي عدن ولحج.
المراجع:-
- إدارة الترصد وبرنامج الإنذار المبكر(الايديوز) الحوطة / لحج
- إرم نيوز
- تقرير انسام عبدالله (2025م) "البيئة الموبوءة لا تنتج سوى الأوبئة".
- اليوم الثامن https://alyoum8.net/posts/95502
- اليوم الثامن.https://alyoum8.net/posts/95492
- منظمة الصحة العالميةhttps://www.who.int/ar
- https://www.apollohospitals.com/ar/health-library/viral-fever
- https://www.eremnews.com/entertainment/3bhssl6
[1] https://alyoum8.net/posts/95502
[2] https://www.who.int/ar منظمة الصحة العالمية
[3] البيئة الموبوءة لا تنتج سوى الأوبئة".2025م
[4] https://www.apollohospitals.com/ar/health-library/viral-fever
[5] إرم نيوز
[6] https://www.eremnews.com/entertainment/3bhssl6
[7] مؤسسة اليوم الثامن
[8] مكتب الترصد الحوطة/ لحج
[9] https://alyoum8.net/posts/95492
[10] إدارة الترصد و برنامج الانذار المبكر( الايديوز) الحوطة / لحج