تقارير وتحليلات
عندما ترتد السياسات بقوة
عزل قطر يوجه ضربة موجعة للإخوان بليبيا واليمن
أعلنت حكومة شرق ليبيا واليمن الاثنين قطع علاقتهما الدبلوماسية مع قطر في تتمة للخطوة التي بدأتها دول خليجية ومصر في وقت سابق بعد أن اتهموا الدوحة "بدعم الإرهاب"، في خطوة من شأنها أن تشدد الخناق على الإسلاميين المدعومين من قطر في كلا البلدين وبشكل خاص في ليبيا.
وجاء إعلان ليبيا على لسان محمد الدايري وزير الخارجية في حكومة شرق ليبيا الذي قال الاثنين إن الحكومة حذت حذو حلفاء إقليميين وقررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر.
وتتهم أطراف عديدة في ليبيا، بينهم سياسيين في حكومة الشرق والمشير خليفة حفتر، قطر بدعم الإرهاب في بلادهم وبتقديم التمويل المادي واللوجستي لجماعة لإخوان المسلمين والمليشيات التابعة لها في البلاد والحيلولة دون استقرار الوضع الأمني والتشجيع على مفاقمته.
وبإعلان حكومة الشرق قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر تكون قد وجهت ضربة جديدة للإسلاميين المحليين المدعومين من الدوحة في ظل تكشف حقيقة أدوار الأخيرة داخل البلاد أمام الرأي العام الدولي.
وستكون قطر المعزولة اليوم مجبرة بفعل الضغط المسلط عليها على أكثر من جهة وأكثر من صعيد على التخلي، ولو مؤقتا، على مواصلة دعم حلفائها الإسلاميين في هذا البلد في محاولة لإقناع المجتمع الدولي، الذي يوجه إليها تهم دعم الجماعة المصنفة عالميا كتنظيم إرهابي، بعكس ذلك رغم صعوبة المهمة.
وفي خضم هذه الارتباكة التي باتت عليها الدوحة وأمام الضغوط التي تحتم عليها البحث عن مخرج، لا يبدو انه يسيرا، فإنها ستكون مجبرة على التخلي على لعب دور الممول للجماعة في هذه الفترة حتى لا تزيد من تعميق عزلتها، لحماية ما بقي من ماء الوجه.
وبهذا تكون الدوحة قد خسرت الرهان على جماعة الإخوان في ليبيا كما خسرته سابقا في مصر، ولكنها تفقده هذه المرة بعواقب اكبر وخسارات أشد في ظل الصورة القاتمة التي باتت تميزها في الآونة الأخيرة والتي تصنفها كراعي استراتيجي للإرهاب بعد ان كانت مجرد اتهامات تنفيها في كل مرة.
وألقى هذا الوضع الذي باتت عليه الإمارة الغنية بظلاله على الوضع الميداني في ليبيا حيث تكبدت الميليشيات الموالية لقطر في ليبيا خسائر فادحة في أكثر من جبهة سواء في العاصمة طرابلس أو في الجنوب أو في وسط البلاد وشرقها.
وأعلن تنظيم "أنصار الشريعة" في الأيام القليلة القادمة وتحديدا في خضم الجدل الذي رافق تسريب تصريحات عن أمير قطر وما راج من اتهامات لها بدعم الإرهاب والإخوان المسلمين، حل نفسه بعد أن خسر آخر معاقله في مدينة درنة شمال شرق ليبيا.
وفي الأثناء نجحت قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض من شأنها أن تحسر حضور المليشيات التابعة للإخوان التي تلقت صفعة كبيرة بسبب الضغوط الكبيرة المسلطة على قطر الجهة الممولة لهم.
فقد سيطر الجيش الوطني الليبي على قاعدة الجفرة العسكرية الإستراتيجية السبت بعد انسحاب فصائل منافسة في خطوة تعزز سيطرته على وسط ليبيا وتفتح أفق تقدمه باتجاه العاصمة طرابلس.
كما تمكنت هذه القوات في جنوب البلاد من استرداد قاعدة تمنهنت العسكرية جنوب مدينة سبها بعد دحر ميليشيا القوى الثالثة التي انسحبت باتجاه مدينة مصراتة، علما أن هذه القاعدة تكتسي أهمية إستراتيجية خاصة وقد تشكل احد مفاتيح السيطرة على الجنوب الذي سيكون بدوره مفتاح الإمساك بزمام الأمور في كامل ليبيا بما في ذلك طرابلس التي يسيطر عليها الإسلاميون بدرجة أولى.
