أنشطة وقضايا
إنحسار النهضة الزراعية في أواخر الثمانينات..
تقرير: بئر احمد.. جنة خضراء وسلة عدن الغذائية.. هل تولد من جديد؟
خبراء الزراعة العقارب: بئر احمد شهدت أواخر الخمسينات نهضة زراعية سادت ثم بادت وبساتينها ظاهت بستاني
بدأتُ بمحطتي الصحفية مع المزارع الشاب/ عبد الفتاح صدقة العقربي الذي تشرفت بزيارة مزرعته فوجدته كتلة من لهب الحماس مشمراً ساعده وبيديه المنجل والفأس والعرق يتصبب بين ثنايا جبينه جراء العمل الزراعي ,مرحباً بي قائلاً:أهلاً بالصحافة المرآة العاكسة لمعاناة المزارع وطموحه فقال لي : بئر أحمد كانت في الخمسينات عبارة عن نهضة زراعية منذ عام( 1957م) وأنحسرت تماماً في أواخر الثمانينات وازدادت تدميراً إذ تحولت أشجارها إلى وسيلة للاحتطاب بعد عام( 1990م ).
ومضى يقول: اليوم أراضي بئر أحمد الزراعية كما تشوف تحاصرها الكتل الإسمنتية والزحف العمراني دون تبصّر أو حرص أو تخطيط.
** لا للإنكسار
تم واصل الشاب المزارع عبد الفتاح صدقة العقربي حديثه بصوت حزين منكسر ومتحسرّ.. عرفت ذلك من خلال كلماته المؤثرة التي تنساب من فمه ببطئ قائلاً لي: لقد شهدت بئر أحمد في أواخر الخمسينات نهضة زراعية لكن أبادها وأبتلعها زحف الكتل الإسمنتية والزحف العمراني العشوائي الذي لا يراعي الأراضي الزراعية وخصوبتها.
وأضاف يقول : لقد كان الأجداد يغطّون مصاريفهم طول العام من مردود محصول القطن والخضار والفواكه, وكان أجدادنا يعيشون كراماً رافعي الرؤوس لا يمدون أيديهم إلى أحد بالرغم من فقرهم المدقع.
** أوقفوا الكتل الإسمنتية في أرضنا الزراعية
وأعاد بي المزارع /فتاح العقربي الذاكرة قائلاً: كانت أرض العليبة الخصبة التي تمثل زبدة بستان الأمير/ فضل عبد القوي وهي المزرعة التي أتسمت بخصوبة وجمال أرضها قد تحولت مع الأسف في السنوات القليلة الماضية إلى كتل إسمنتية, بينما كانت في أواخر الخمسينات أشبه ما تكون بإحدى حدائق بابل المعلقة إبان الحضارتين البابلية والأشورية قبل (7 )ألف سنة قبل الميلاد وأحد عجائب الدنيا السبع .
وكانت مزرعة العليبة تعد بمثابة جنة خضراء غنّاء أو أشبه ما تكون بسلة غذاء لأهالي عدن والمناطق المجاورة لها, وكان يتوسط المزرعة التي يطلق عليها بستان الأمير/ فضل عبدالقوي, مسبحان أحدهما خصص للكبار والأخر صغير للصغار لجذب الزوار القادمين من عدن, فضلاً عن أشجار الاستظلال المعمرة كشجر الحرز والميطي وأشجار الديمن وأشجار الزيت أو بعضها جلبت من إيطاليا بمعية مزارعين أيطاليين أنتدبهم الأمير المستثمر خصيصاً للعمل في مزرعته الجاذبة.
كما كانت تحتضن المزرعة الآلآف من الطيورالمستوطنة و المهاجرة متنوعة الألوان والأشكال إلى جانب الحيوانات الأليفة كالخيول والحمير والأبقار والأغنام والإبل بالإضافة إلى الحيوانات البرية كالأرانب والغزلان, في حين كانت الحشائش الطويلة الخضراء التي تستخدم كعلف للحيوانات تغطي أرضية مزرعة العليبة أي أشبه ما تكون بسندس أخضر تفترش به أرضية المزرعة تفترش به العوائل العدنية الزائرة في كل يوم أحد وهي عطلة الإجازة الأسبوعية قبل الإستقلال ,لقضاء وقت ممتع بدلا من رتابة الحياة اليومية في المنازل.
** ماذا قال شاهدي العين
ويقول البعض من الناس الكبار الذين كانوا شاهدي عين على بداية النهضة الزراعية في بئر احمد عام( 1957م)أن الأمير /فضل عبدالقوي قد حفر أكثر من (60 )بئراً ارتوازيا لسقي المزرعة وجلب لها مهندسين زراعيين إيطاليين إلى جانب خبراء الزراعة المحليين من لحج وتهامة, وشكّلت المزرعة حينها مؤئلاً سياحياً لأهالي عدن من تجارها ومؤرخيها وسياسيها وأدباؤها وعائلاتها وطلاب وطالبات كلياتها, وكانت تنتعش فيها الصناعات الحرفية والغذائية والتذكارية مثل المقصقص ( الخمير الحالي) والكدر والخبز الأحمر.. فضلاً عن أدوات الزينة الحياتية كصناعة المشاجب والزنابيل والجعاب, وبيع حبوب البهش من أشجار الدورش وتقديم الماء البارد للزوارما كان يطلق عليه (بالبانهيس) وهي كلمة مزدوجة إنجليزية هندية دخلت قاموس اللهجة العدنية حينها.. وبهذه الصناعات كانت تتحول المنازل في بئر أحمد إلى ورش عمل حقيقية يستفيد من دخلها العوائل الفقيرة ناهيك عن إحياء الفلكلور والرقص الشعبي (الشرح والركلة والجذبة ومحف الجمال).
كما اشتهرت بئر أحمد بزراعة القطن طويلة البتلة وهو محصول نقدي, واشتهرت بئر أحمد ايضاً بالحبحب الذي أثار جدلاً تسويقياً في الأسواق المحلية والخليجية جراء ما أشتهر به حبحبها بشدة إحمرار لونه وحلاوة مذاقه.. وكان يطلق عليه البائعون (حبحب البير والا فلا )وأول طائرة كويتية على مستوى الجنوب تشحن حبحب بئر احمد عام( 1960م).
وجدد فتاح العقربي دعوته للشباب المزارعين العقارب أن لا يفرطوا في الأرض الزراعية لأنها وجودنا وحياتنا وبدونها سنكون بدون هوية فهي أمننا الغذائي.
وقال: من يفرط في أرضه الزراعية كانه يفرط في عرضه, وقال بحسرة: بئر أحمد أصبحت بلا هوية للأسف ونصح الشباب بقوله: لا مجال للكسل أو التفريط بالأرض لأنها هي أبرز مقومات حياتنا ووجودنا وحث الشباب أن يصحوا و يستفيقوا من الغفوة, قبل أن يقع الفأس على الرأس حينها لا يجديِ الندم علينا نحن كشباب البئر المزارعين أن ننفذ شعار الأجداد( زرعوا فـأكلنا ونزرع ليأكلون).