الاقتصاد

ترجمة..

هل يتسبب انهيار أسعار النفط في حدوث صدمة اقتصادية كبرى؟

الرئيس ترامب مبتهجًا بهبوط أسعار النفط

على حسابه عبر موقع تويتر، علّق الرئيس ترامب مبتهجًا بهبوط أسعار النفط، قائلًا: "هذا أمر جيد للمستهلك، فأسعار البنزين ستنخفض"، غير أن كلمة "تنخفض" هي استهانة كبيرة بالوضع الحالي؛ حيث انهارت مؤشرات النفط الرئيسية بنسبة الخُمس أو الثلث مع بدء عمليات التداول صباح الاثنين، مع تسبب الصدمات الاقتصادية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا في إشعال حرب شاملة على أسعار النفط بين السعودية وروسيا.

ولسوء حظ الرئيس، فإن ما حصل قد يكون درسًا قاسيًا حول: كيف أن هبوط أسعار النفط لا يمكن وصفه مطلقًا بأنه "أمر جيد للمستهلك"، وذلك بالنظر إلى ترابط الأسواق المالية والشبكات الاقتصادية العالمية. في الواقع، فإن التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا، والذي تسبب في حرب أسعار نفطية بين السعودية وروسيا، هو بالضبط ذلك الحدث المفاجئ الذي قد يؤدي في نهاية المطاف لانفجار قنبلة ديون الشركات الأمريكية التي لم تنفجر بعد.

إن أفضل طريقة لفهم سوق النفط العالمي في هذه الأيام يتلخص في وصفه بأنه أزمة بين ثلاثة أطراف وهم: منتجو النفط في السعودية وروسيا والولايات المتحدة. تسيطر الحكومتان السعودية والروسية على صناعة النفط في بلديهما، إذ يقرر مخططون مركزيون حجم النفط الذي سيُنتج بناءً على اعتبارات سياسية وجيواستراتيجية. أما منتجو النفط الأمريكيون، فهم عبارة عن جهات متفرقة وغير مركزية قائمة على السوق، تتخذ قراراتها بناءً على الأرباح وتوزيعها على المساهمين. هذا يعني أن ما من طرف في الولايات المتحدة يمكن للسعودية وروسيا "التحدث إليه" والتعاون معه بشأن خطط الإنتاج.

الأمر الآخر الذي ينبغي فهمه هو الديون الهائلة التي   راكمها منتجو النفط الأمريكيون ليصبحوا لاعبين عالميين كبار في مجال النفط. إن الازدهار الكبير في إنتاج النفط الامريكي في العِقد الماضي كان مذهلًا، غير أنه تحقق عبر سحب قروض هائلة لتمويل عمليات التنقيب عن النفط الصخري التي تحتاج لرأس مال كبير. تبلغ ديون منتجي النفط والغاز الأمريكيين نحو 86 مليار دولار، جميعها سيُستحق دفعه في السنوات الأربع المقبلة، والكثير منها يجب دفعه في العام 2020. كما أن نسبة كبيرة من الديون هي ذات نوعية رديئة: الشركات الأمريكية مثقلة بالديون - الشركات المثقلة أصلا بالديون تأخذ المزيد من الديون، ما يجعل وضعها المالي العام أكثر حرجًا - كما أن منتجي النفط الأمريكيين هم من بين الأسوأ في التأخر في دفع الديون. في الوقت الراهن، تبلغ نسبة ديون قطاع الطاقة نحو 11 بالمائة من السندات عالية المخاطر الأكثر تداولًا في الولايات المتحدة.

وهنا يدخل فيروس كورونا والسعودية وروسيا الصورة؛ فتفشي الفيروس حول العالم، وما نتج عنه من توقف للنشاط الاقتصادي وسلاسل الإمداد، أثّر تأثيرًا سلبيًّا على الطلب على النفط. كانت السعودية ترغب في التعاون مع روسيا لخفض الإنتاج وضمان عدم انهيار الأسعار بسبب تفوق العرض على الطلب، لكن روسيا لم ترد التعاون لأن حماية أسعار النفط سيفيد مُنتجي النفط الأمريكيين الذين لا يمكن التعويل عليهم لخفض إنتاجهم. وكتبت شركة "PGE" لاستشارات الطاقة لعملائها يوم الأحد: إن "روسيا ألمحت إلى أن الهدف الحقيقي هو منتجو النفط الصخري الأمريكيون؛ لأنها سئمت من خفض الإنتاج وترك مساحة لهؤلاء المنتجين".