وبهذا ستتراجع أدوار الإسلاميين في البلاد تدريجيا ولن تكفي المليارات التي دفعتها الدوحة منذ سقوط معمر القذافي لإرباك العملية السياسية في ليبيا، في تجاوز تبعات الوضع الراهن. ويرجح متابعون أن يؤدي ابتعاد قطر ولو مؤقتا عن الساحة الليبية لحدوث تفاهمات كبرى كانت تعطلها تدخلاتها التي تصب في صالح الإخوان منذ 2011.
اليمن ترفض الدوحة
ومن جانبها أعلنت الحكومة اليمنية الاثنين قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، عضو التحالف العربي العسكري الذي ينشط في اليمن، متهمة الدوحة بدعم المتمردين الحوثيين المناصرين لإيران ودعم جماعات متطرفة في اليمن.
وحذت اليمن حذو السعودية والإمارات والبحرين ومصر، أعضاء التحالف الذين أعلنوا في وقت سابق اليوم قطع علاقاتهم مع الدوحة، متهمين إياها بدعم "الإرهاب".
وقالت الحكومة في بيان أنها قطعت "علاقاتها الدبلوماسية بدولة قطر وذلك بعد اتضاح ممارسات قطر وتعاملها مع الميليشيات الانقلابية ودعمها للجماعات المتطرفة في اليمن"، الأمر الذي "يتناقض مع الأهداف التي اتفقت عليها الدول الداعمة للحكومة اليمنية الشرعية".
وعبرت الحكومة اليمنية عن ثقتها في استمرار التحالف العربي في بذل الجهود "لتحقيق الأمن والاستقرار للشعب اليمني ودعم الشرعية واستعادة سيادة الدولة اليمنية من الانقلابيين والاستمرار في محاربة الإرهاب على كافة الأراضي اليمنية.
وتتهم أطراف من حكومة الشرعية باليمن قطر بدعم الحوثيين وجماعة الإخوان في البلاد وأنها تنفذ جملة من المخططات عبر هذه القنوات تهدف في مجملها لضرب الاستقرار وإطالة عمر الحرب في محاكاة للهدف الإيراني.
وذكرت تقارير يمنية أن الدوحة اعتمدت جملة من الأساليب كمحاولة لإخفاء دعمها للجماعة ولكن محاولتها الإيهام بأنها تقدم المساعدات إلى اليمن، في الوقت الذي تكون فيه المساعدات موجهة في الحقيقة لصالح المؤسسات المرتبطة بالإخوان "حزب الإصلاح" أو عن طريق مناطق موالية تقدم الولاء للإخوان.
ورغم مشاركتها في قوات التحالف العربي إلا أن قطر لم تتخلى دعم الإخوان حتى في اليمن وحتى في سياق إدراكها لكونهم يقفون في الصف المعادي للقوات التي تنخرط معها في المعارك، باعتبارهم جزءا من الأدوات المهمة للسياسة الخارجية لهذا البلد.
ويقول عدد من وجهاء المحافظات اليمنية إن رموزا من تنظيم القاعدة في اليمن، لا يجدون حرجا في إعلان ولاءاتهم لقطر، التي تدعمهم ماديا، وتوفر لهم الملاذات الآمنة.
ولكن بعد إعلان قطع الدبلوماسية وفي خضم هذا الحصار الذي باتت عليه الدوحة فما من شك أن تأثيرات الأخيرة ستتراجع بعد أن ارتدت عليها سياستها بالشكل الذي لا يبدو أنها انتظرته.
كما أن التنبه لمخططاتها في اليمن سيضعها تحت مجهر المراقبة، ومن غير المرجح أن نلقي بنفسها في ذات "المستنقع" الذي اتخذته في البداية لأنها تعي جيدا أن العودة له يعني الغرق أكثر ويعني مزيدا من الخسارة. وبالتالي فإن الإخوان في اليمن كما في ليبيا مدعوين للبحث عن مضخات تمويل جديدة لأنه من غير المجدي لقطر أن تواصل في الوقت الراهن على الأقل تمويل هذه الجماعات.