انخفضت أسعار النفط بنسبة 10 بالمائة يوم الجمعة، عندما انتهت المحادثات بين روسيا والسعودية وباقي أعضاء منظمة أوبك من دون اتفاق. لكن السعودية أعلنت بعدها التحدي في نهاية هذا الأسبوع. ومع إصرار روسيا على أن تفعل كل دولة ما تراه في صالحها؛ غيّرت السعودية موقفها ورفعت إنتاجها النفطي، وخفّضت أسعار بيع نفطها. وتنتج الرياض حاليًا 9.7 ملايين برميل يوميًّا، ويُقال إنها تهدف لإنتاج 10 ملايين برميل، وهي لديها القدرة على إنتاج 12.5 مليون برميل يوميًّا.

ومن الواضح أن السعودية كشفت خدعة روسيا. يقول "جون كيلدوف"، الشريك المؤسس لشركة Again Capital للاستثمار: "السعودية تتبع سياسة الأرض المحروقة، وخصوصًا في التعامل مع مشكلة فرط الإنتاج". وأضاف: "نظرًا لأن السعودية هي الأقل تكلفة بمراحل في إنتاج النفط"، فمن المفترض أنها تستطيع التأقلم مع انخفاض الأسعار أطول من منتجي النفط الروس أو الأمريكيين.

بالإضافة إلى هذا، فإن انهيار الأسعار سيجعل من الصعب على منتجي النفط الأمريكيين سداد ديونهم. ولو أفلس الكثير من هؤلاء المنتجين مرة واحدة، فإنهم سيجرّون معهم المصارف التي منحتهم القروض إلى الهاوية؛ ما سيوسّع من نطاق الصدمات في عموم الأسواق المالية، وسيشلّ الائتمان المتاح لبقية قطاعات الاقتصاد أيضًا، من بينها القطاعات الأخرى المثقلة بالديون.

السؤال الآن هو: ما المستوى الذي ستصل إليه أسعار النفط ومدة بقائها عند هذا المستوى؟ استطاعت صناعة النفط الأمريكية النجاة من انهيارات كبيرة سابقة لأسعار النفط في عامي 2008 و2014، لكنها لم تكن تواجه حينها هذا الحجم الكبير للديون، وقد سجل خام غرب تكساس أسوأ انخفاض له في يوم واحد منذ حرب العراق عام 1991، وثاني أسوأ انخفاض منذ بدء التداول عام 1983. في الوقت الراهن، ما يزال سعره منخفضًا عند 30 دولارًا، ويبدو أن المحللين يعتقدون أن أسعاره ستنخفض إلى مستوى 20 دولارًا بعد أن تصبح احتياطاته الكامنة تحت الأرض غير قيّمة بما يكفي لكي تكون ضمانًا مقابل القروض المصرفية.

وكما ذكرنا، ربما تتراجع روسيا بسرعة تحت ضغوط تكاليف استخراج النفط، وتعود لطاولة المفاوضات لرفع الأسعار. وحتى السعودية نفسها لا يمكنها تحمّل الانخفاض الشديد للأسعار لوقت طويل، إذ تعتمد خزينة الدولة وجزء كبير من اقتصاد البلاد على عوائد النفط. وأخيرًا، سيسمح خفض "مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي" لنسب الفائدة لمنتجي النفط والقطاعات الأخرى المدينة على أقل تقدير بإعادة تمويل بعض ديونها القديمة عبر الاستعانة بقروض ائتمانية أرخص وأحدث، بيد أن المعدل المستهدف للاحتياطي الفيدرالي قريب بالفعل من الصفر، وما من ضمانة أن هذا سيكون كافيًا.

في نهاية المطاف، ما من سبيل لمعرفة إلى متى سيستمر الخلاف النفطي بين روسيا والسعودية، أو ما مقدار انهيار العائدات الذي يمكن لقطاع النفط الأمريكي تحمّله، أو ما مقدار العجز عن سداد الديون الذي يمكن أن يتحمله القطاع المالي الأمريكي الأوسع، أو ما مقدار الضرر الإضافي الذي يمكن أن يلحقه فيروس كورونا بالنظام بأكمله. ربما يؤدي هذا لدفع الاقتصاد الأمريكي نحو الهاوية، وربما لا يحدث هذا.. لكننا سنتعرف على ذلك قريبًا. 

الرئيس الأميركي يعلن بدء إعادة إعمار غزة ويبحث نشر قوات تركية ضمن قوة دولية


بوتين ينجو من محاولة استهداف وكييف تصف الادعاء بأنه مختلق بالكامل


المجلس الانتقالي الجنوبي يتمسك بخطواته نحو إعلان الدولة رغم الضغوط الإقليمية


القتل بالإيديولوجيا والاختراقات الداخلية: اليمن أمام تحديات مزدوجة